أكد هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق ،على أن التدخل العسكرى الروسى فى الصراع السورى أدى إلى وجود فوضى تامة فى الهيكل الجغرافي السياسي الذي دام أربعة عقود من الزمن متمثلا فى أربع دول في المنطقة لم تعد تؤدي وظائفها كدول ذات سيادة، حيث صارت ليبيا واليمن وسورياوالعراق أهدافاً لحركات ليست بدول تسعى إلى فرض حكمها. وكشف كيسنجر ، في مقال له نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن مخطط ابتلاع لمنطقة الشرق الأوسط من أربعة مصادر متزامنة، وهي وفقاً للكاتب: إيران التي يحكمها الشيعة وما لديها من إرث إمبريالي فارسي، والحركات الراديكالية أيديولوجيا ودينيّاً التي تناضل لإطاحة الهياكل السياسية السائدة، والصراعات الراهنة داخل كل دولة بين جماعات إثنية ودينية جُمّعت عشوائيّاً بعد الحرب العالمية الأولى على هيئة دول (آخذة الآن في الانهيار)، والضغوط المحلية النابعة من اتباع سياسات داخلية سياسية واجتماعية واقتصادية وخيمة. وأستدل كسينجر في مصير سوريا أوضح مثال على ذلك قائلا: فما بدأ كثورة سنية ضد نظام "بشار الأسد" العلويّ (أحد فروع المذهب الشيعي) المستبد حطّم الدولة إلى مكونات عبارة عن جماعات دينية وإثنية، مع وجود ميليشيات ليست بدولة تساند كل طرف متحارب، وقوى خارجية تسعى إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية الخاصة. وأشار كسينجر إلى أن مساندة إيران لنظام الأسد باعتباره دعامة الهيمنة التاريخية الإيرانية الممتدة من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط فيما تصر الدول الخليجية على إطاحة «الأسد» لإحباط المخططات الإيرانية الشيعية . وألمح الكاتب إلى أن تنظيم الدولة الأسلامية "داعش" أضفى بُعد فنائيّ على الانقسام بين الطائفتين الشيعية والسنية الإسلاميتين الذي مضى عليه ألف سنة، حيث تستشعر الدول السنية الباقية التهديد من كل من الحماسة الدينية التي يظهرها «داعش» وأيضاً من إيران الشيعية، التي ربما تكون أقوى دولة في المنطقة، على حد وصف «كسينجر». وأوضح كسينجر إلى أن الاتجاهات المتضاربة، التي يفاقمها انسحاب أمريكا من المنطقة، قد مكنت روسيا من عملية نشر غير مسبوقة في التاريخ الروسي بروسيا لافتا إلى أن شغل روسيا الشاغل هو إمكانية تمخّض انهيار "نظام الأسد" عن تكرار الفوضى الليبية والإتيان ب"الدولة الإسلامية" في العراقوسوريا إلى السلطة في دمشق، وتحول سوريا كلها إلى مأوى للعمليات الإرهابية، التي ستصل إلى المناطق المسلمة داخل حدود روسيا الجنوبية في إقليم القوقاز وأماكن أخرى. وتطرق كسينجر إلى أن تدخّل روسيا يخدم سياسة إيران المتمثلة في الإبقاء على العنصر الشيعي في سوريا فيمالا تتطلب أغراض روسيا استمرار حكم "الأسد" لأجل غير محدود مضيفا بأن السياسة الأمريكية سعت إلى التظاهر بتأييد دوافع كل الأطراف، ومن ثم فهي على شفا فقدان قدرتها على تشكيل الأحداث معللا ذلك في خلافها مع مصر بشأن حقوق الإنسان، ومع المملكة العربية السعودية بشأن اليمن، ومع كل طرف من الأطراف السورية بشأن مختلف الأهداف ،مشيرا إلى تجاهر الولاياتالمتحدة بإصرارها على رحيل "الأسد" عن منصبه، لكنها ظلت غير راغبة في ممارسة التأثير الفعال، سياسيّاً كان أم عسكريّاً، لتحقيق ذلك الهدف. كما لم تطرح الولاياتالمتحدة هيكلاً سياسيّاً بديلاً للحلول محل "الأسد" في حالة ما إذا تحقق رحيله بطريقة أو بأخرى.