تنسيق الجامعات 2025.. ننشر جدول أماكن أداء اختبارات القدرات لطلاب الثانوية العامة    انتخابات مجلس الشيوخ.. تلقي 10 طلبات ترشيح على المقاعد الفردي بالبحيرة    لطلاب الشهادة الإعدادية.. خطوات التقديم لمدارس التعليم والتدريب المزدوج 2026    بسبب تقلبات سعر صرف الدولار…أسعار الذهب تواصل التراجع فى السوق المحلى    رد حماس ايجابى وترامب يرحب…قوات الاحتلال تواصل حرب الإبادة فى غزة قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار    رئيس الوزراء يتوجه إلى البرازيل للمشاركة في النسخة ال17 لقمة مجموعة "بريكس"    بحضور ثنائي الهلال ونجوم ليفربول.. جنازة ديوجو جوتا لاعب ليفربول في البرتغال (صور)    مصرع واصابة شخصين في حادث تصادم سيارتين بطريق المنصورة - سمنود    رئيس جامعة دمياط يستقبل ممدوح محمد الدماطي وزير الآثار الأسبق    فينيسيوس وبيلينجهام مهددان بالغياب عن الريال فى نصف نهائى مونديال الأندية    طقس شديد الحرارة نهارا معتدلا ليلا فى كفر الشيخ    باريس سان جيرمان يتحدى بايرن ميونخ فى نهائى مبكر بمونديال الأندية.. فيديو    ترامب يعبر عن رغبته في مساعدة أوكرانيا في مجال الدفاع الجوي    خبير تكنولوجي يحذر من هلاوس الذكاء الاصطناعي    تنسيق الجامعات 2025.. ما هي رسوم التقدم لحجز اختبارات القدرات؟    أول قرار من يانيك فيريرا مع الزمالك.. تأجيل انطلاق فترة الإعداد 24 ساعة    عقيلة صالح يشيد بدور الرئيس السيسي في دعم وحدة ليبيا واستقرار مؤسساتها الوطنية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عناتا وضاحية السلام شمال القدس ويخرب منازل المواطنين    إصابة 3 أشخاص في حريق مصنع أقمشة بالعاشر من رمضان    موعد نتيجة الدبلومات الفنية 2025.. التعليم تكشف تفاصيل المراجعة والتجميع المركزي للدرجات    لهيب النيران.. مصرع شاب في حريق شقة بالخلفاوي والنيابة تحقق    حادثة تهز تونس.. زوج يقتلع عيني زوجته للحصول على كنز.. اعرف التفاصيل    فيضانات تكساس تتسبب في فقدان 23 طفلة بمعسكر صيفي.. وعائلاتهن تنشر صورهن وتناشد بالدعاء    فيلم "المشروع X" يتراجع ويحتل المركز الثاني في دور العرض السينمائية    الليلة بالسامر.. عرض "العائلة الحزينة" في مهرجان فرق الأقاليم المسرحية    تبدأ من العلمين وتنتهي بالسعودية.. تامر عاشور يستعد ل3 حفلات خلال أغسطس المقبل    محمود الطحاوى: يوم عاشوراء من النفحات العظيمة وصيامه يكفر ذنوب السنة الماضية    10 فوائد مذهلة لطبق العاشوراء    مصر تشارك ب 10 كوادر طبية في برامج تدريبية بالصين لتنمية المهارات    معهد القلب يجرى زراعة 12 صماما رئويا بالقسطرة التداخلية العلاجية خلال 6 أشهر    فلومينينسي يحرم الهلال من 21 مليون دولار    منتخب شابات الطائرة يستعد لمواجهة كرواتيا بعد الانتصار على تايلاند في كأس العالم    جهاز المشروعات يتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية لدعم مشروعات المرأة المصرية    الجار قبل الدار    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 4 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    وزير الري: جار إعداد منصة رقمية لمتابعة صيانة وتطهير المساقي الخصوصية    وزيرة التنمية المحلية: صوتك مسموع تتلقى 139.8 ألف شكوى وتحل 98.5% منها    "الرعاية الصحية" يتابع مستجدات التحول الرقمى بمنشآت الهيئة فى محافظات المرحلة الأولى    أسعار الدواجن والبيض بأسواق مطروح اليوم السبت 5 يوليو 2025    البابا تواضروس يكشف عن لقاء "مخيف" مع مرسي وسر تصريحاته "الخطيرة" في 2013    هل حضر الزعيم عادل إمام حفل زفاف حفيده؟ (صورة)    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    علاء مبارك يعلق علي دعوة إثيوبيا لمصر بحضور حفل افتتاح سد النهضة    اليوم.. نظر محاكمة 37 متهما بخلية التجمع الإرهابية    تفاصيل تعديلات قانون أعضاء المهن الطبية قبل مناقشته بالنواب.. إدراج أخصائي تكنولوجيا العلوم الصحية.. وضم خريجي هذه الكليات    في هذا الموعد.. نجوى كريم تحيي حفلًا غنائيًا في عمان    عبدالله السعيد يهنئ أبنة بهذه المناسبة (صور)    لويس إنريكي: لا نفكر في الانتقام من بايرن ميونيخ بكأس العالم للأندية    بعد مكاسب تتجاوز 60 دولار.. ننشر اسعار الذهب في بداية اليوم السبت 5 يوليو    تشيلسي يتقدم على بالميراس بهدف بالمر في شوط أول مثير بمونديال الأندية    ترامب: قد يتم التوصل لاتفاق بشأن غزة الأسبوع المقبل    أمير صلاح الدين عن مرضه النادر: الدكتور قال لي لو عطست هتتشل ومش هينفع تتجوز (فيديو)    اليوم عاشوراء.. صيامه سنة نبوية تكفّر ذنوب عام مضى    «إيه كمية التطبيل ده!».. رسائل نارية من أحمد حسن بسبب مدحت شلبي    دعاء يوم عاشوراء مكتوب ومستجاب.. أفضل 10 أدعية لمحو الذنوب وقضاء الحاجه (رددها الآن)    4 أبراج «أثرهم بيفضل باقي»: متفردون قليلون الكلام ولا يرضون بالواقع كما هو    اليوم| نظر دعوى عدم دستورية مواد قانون السب والقذف    ما هي السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبع فوائد في محاضرة واحدة (2)
نشر في المصريون يوم 08 - 10 - 2015

عرفنا في الجزء الأول من هذه المقالة درسين مهمين من الدروس التي تضمنتها محاضرة الدكتور جورج صليبا؛ التي نشرها قبل أيام، مركز المخطوطات الإسلامية بمؤسسة الفرقان في لندن. واليوم نعرف بقية الدروس وهي:
الدرس الثالث: أنمن الخطأ والخطر، معاً، على الوعي الفردي والجمعي في أمة من الأمم: تعميم حكمٍ ما قبل الاستقصاء، واعتبار الاستنتاجات الجزئية حتى لو كانت صحيحة دليلاً كافياً لإصدار أحكام عامة وموثوقة. وهذا درس في صميم البناء المعرفي للعلم. وقد شن الدكتور جورج صليبا هجوماً نقدياً قاسياً على الرأي الذي يذهب إلى أن ظهور نمط الشروح والتعليقات بحد ذاته كان دليلاً على ركود الحياة العلمية وتوقف الإبداع في تاريخ الحضارة الإسلامية. ونعى على أصحاب هذا الرأي أنهم: لم يقرأوا تلك الشروح والحواشي والتعليقات ويستقصوا مضامينها قبل أن يصدروا حكمهم هذا. وعزى ذلك بموضوعية العالم المتمكن وتواضعه إلى أسباب كثيرة منها: صعوبة قراءة الشروح والتعليقات لصغر حجم الخط الذي كتبت به، وكثرة الاستطرادات، والإحالات الواردة في سياقاتها؛ مما يحتاج إلى صبر طويل لإدراك ما فيها من جديد وإضافات؛ عادة ما تكون محدودة في البداية، وغير ظاهرة بما فيه الكفاية، وغير ذلك من الأسباب التي لا تبرر أبداً الذهاب إلى تعميم حكم معين على مجمل التراث العلمي لحضارة عظيمة مثل الحضارة الإسلامية. والدكتور جورج أخذ على عاتقه في هذا الكتاب(المحاضرة) أن يكشف زيف التعميم القائل بأن عصر ما بعد الإمام الغزالي كان عصر تقليلد وتكرار وعقم في الابتكار. وقد ثابر على البرهنة بالأدلة القطعية على خطأ هذا التعميم وإثبات مجانبته للحقائق العلمية والتاريخية. وحذر كثيراً من الآثار السلبية التي يتركها هذا التعميم على وعي ووجدان أبناء الحضارة الإسلامية من جهة زعزعة الثقة في ماضيهم العلمي، وفي قدرتهم على النهوض من جديد في العصر الحاضر.
