دعا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إلى ضرورة نبذ الخلاف والتوحد بعيدًا عن العصبية والطائفية، بعد أن ضعفت أواصر الوحدة بيننا. وقال «الطيب» في كلمته التي ألقاها بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء والبابا تواضروس ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وجمع من الشخصيات السياسية والعامة، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف :« اليومَ، وبعدَ أن ضَعُفَتْ فيما بيننا أواصِرُ الوَحدةِ، وتقطَّعَتْ وشائِجُ الأُخوَّةِ في الدِّينِ وفي العُروبةِ، واستحكَمَتْ نَزَعاتُ العَصَبيَّةِ بين مَذاهِبَ وطوائفَ، طالما تآخَتْ على مَدَى أكثرَ مِن أربعةَ عَشَرَ قرنًا مِن الزمانِ، واستقرَّتْ على التفاهُمِ والتسامُحِ والاحترامِ المتبادَلِ». وتابع شيخ الأزهر :«وبعد أن تنازَعْنا وصار بأسُنا بيننا، واستحَرَّ القتلُ على المذهبِ والطائفةِ والعِرْقِ؛ ليس أمامَنا -بعدَ كلِّ ذلكَ- إلَّا أن نَستَلْهِمَ سِيرةَ صاحِبِ الذِّكرى وهَدْيَه في القضاءِ على العَصَبيَّاتِ والتحزُّباتِ، والخروجِ مِن هذا المأزِقِ الذي لا ندري هل دَخَلْناهُ مُختارِينَ أو مجبورينَ، وبوَعْيٍ أو بدونِ وَعْيٍ؛ وذلكَ حتى لا يتحقَّقَ فينا الوعيد الإلهيُّ، في قولِه تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾{الأنفال: 46}». وقولهِصلى الله عليه وسلمفي الحديثِ الشَّريفِ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا» قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ». قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ». وأضاف قائلًا :« انظُرُوا حَضَراتُكُم إلى هَذا التَّصويرِ النَّبويِّ الَّذي يَنطَبِقُ تَمامَ الانطِباقِ على أوضَاعِنا الرَّاهنةِ اليَومَ، فهُناكَ قَصعَةٌ فِيهَا طَعامٌ شَهيٌّ، وهُناكَ جائِعونَ مُتربِّصونَ بهذهِ القَصعَةِ، يَدعُو بَعضُهُم بَعضًا للانقِضَاضِ عليها واقتِسَامِهَا فِيمَا بَينَهُم. ولَو أنَّكَ تَرجَمتَ قَصعَةَ الطَّعامِ في الحديث الشريف بثَرَواتِ العربِ والمسلمينَ المادِّيةِ والفِكريَّةِ والبشريَّةِ لانطَبَقَت الصُّورةُ على واقِعِنا الآنَ تَمامَ الانطِبَاقِ»..
وشدد الإمام الأكبر على ضرورة الوحدة قائلًا«:نَعَم! لَيسَ أمَامَنَا الآنَ إلَّا أَنْ نَقِفَ إلى جِوارِ دَعَواتِ الوَحْدَةِ والاتحادِ والتَّحالُفِ، وإلا أَنْ نَدعَمَها ونُؤازِرَها، فَهِيَ وَحْدَها -بعدَ اللهِ تَعَالى-الكَفِيلَةُ بإنقَاذِ أُمَّتِنا مِنْ أَزَمَاتِها الخانِقَةِ، هذهِ الأُمَّةُ التي يتوفَّرُ لهَا مِنْ مُقَوِّمَاتِ التَّحَالُفِ والاتحادِ ومصادرِ القوَّةِ ما لَمْ يتوفَّرْ لغيرها مِنْ دُوَلٍ اتَّحدتْ رَغْمَ تبايناتِ اللُّغَةِ والعِرقِ والمذهَبِ والطَّائفةِ، ولعلَّ مِنْ نَفَحاتِ صاحِبِ هذهِ الذِّكرى مَا أَلهمَ اللهُ بِهِ قَادَةَ العَرَبِ والمسلمينَ، وجمَعَ عَلَيهِ قُلُوبَهم مِنْ إعلانِ التَّحالُفِ الإسلاميِّ العَسكريِّ للتَّصَدي للإرهَابِ ولجَمَاعَاتِ العدوان المسلَّح، ونحنُ وإِنْ كُنَّا في الأزهرِ-سِيَادَةَ الرَّئيسِ!- نُؤمنُ بضَرُورةِ التَّصَدِّي العَسكَريِّ والأمني لهذا الوَباءِ الَّذي ابتُلِيَت بِهِ الأُمَّةُ، ونُرَحِّبُ أَوْسَعَ التَّرْحِيبِ بِهذا التَّحَالُفِ الَّذِي نَسْألُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَجْعَلَ عَلَى يَدَيْهِ نِهَايَةَ هَذا الْكَابوسِ الجَاثِمِ عَلَى صُدُورِ النَّاسِ فِي الشَّرْقِ والْغَرْبِ؛ فَإنَّ الأَزْهَرَ –إلى جانبِ ما بَذَلَه ويبذُلُه مِن جُهودٍ في هذا المجالِ- لا يمَلُّ مِن تَكرارِ نِدَائِه وَدَعْوَتِه لِتَحَالُفٍ عَرَبيٍّ إِسْلاميٍّ مِن أحرارِ العلماء والصادِقينَ مِن رِجالِ الفِكرِ، لِمُوَاجَهَةِ الإرهاب بنقض أفكاره، وتفكيك مقولاته فِي أَذْهَانِ ضَحَايَاهُ؛ لِإِيمَانِنَا بِأَنَّ العُدْوَانَ إِذا كَانَ يُواجَهُ بِالسِّلاحِ، فَإِنَّ الْفِكْرَ إِنَّما يُواجَهُ بِالحِوَارِ وَالحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ». وأوضح أنَّ الأزهر في دعوته لوحدة الأُمَّة واتِّحادها يعي جيدًا خصوصيات الأقطار العربية والإسلامية، وإنَّما يدعو إلى وحدة الأهداف العليا والمصالح المشتركة المبنية على التكامل والتشاور وتوحيد الجهود.