انتهت حرب الانتخابات البرلمانية لعام 2016، واندلعت "حرب كلامية" أخرى بين نواب وأحزاب وكتل مؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسى قبل أن يعقد البرلمان، وهو ما قد يصعب على المراقبين من الخارج أن يفهموا أسبابها بالنظر إلى أنه لا توجد خلافات سياسية أو منهجية واضحة، وهو ما يؤدى غالبًا إلى هكذا تناحر برلماني. ورأت صحيفة القدس العربى أن الحرب وصلت إلى ذروتها خلال اليومين الماضيين عندما أصدر حزب "المصريين الأحرار" صاحب الأكثرية، وليس الأغلبية، فى البرلمان بيانًا قويًا اتهم فيه "ائتلاف دعم الدولة المصرية" الذي أفرزته "قائمة فى حب مصر" بعد اكتساحها انتخابات القائمة، بالسعي إلى "مصادرة الحياة السياسية"، بعد أن رفض الانضمام إليها. وأكد الحزب فى بيان، رفض ممارسة السياسة وفق ما وصفه ب«منهج انتهازي يقوم على توزيع مكاسب ومناصب لتحقيق تَوافق أو أغلبية». وأضاف: وفق هذه الرؤية نؤكد رفضنا القاطع، أن نكون جزءًا من تحالف يحاول مصادرة الحياة السياسية، وهو السلوك الذي يمارسه عدد من النواب تحت شعار «دعم الدولة المصرية». وأكد "أننا نعتبر أنفسنا من مكونات الدولة المصرية، كما أننا نؤكد مساندتنا لمشروع الرئيس عبد الفتاح السيسي". وسارع منسق الائتلاف اللواء سامح سيف اليزل بالرد مشددا على أنهم «لم يفرضوا شيئا» على أحد، وأنهم بتشكيل ائتلاف الكتلة المصرية، «لا يصادرون الحياة السياسية على أحد». وبالطبع لم يكن حزب «المصريين الاحرار» الوحيد الذى اعلن الاستياء من تشكيل هذا الائتلاف، الذى يسميه البعض ب «ائتلاف السيسي»، بل ان نوابا من اشد مؤيدى الرئيس بلغ بهم الامر التهديد بالانقلاب عليه احتجاجا على ذلك الكيان الذى يبدو انه يتجه إلى وراثة دور «الحزب الوطني» الحاكم فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك. ولكن تختلف الاسباب بينهم، فمنهم من يريد فعلا عودة «الحزب الوطني» ولكن لم يسمح له بالانضمام إلى الائتلاف، تفاديا لاستفزاز مزيد من الاتهامات والشبهات. ومنهم ما يرفض الائتلاف لأنه سيبعث عمليا «سيناريو برلمان مبارك»، الذى كان يستطيع ان يمرر من يشاء من قوانين أو تعديلات دستورية (كما حدث فى العام 2007) فى غضون ساعات قليلة، خاصة بعد ان حاز الأغلبية المطلقة بانضمام نحو اربعمئة نائب إلى صفوفه. اما لماذا هذه الاستماتة على خطف ورقة «تمثيل الدولة أو دعمها» فى البرلمان، فان الاجابة قد تكون اكثر تعقيدا مما يظن البعض، ويمكن التوقف هنا عند بعض ملامحها: أولا: رغم ان الهرولة نحو حزب الأغلبية «تقليد برلمانى راسخ» بدأ قبل نحو أربعة قرون عندما قفز اعضاء «حزب مصر» خلال ساعات قليلة إلى الحزب الوطني" الجديد حينئذ، بعد ان اعلن الرئيس الراحل انور السادات تشكيله، الا ان الامر يختلف هذه المرة، اذ ان النظام نفسه اعلن انه يواجه «حرب وجود»، وهكذا فان هؤلاء لا يريدون ان يكونوا فى أى موقع قد يساء تفسيره، ولا يريدون ان تفوتهم ايضا «بركات دعم الدولة» خاصة انهم يدركون مدى «توجس» النظام من البرلمان الجديد بعد الصلاحيات غير المسبوقة التى حصل عليها فى الدستور الجديد. ثانيا: رغم انه يحسب للنظام انه لم يتدخل بالتزوير فى العملية الانتخابية، الا ان ثمة مفهوما فاسدا يحكم سلوك «ائتلاف دعم الدولة» السياسى منذ البداية، لكنه للمفارقة اصبح فى الوقت نفسه اكبر اسلحته السياسية، الا وهو اصراره منذ اليوم الاول على ان يكون «حزب الرئيس»، وليس «حزب الدولة» كما يزعم ناهيك عن ان يكون «حزب دعم الشعب» كما يفترض ان يكون. وتوجد ثمة شواهد لا يمكن انكارها، منها ان «فى حب مصر» تشكلت بسرعة اثر دعوة السيسى للاحزاب لتشكيل قائمة موحدة(…)، وهكذا صادرت مبكرا «امتياز» ان تحسب على النظام، وعندما سئل منسقها العام فى احد البرامج عما اذا كان سيعارض السيسى رد بالقول مستغربا (وهل عمل السيسى أى حاجة غلط حتى الآن؟). ثالثا: ان «مظلة تأييد السيسي» التى ستخيم على البرلمان فى ظل غياب أى معارضة حقيقية، ليست فى الحقيقة شيئا واحدا، بل تضم اعداء حقيقيين يخوضون صراعات قوة ونفوذ داخل النظام، وهو ما يختلف تماما عن برلمان مبارك الذى كانت اغلبيته تمارس الفساد والتزييف مقابل التغطية على فساد النظام. وربما يكون كل ما سبق سببا اضافيا سيجعل البرلمان الجديد «فرجة حقيقية تسلى الشعب المسحوق (بالاضافة إلى وجود نواب مسلين طبعا).