الدرس الرابع: أن التفكير الإبداعي، والابتكار العملي، والنفع الحضاري؛ كل أولئك لا يتوقف على استقرار الأحوال السياسية، ورغد العيش وازدهار الأحوال الاقتصادية، ولا يتوقف حتى على "عموم الأمن والطمأنينة العامة" في المجتمع. وهذا هو مغزى انتصار جورج صليبا في تحديه للرأي القائل بأن الحضارة الإسلامية دخلت عصر الخمول والركود العلمي بعد الإمام الغزالي، وربما بسبب كتابيه ذائعي الصيت: إحياء علوم الدين، وتهافت الفلاسفة، كما يزعم البعض. وقد برهن جورج صليبا في كتابه هذا، وفي أعمال أخرى له على خطأ هذا الرأي. وأثبتَ أن علماء الحضارة الإسلامية استمروا في إبداعاتهم وابتكاراتهم، ولم توقفهم حالة الاضطراب السياسي، ولا تفكك مركز الخلافة في بغداد وتحوله إلى سلطة شكلية، ولا حتى عندما سقطت على يد المغول في سنة 656ه، 1258م، كما لم يوقفهم تفشي الانقسامات ووقوع الهزائم في كثير من المواقع أمام حملات الفرنجة قبل ذلك(كما سماهم المؤرخون المسلمون، أما الغربيون فسموها باسم: الحملات الصليبية).
أراد جورج صليبا أن يقول لنا: إن العالم الحق في الحضارة الإسلامية لم يكن علمه مرهوناً بالظروف السياسية والأمنية والاقتصادية. وأنه استطاع أن يقدم للبشرية ابتكارات جديدة؛ حتى وهو يكتب بأسلوب الحواشي والشروح التعليقات التي لا يصبر على قراءتها إلا أصحاب النفس الطويل والعزائم القوية، وكان الخفري، ومن قبله كان الطوسي من هؤلاء الأفذاذ. وقد استفاد من إبداعاتهم: كوبر نيكس وغيره من علماء عصر النهضة الأوربية. وهنا سؤال نطرحه على الدكتور صليبا: ترى لماذا لم يشعر أمثال الطوسي والخفري وابن الشاطر وغيرهم بالإحباط، ولماذا لم ينصرفوا عن البحث والاجتهاد رغم سوء الأحوال العامة وكثرة الاضرابات والقلاقل من حولهم؟. هل الصلة منفكة حقاً بين الابتكار والإبداع ومجمل الأحوال والظروف التي يعيشها العلماء المجتهدون؟.
الدرس الخامس:أن طريقة الشرح والتعليق في التأليف العلمي لها فلسفتها الخاصة في التكوين المعرفي والتراكم العلمي؛ ولها دورها الذي يضاهي في أهميته العلمية، إن لم يتفوق، على الدور الذي تؤديه الدوريات العلمية في العصر الحديث. ويلاحظ جورج صليبا أن "الدوريات العلمية" بدأت تنتشر في أوربا في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، ثم انتقلت بعد ثلاثة قرون تقريباً إلى العالم الإسلامي. ويقارن بين طريقة علماء الحضارة الإسلامية وعلماء الحضارة الأوربية المعاصرة في كيفية تسجيل نتائج اجتهاداتهم وإبداعاتهم. فعلماء الحضارة الإسلامية؛ فيما بعد القرن السادس الهجري/العاشر الميلادي؛ كانوا يدرجون أعمالهم الإبداعية ضمن "الشروح والتعليقات"، تماماً كما كان وما زال علماء الحضارة المعاصرة ينشرون مقالاتهم أولاً في الدوريات العلمية المحكمة، ويعلقون في المقال الواحد على ما ورد في المقالات السابقة في تخصصه، إلى أن يصلوا إلى إضافة جديدة؛ كل ذلك توخياً لاستكمال صرح البناء العلمي الذي كان، وما يزال، يخضع للتمحيص والنقد والتدقيق. وينتهي جورج صليبا إلى الحكم بتفوق طريقة "الشرح والتعليق" القديمة في تاريخ العلم والمعرفة الإسلامية على نظيرتها التي تعتمد النشر في الدوريات العلمية في الحضارة المعاصرة. ويقرر بثقة: أن علماء الحضارة الإسلامية استخدموا نمط الشروح والتعليقات (في العلوم الطبيعية على الأقل) بشكل منسق واستراتيجي لتمهيد الطريق إلى طرح النتائج الإبداعية التي توصلوا إليها. والمهم في كل الأحوال ليس هو قالب الكتابة(شرح أو تعليق أو مقالة) وإنما هو الاجتهاد والنقد والإبداع العلمي الحر.
