ابن الهيثم او بطلميوس الثانى كما اطلق عليه .. قدم إسهامات كبيرة في الرياضيات، والبصريات، والفيزياء، وعلم الفلك، والهندسة، وطب العيون، والفلسفة العلمية، والإدراك البصري، والعلوم بصفة عامة بتجاربه التي أجراها مستخدمًا المنهج العلمي، وله العديد من المؤلفات والمكتشفات العلمية التي أكدها العلم الحديث. لذلك يجب ان نتعرض بعض الشيء في شخصيته، كعلم من أعلام البصريات؛ نتعرض فيها لحياته الشخصية، ثم حياته العلمية، ونتعرف بصفة خاصة على تأثيره في الحضارة الغربية، و نستعرض آراء المنصفين من الغربيين في ذلك.. ابن الهيثم.. من الميلاد إلى الوفاة هو أبو علي الحسن بن الهيثم، من أصل عربي، لقب ببطليموس الثاني، وهو عالم موسوعي من أعظم علماء الرياضيات والفيزياء، وأتقن الطب وصنف فيه لكنه لم يمارسه، ويعد مؤسس علم البصريات. ولِد في البصرة عام 354ه / 965م وعاش فيها حياته الأولى، سافر في طلب العلم، فذهب إلى بغداد والشام ومصر، وتنقّل بين أرجاء الدولة الإسلامية.. وقد درس في بغداد الطب، واجتاز امتحانا مقررا لكل من يريد العمل بالمهنة، وتخصص في طب الكحالة (طب العيون)، وكان أهل بغداد يقصدونه للسؤال في عدة علوم، برغم أن المدينة كانت زاخرة بصفوة من كبار علماء العصر. وعندما سمع الحاكم بأمر الله الفاطمي مقولته: "لو كنت بمصر لعملت فِي نيلها عملا يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص.." استدعاه إلى بلاطه وأمده بما يريد للقيام بهذا المشروع، ولكن ابن الهيثم لما ذهب إلى مصر وبعد أن حدد مكان إقامة المشروع (وهو عند مدينة أسوان)، أدرك صعوبة أو استحالة إقامة المشروع بإمكانات عصره، فاعتذر للحاكم بأمر الله! كان دائما يقول: "وإني ما مدت لي الحياة، باذل جهدي، ومستفرغ قوتي في مثل ذلك (يقصد الدراسة وتحصيل العلوم)، متوخيا منه أمورا ثلاثة: أحدها إفادة من يطلب الحق ويؤثره، في حياتي وبعد مماتي، والآخر أني جعلت ذلك ارتياضا لي بهذه الأمور في إثبات ما يتصوره ويتقنه فكري من تلك العلوم، والثالث أني صّيرته ذخيرة وعدة لزمان الشيخوخة وأوان الهرم". وبعد رحلة علمية حافلة بالإنجازات، وساعدت على قيام النهضة الأوربية الحديثة، وبعد تأثير دام أثره إلى اليوم، وفي القاهرة، وفي سنة 430 ه/1039م.. رحل ابن الهيثم عن دنيا الناس والطبيعة، وترك أعماله القيمة تنبئ عنه، وتستمد منها الحضارة الإنسانية النور والمعرفة. ابن الهيثم.. والمنهج العلمي الحديث يقول كاجوري في كتابه (تاريخ الفيزياء): "إن علماء العرب والمسلمين هم أول من بدأ ودافع بكل جدارة عن المنهج التجريبي، فهذا المنهج يعد مفخرة من مفاخرهم، فهم أول من أدرك فائدته وأهميته للعلوم الطبيعية..". وإذا جئنا إلى ابن الهيثم على وجه الخصوص نراه قد اعتمد في بحوثه على منهجين هما: منهج الاستقراء، ومنهج الاستنباط، وفي الحالين كان يعتمد على التجربة والملاحظة، وكان همه من وراء البحث هو الوصول إلى الحقيقة التي تثلج صدره . ويتضح منهج ابن الهيثم في البحث إجمالا من مقدمة كتابه (المناظر)؛ فقد بين فيه بإيجاز الطريقة التي هداه تفكيره إلى أنها الطريقة المثلى في البحث، والتي اتبعها في بحوثه والذى يقول عنه أحمد أمين "وأهم ما امتاز به (ابن الهيثم) معرفة نظريات الرياضة، ومن أهم مميزاته تطبيق علمه على العمل". كما