هناك قضية على جانب كبير من الأهمية والخطورة لم يتم حسمها ولا كيفية التعامل معها حتى الآن بشكل يتوافق مع نصوص الدستور الجديد لمصر والصادر فى 2014 . هذه القضية تتعلق بالقرارات والقوانين التى أصدرتها السلطة التنفيذية منذ أن حصلت على سلطة التشريع، بعد حل البرلمان بصدور حكم المحكمة الدستورية العليا, وصدور قرار الحل منذ يوليو 2012، إبان حكم جماعة الإخوان المنحلة، ثم قيام ثورة يونيو 2013 التى أسقطت النظام بأكمله، وسقوط دستور 2012 الصادر فى ظل نظام حكم الإخوان، ثم الاستفتاء على دستور جديد صوت عليه الشعب وعمل به اعتبارا من 18 يناير 2014، ولايزال البرلمان غائباً. وخلال هذه الفترة الطويلة صدرت قرارات بقوانين بلغ عددها «489» قراراً بقانون، حتى أعلن عن دعوة الناخبين، وفتح باب الترشح لمجلس النواب وهو عدد قابل للزيادة حتى انعقاد المجلس !! ولا يزال الجدل دائراً ومحتدماً حول مصير تلك القرارات بقوانين التى صدرت خلال غيبة البرلمان، وموقف السلطة التشريعية منها عند انعقاد مجلس النواب القادم، فى ضوء الحدود والضوابط التى حددتها المادة 156 من الدستور الحالى، وأخصها مدة الخمسة عشر يوماً التى توجب عرضها ومناقشتها والموافقه عليها، أو عدم إقرارها، وما يترتب على ذلك من آثار، حتى أن البعض عبر عن ذلك «بالبركان القادم» الذى يؤدى إلى سقوط القرارات بقوانين كلها، وبما يزعزع المراكز القانونية والمصالح والحريات والحقوق . والسؤال الآن : كيف ستعامل البرلمان مع تلك القوانين والقرارات الجمهورية ؟ وكيف سيتعامل معها خلال مدة الخمسة عشر يوماً التى حددها الدستور ؟ وهل فى حالة عدم إقرار تلك القوانين من جانب مجلس النواب هل ستكون لاغية وتلغى الأثار التى ترتبت عليها ؟ . وفى هذا السياق أشير إلى ما تناولته دراسة مهمة صدرت فى هذا الشأن منذ أيام بعنوان ( سلطة التشريع عند غياب البرلمان أحوالها .. وحدودها .. ومصيرها ) والتى أعدها د. شوقي السيد أستاذ القانون الدستورى , والتى أوضحت أن نص المادة 156 فى الدستور تستوجب أن يقوم مجلس النواب بالإسراع فى اداء مسئولياته، وممارسة سلطاته ورقابته على ما صدر من تشريعات أثناء غيابه، وإتاحة الفرصة، فى ذات الوقت للمناقشة والبحث والتدقيق والتأمل فى أسباب جدية إصدار تلك القرارات بقوانين .. ومدى اتفاقها مع أحكام الدستور .. ودراسة أثارها التى ترتبت عليها، وما يترتب عليها فى حالة عدم الموافقة عليها أو إلغائها. وحول السيناريوهات المطروحة للخروج من هذا المأزق , قال د. شوقى السيد أن المدقق لمفردات نص المادة 156 وصياغتها وفهمها وتفسيرها بغايتها يستدعى التفرقة بين أمور ثلاثة : الأمر الأول:أن يتم عرض القرارات ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً، اذا أمكن ذلك، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً . الأمر الثانى:عدم عرضها ومناقشتها أصلاً، أو عرضها وعدم إقرار المجلس لها بالكامل، عندئذ يزول أثرها بأثر رجعى وهو أمر لا يتصوره عقلاً لأنه يناقض مسئوليات المجلس . الأمر الثالث والأخير:وهو الأهم، ذلك الحكم الذى سكت عنه النص، فماذا لو عرضت التشريعات .. فى الموعد المحدد، خمسة عشر يوماً، حيث تناقش، بلغة الحال والاستقبال، وظل المجلس فى المناقشة ولم ينته من مناقشتها خلال خمسة عشر يوماً فإنه عندئذ لا يمكن القول بزوالها وما يترتب عليها من آثار، لأن المجلس قد عرضها خلال الموعد المحدد وتظل المناقشة مستمره، وحتى ينتهى فيها إلى قرار، دون التقيد بموعد الخمسة عشر يوماً المحددة بالماده 156 من الدستور، وهو تفسير للنص بغايته وحكمته، وبما يتفق مع أصول القواعد الفقهية واللغوية التى تدرأ المشقة .. وتجلب التيسير .. وتحقق المصلحة .. وتدرأ الضرر الأشد، وحتى يصل المجلس إلى مناقشة جادة، وإلى قول صائب وعادل يحقق المصلحة . والقول بغير ذلك من شأنه أن يجعل المناقشة شكليه وهزلية بغير معنى أو فائدة، لا يقبلها المنطق والعقل، وتكاد تكون مستحيلة، وهو ما لا يليق بمجلس نيابى يمثل الشعب، وأقسم على رعاية حقوق الشعب رعاية كاملة وتحقيق مصالحه . وفى النهاية أؤكد على ضروة وضع سيناريوهات قابلة للتطبيق وتوازن بين النص الدستور وحق البرلمان فى ممارسة دوره الرقابى والتشريعى , لأن استمرار تجاهل هذه القضية سوف يكون مسيئاً لصورة مصر فى الخارج , كما أنها ربما تكون سببا فى حدوث أزمة بين البرلمان والنظام خاصة لو نجحت أعداد كبيرة من المرشحين المدعومين من الجماعات الإرهابية فى التسلل لمجلس النواب القادم .