الدرس السادس: أن علماء الحضارة الإسلامية في العصر الذي يوصف خطأً بأنه عصر الركود والتكرار؛ منهم من أسهم في تصويب نظريات علمية كانت قد استقرت لأزمنة طويلة سابقة؛ ليس فحسب وإنما منهم من أسهم أيضاً في تصويب النظر إلى مناهج الوصول إلى الحقيقة العلمية. ومن هؤلاء شمس الدين الجفري الذي؛ تمكن أولاً من "حل ما لا ينحل" من معضلات علم الفلك التي عجز عن حلها السابقون من بطلميوس إلى الشيرازي، وتمكن أيضاً من تصويب الإدراك الإنساني لعلم الرياضيات ووظيفته. فبعد أن كان النقاش يحتدم بين العلماء بشأن صواب أو خطأ برهان رياضي ما، جاء الخفري ليكتشف ويقرر بالأدلة القطعية: أن الرياضيات بحد ذاتها لا تنطوي على أية حقيقة مطلقة كامنة فيها؛ بل لا يمكن وصف الرياضيات إلا بأنها "لغة" يمكن استخدامها لوصف الظواهر كما يمكن وصفها بلغة أخرى(فرنسية، أو ألمانية) وهي منفصلة تماماً عن اللغة الرياضية. وفي هذا الاستنتاج فوائد معرفية كثيرة، وكان لها تأثير حاسم في مسار البحث العلمي والسعي للوصول إلى ما يعتقده العلماء "حقيقة" في وقت ومكان معينين. فبالعكس من علماء الفلك السابقين للخفري، الذين كانوا يسعون دوماً للوصول إلى الحل الصحيح بالأسلوب الرياضي، نرى "الخفري" يؤكد على أن الحلول الرياضية كلها صحيحة، وأن الحلول الصحيحة لا نهاية لها، لأنها بنت الخيال، والخيال لا حد له!، وأن الاختيار من بين تلك الحلول يحسمه في النهاية: أيها أقرب منالاً، أو أحسن جمالاً، ولا يتوقف الأمر على التراكيب الرياضية التي أوصلتنا إلي تلك الحلول؛ فالرياضيات تقنن الظواهر الطبيعية ولكنها لا تضفي عليها أية مصداقية خارجة عن جوهرها. وهذه نقلة نوعية في تاريخ المعرفة الإنسانية، بل هي عين الرؤية الحداثية التي لا تزال تهمين على مجتمع العلماء إلى عصرنا الراهن، وكان لما أتى به تأثير كبير في مسار التقدم العلمي للإنسانية من بعده.وقد أتى بها "الخفري" وهو أحد كتاب الشروح والتعليقات، التي يريدوننا أن نعتبرها دليلاً على الانحطاط في تاريخ العلم في الحضارة الإسلامية.
الدرس السابع: أن سمو الأخلاق، والأمانة العلمية، والإيمان بالله؛ أصول لا ينفك عنها العلم النافع، ولا تنفك هي عنه؛ فإذا انفكت لم يعد علماً، ولا نافعاً. ويطالعك جورج صليبا من أول كتابه/محاضرته إلى آخره، بما يرسخ هذا الدرس في أعماق وعي ووجدان جماعة الباحثين ومجتمع العلماء، والقراء عموماً. فهو يركز كثيراً على عبارات التقدير والاحترام التي وصف بها العلماء المسلمون "بطلميوس" صاحب كتاب المجسطي؛ رغم نقدهم الشديد له، ورغم محاولاتهم الدؤوب لتصحيح الأغلاط التي وردت فيه؛ حتى عندما توصل ابن الهيثم لبراهين قطعية على خطأ بطلميوس، فإنه سمى كتابه "الشكوك على بطلميوس". ويصف الخفري أحد الذين انتقدهم وبين أغلاطهم في علم الفلك بأنه "سيد المحققين، وسند المدققين"، وهكذا كان قانون الأخلاق العالية الذي حكم لغة التخاطب بين العلماء الذين يصفهم البعض بأنهم من عصر الانحطاط!.