يتضح لنا أن ابن الهيثم جعل علم الضوء يتخذ صبغة جديدة، وينشأ نشأة أخرى غير نشأته الأولى، حتى أصبح أثره في علم الضوء يشبه تأثير نيوتن العام في علم الميكانيكا، فكانت المعلومات في علم الضوء قبل ابن الهيثم متفرقة لا يربطها رابط، فأعاد البحث فيها من جديد، واتجه في بحثه وجهة لم يسبقه إليها أحد من قبله، فأصلح الأخطاء وأتم النقص، وابتكر المستحدث من البحوث، وأضاف الجديد من الكشوف، واستطاع أن يؤلِّف من ذلك كله وحدة مترابطة الأجزاء، وأقام الأساس الذي انبنى عليه صرح علم الضوء. وفوق ذلك فقد كان ابن الهيثم يتحلَى بروح علمية سامقة؛ إذ قرر أن الحقائق العلمية غير ثابتة، وأنها ليست غايات ينتهي إليها العلم، بل كثيرا ما يعتريها التبديل والتغيير. ومن ثم يتضح أن منهج ابن الهيثم في العلم يلتقي مع المنهج العلمي الحديث حيث تقول زيجريد هونكه: "والواقع أن روجر باكون، أو باكوفون فارولام، أو ليوناردو دافنشي، أو جاليليو، ليسوا هم الذين أسسوا البحث العلمي؛ إنما السابقون في هذا المضمار كانوا من العرب، والذي حققه ابن الهيثم لم يكن إلا علم الطبيعة الحديث، بفضل التأمل النظري والتجربة الدقيقة". ابن الهيثم.. مؤلَفات رائدة كان ابن الهيثم غزير التأليف متدفق الإنتاج في شتي أنواع المعرفة، فطرق الفلسفة والمنطق والطب والفلك والبصريات والرياضيات، مستحدثًا أنماطًا جديدة من الفكر العلمي الأصيل، وقد بلغ عدد مؤلَّفاته ما يربو على مائتي مؤلف ، 237 مخطوطة ورسالة في مختلف فروع العلم والمعرفة . ففي البصريات ألف ابن الهيثم ما يقرب من أربعة وعشرين موضوعا ما بين كتاب ورسالة ومقالة، غير أن أكثر هذه الكتب قد فقد فيما فقد من تراثنا العلمي، وما بقي منها فقد ضمته مكتبات إسطنبول ولندن وغيرهما، وقد سلم من الضياع كتابه العظيم "المناظر" الذي احتوى على نظريات مبتكرة في علم الضوء، وظل المرجع الرئيسي لهذا العلم حتى القرن السابع عشر الميلادي بعد ترجمته إلى اللاتينية. ومن يطلع على كتاب (المناظر) والموضوعات التي تتعلق بالضوء وما إليه، يخرج بأن ابن الهيثم قد طبع علم الضوء بطابع جديد لم يسبق إليه، وقد ألف هذا الكتاب ، وفيه استثمر عبقريته الرياضية، وخبرته الطبية، وتجاربه العلمية، فتوصل فيه إلى نتائج وضعته على قمة عالية في المجال العلمي، وصار بها أحد المؤسسين لعلوم غيرت من نظرة العلماء لأمور كثيرة في هذا المجال. ولا يعرف العالم من مؤلفات ابن الهيثم حاليا سوى خمسين كتابا لم يبْق منها في القاهرة سوى ثلاثة فقط؛ حيث تسرب العديد من كتبه الأخرى إلى أوروبا أثناء الحملة الفرنسية على مصر، وأثناء الحروب الصليبية. وإلى جانب البصريات كان لابن الهيثم إسهاماته في الهندسة، وله فيها ثمانية وخمسون مؤلَّفًا، تضم آراءه وبراهينه المبتكرة لمسائل تواترت عن إقليدس وأرشميدس بدون برهان، أو في حاجة إلى شرح وإثبات، ويوجد في مكتبات العالم في القاهرة ولندن وباريس وإسطنبول أكثر من واحد وعشرين مخطوطًا لابن الهيثم في هذا التخصص، وفي الحساب والجبر والمقابلة ألَّف ما لا يقل عن عشرة كتب، لا يوجد منها سوى مخطوطات قليلة في مكتبة عاطف بتركيا منها: حساب المعاملات، واستخراج مسألة عددية. وفي الفلك أبدع ابن الهيثم وأسهم فيه بفاعلية حتى أُطْلِقَ عليه "بطليموس الثاني"، ولم يصلنا من تراث