نقلت وكالة "رويترز" عن خبراء وقانونيون قولهم إن ضعف المشاركة الشعبية في المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية يفقد برلمان 2015 الظهير الشعبي والشرعية السياسية، لكن الإرادة الرئاسية الراغبة في استكمال صورة مؤسسات الدولة قد تحول دون حله. وقال المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات إن نسبة التصويت بلغت 2.27% في اليوم الأول للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب التي تمثل الاستحقاق الثالث والأخير في خارطة الطريق التي أعلنها الجيش بعد عزل الرئيس الإسلامي الأسبق محمد مرسي عقب احتجاجات حاشدة على حكمه في 2013 . وأرجع المحللون أسباب عزوف الناخبين عن المشاركة إلى عدة أسباب: يتصدرها تعقيد البنية التشريعية للانتخابات، وارتباك الأحزاب المنضمة إلى قوائم، وكثافة المرشحين المستقلين غير المسيسين.
الصوت الواحد أوضح أستاذ فلسفة القانون والفقيه الدستوري بجامعة الزقازيق، نور فرحات، أن توافر الشرعية القانونية للانتخابات لا يَغني عن الشرعيتين؛ السياسية والشعبية، مؤكداً أن الحديث عن الشرعية القانونية وحدها لا يجوز بعد ثورتين شعبيتين شهدتهما البلاد. وأضاف فرحات، لموقع "أصوات مصرية" التابع لوكالة "رويترز"، أن ضعف المشاركة الشعبية في المرحلة الأولى من الانتخابات يعكس أن الشعب المصري أدار ظهره للعملية السياسية بأكملها في ظل انتخابات نظامها القانوني يسفر عن برلمان الصوت الواحد. وتابع فرحات "أرادوها انتخابات بلا سياسية... أرادها الشعب سياسة بلا انتخابات"، مؤكداً أن انعدام المنافسة السياسية في الانتخابات البرلمانية أسفر عن عملية اقتراع مشوهة. ورغم إعلان اللجنة العليا للانتخابات على لسان متحدثها الرسمي أن نسبة التصويت لم تتجاوز 2.27% حتى عصر أول أيام المرحلة الأولى للانتخابات، لكن رئيس الوزراء شريف إسماعيل قال، في وقت سابق اليوم الاثنين، إن نسبة المشاركة تراوحت من 15% إلى 16%.
معارضة مكتومة قالت رئيس الوحدة الأفريقية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية والناشطة الحقوقية، أماني الطويل، إن الفترة التي استغرقها "الطريق إلى البرلمان" استنفدت حماس المواطنين في المشاركة، إضافة إلى ما سمته ب"البيئة التشريعية المحبطة والمعقدة". وأشارت الطويل إلى أن المخاوف من حل البرلمان قد تكون ساهمت في عزوف الناخبين عن المشاركة، إلى جانب كثافة المرشحين غير المسيسين على المقاعد الفردي في الدوائر. وحول عدم مشاركة الشباب من الطبقة الوسطى في الانتخابات، أرجعت الطويل أسباب ذلك إلى ما اعتبرته ب"التدخل المبالغ للمؤسسة العسكرية في العملية الاقتصادية وتراجع هامش الحريات"، ما أدى إلى عزوف الفئة العمرية التي لديها طلب على الديمقراطية ورفع سقف الحريات العامة عن المشاركة في الانتخابات. واستبعدت الطويل تأثير فقدان البرلمان القادم للظهير الشعبي على شرعيته الدستورية، مؤكدة أن تراجع نسب المشاركة في الانتخابات تظل عملية أشبه ب"المعارضة المكتومة" وليست العلنية أو الواضحة التي يمكن على أساسها التأثير على وضعية برلمان 2015. ورصدت منظمات وجمعيات حقوقية راقبت عملية التصويت في الانتخابات، في بيانات المتابعة اليومية، تراجع نسبة مشاركة الشباب في الانتخابات مقارنة بمشاركة كبار السن والنساء.
ارتباك وتناقض وعزا خبير النظم السياسية، أيمن عبد الوهاب، أسباب ضعف المشاركة الشعبية في المرحلة الأولى من الانتخابات إلى حالة الضعف الحزبي الذي أسفر عن قوائم مرتبكة وغير منسجمة، إلى جانب تركيبة متناقضة من المرشحين المستقلين تضم فلولاً وتيارات إسلام سياسي ومحسوبين على ثورتي 25 يناير و30 يونيو. وقال عبد الوهاب، الذي يرأس تحرير مجلة "أحوال مصرية" التابعة لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، إن خلو الانتخابات من السياسة أسفر عن نوع من السيولة الانتخابية وحالة ارتباك للناخبين، ما أدى إلى عزوف شعبي عن المشاركة في عملية الاقتراع. وعاب عبد الوهاب على دور معظم وسائل الإعلام المصري، مؤكدا أنه لم يلعب دورا في تشجيع الناخبين على المشاركة بل ساهم في تنفيرهم من خلال ما سماه ب"الهجوم الأعمى" دون فهم أو تحليل أسباب عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات.
تصويت عقابي قال حافظ هريدي، صحفي من سكان دائرة الدقي والعجوزة، إن دافعه الوحيد للمشاركة في الانتخابات هو التصويت العقابي ضد بعض المرشحين المعروفين بانتهاك الخصوصية واستخدام البلطجة، لكن عدم وجود بدائل أفقده حماس المشاركة في التصويت. وأضاف هريدي –يقطن في دائرة انتخابية تضم حوالي 60 مرشحا على مقاعد الفردي- أن سياسة الامتناع عن التصويت قد تفضح ما سماه ب"زيف الانتخابات" وعدم وجود قوى سياسية فاعلة أو معارضة للسلطة السياسية. وأوضح هريدي أن المعاينة العابرة للجان الانتخابية في دائرة الدقي والعجوزة تكشف عن تواجد مكثف لرجال الشرطة والجيش، مقابل انعدام مشاركة الناخبين، مشيرا إلى فشل أجهزة الدولة في الحشد الانتخابي. وتغيب جماعة الإخوان المسلمين عن الظهور العلني في الانتخابات البرلمانية الحالية، وهو ما قد يكون مؤثراً في ضعف الحشد للناخبين، حيث كانت الجماعة على مدى عقود القوة السياسية الأكبر والأكثر تنظيماً في مصر.