أما الأمانة العلمية، التي بمقتضاها يعزو العالم الأفكار إلى أصحابها، فأمر لا تهاون فيه، ولا مسامحة مع من يسمح بنسبة جهد غيره إلى نفسه. وفي سياق ما أورده جورج صليبا في كتابه نجد أكثر من مثال على صرامة الأمانة العلمية التي تحلى بها علماء الحقبة التي توصف خطأً بأنها حقبة الانحطاط العلمي. فالخفري؛ مثلاً، ينسب كل نظرية إلى صاحبها، قبل أن يناقشها أو ينقدها، ويميز إضافاته وتجديداته التي يوردها في سياق شرحه لهذا الكتاب أو ذاك من كتب العلماء السابقين، ويصفها، متواضعاً، بأنها "زوائد"، قبل أن يعود بعد سنين طوال لجمعها وتطويرها في كتاب مستقل، يحمل عنوانا مميزاً من قبيل "حل ما لا ينحل" في مسائل علم الفلك. وعندما يسرد الخفري بعض فوائد علم الهيئة/الفلك، فإنه لا يتردد في نقل واحدة من أهم فوائده عن بطلميوس، الذي سبق أن انتقده، وهي أن من فوائده " أنه يعين على الحكمة الخُلُقية؛ فإن إدراك ثبات الحال وحسن الترتيب والاعتدال والخلو عما لا حاجة إليه من تلك الأجرام الشريفة العالية؛ يقتضي محبة هذه الأمور". وهذه الفائدة الجليلة أخذت طريقها إلى كتب كثيرين من علماء الفلك المسلمين، مع دوام نسبتها إلى صاحبها الأول وهو بطلميوس الذي أوردها في مقدمة كتابه المجسطي.
وأما الإيمان بالله، فينبهنا جورج صليبا أكثر من مرة إلى حضوره وأهميته في حياة هؤلاء العلماء وفي فلسفتهم للعلم. ومن ذلك ما نقله من شرح الخفري على تذكرة الطوسي، الذي سماه "منتهى الإدراك في مدارك الأفلاك"، قال الخفري في مقدمة شرحه هذا" لما كان أجلُّ العلوم بياناً وأوثقها تبياناً هو علم الهيئة، الذي انكشفت به أسرار المبدعات، واتضحت به أحوال المصنوعات، التي شوّقَ العباد إلى النظر فيها قول الله عز وجل: "أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها"(سورة ق:6). وعندما يتمكن الخفري من "حل ما لا ينحل" فإنه لا يفتأ يذكر في ثنايا كتابه أن ما توصل إليه هو " من المنايح الإلهية التي أغدقها الله سبحانه وتعالى عليه"، ويعبر عن امتنانه لنعمة الله عليه، فيردد فرحاً مسروراً قوله تعالى" وأما بنعمة ربك فحدث"(الضحى:11). وهكذا كان دأب أغلب العلماء. ويصل الخفري، كما يوضح جورج صليبا، إلى معقد الصلة بين الإيمان والعلم، فيقول إن نظريته في أن "الرياضيات لغة تصف الظواهر الطبيعية"، وأن "جميع هذه الأوصاف تؤدي بالتالى إلى وصف الظاهرة الطبيعية عينها. واللامتغير؛ عدا عن الباري سبحانه وتعالى، هو الظاهرة الطبيعية، أما الوصف الذي يمكن أن تتعدد لغاته فهو المتغير". وهذا النص يعبر عن عمق الإدراك العلمي، وعن عمق الإيمان بالله معاً. وأن هذا الإدراك هو الذي أوصله إلى "لانهائية الخيال" باعتباره المفتاح الذهبي للعلم على مر الأزمنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.