ابن الهيثم في الفلكيات إلا نحو سبع عشرة مقالة من أربعة وعشرين تأليفًا، تحدث فيها عن أبعاد الأجرام السماوية وأحجامها وكيفية رؤيتها وغير ذلك. كما أن له في الطب كتابين: أحدهما في "تقويم الصناعة الطبية" ضمنه خلاصة ثلاثين كتابًا قرأها لجالينوس، والآخر "مقالة في الرد على أبي الفرج عبد الله بن الطيب" لإبطال رأيه الذي يخالف فيه رأي جالينوس، وله أيضًا رسالة في تشريح العين وكيفية الإبصار. ابن الهيثم.. وآراء المنصفين من الغربيين كان لجهود ابن الهيثم خاصة في البصريات بالغ الأثر في تقدم ورقي علم الضوء، وهو الأمر الذي جعله يحوز على إعجاب المنصفين من الغربيين، حتى وصفه جورج سارتون - من كبار مؤرخي العلم - بقوله: "هو أعظم عالم فيزيائي مسلم، وأحد كبار العلماء الذين بحثوا في البصريات في جميع العصور". ووصفه أرنولد في كتاب ( تراث الإسلام) بقوله: "إن علم البصريات وصل إلى الأوج بظهور ابن الهيثم". وقد سحرت بحوث ابن الهيثم في الضوء ماكس مايرهوف وأثارت إعجابه إلى درجة جعلته يقول: "إن عظمة الابتكار الإسلامي تتجلى لنا في البصريات". وتقول زيجريد هونكه الألمانية في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب): "كان الحسن بن الهيثم أحد أكثر معلمي العرب في بلاد الغرب أثرًا وتأثيرًا.."، وتقول أيضا: "لقد كان تأثير هذا العربي (ابن الهيثم) النابغة على بلاد الغرب عظيم الشأن فسيطرت نظرياته في علمي الفيزياء والبصريات على العلوم الأوروبية حتى أيامنا هذه؛ فعلى أساس كتاب المناظر لابن الهيثم نشأ كل ما يتعلق بالبصريات ابتداء من الإنكليزي (روجر بيكون) حتى الألماني (فيتيلو) . وأما ليوناردو دافنشي الإيطالي مخترع آلة (التصوير الثقب) أو الآلة المعتمة, ومخترع المضخة والمخرط وأول طائرة – بالادعاء - فقد كان متأثرًا تأثيرا مباشرا بالمسلمين, وأوحت إليه آثار ابن الهيثم أفكارًا كثيرة، وعندما قام (كبلر) في ألمانيا خلال القرن السادس عشر ببحث القوانين التي تمكن (جاليليو) بالاستناد إليها من رؤية نجوم مجهولة من خلال منظار كبير كان ظل ابن الهيثم الكبير يجثم خلفه، وما تزال حتى أيامنا هذه المسألة الفيزيائية الرياضية الصعبة التي حلها ابن الهيثم بواسطة معادلة من الدرجة الرابعة مبرهنة بهذا على تضلعه البالغ في علم الجبر، نقول: ما تزال المسألة القائمة على حسب موقع نقطة التقاء الصورة التي تعكسها المرآة المحرقة بالدوائر على مسافة منها ما تزال تسمى "بالمسألة الهيثمية" نسبة إلى ابن الهيثم نفسه". ويقول تشالرز جروسي متخصص في فسيولوجيا الأعصاب والجوانب العصبية والنفسية للإبصار بعد دراسة قيمة في كتاب المناظر والخلاصة الأساسية التي يمكننا الخروج بها هي أن هذا الرجل المرموق يستحق منا دراسة أعمق، فمع أن العمل الفريد الذي قام به ابن الهيثم في دمج الفيزياء والرياضيات ووظائف الأعضاء في نظرية جديدة عن الإبصار قد احتل مكانة تاريخية، إلا أن نظرياته عن سيكولوجية الإدراك وآثارها ستظل مجالا خصبا ومهما للبحث والدراسة . وأخيرا يقول العالم الرياضي الفرنسي "شارل أبرنون 1880 إن بحوث ابن الهيثم في ميدان المناظر تعد أصل معارفنا في علم الضوء". ويقول الدكتور مصطفى لبيب استاذ التاريخ الاسلامى جامعة القاهرة نشأ ابن الهيثم فى مناخ علمى زاخر بمختلف العلماء والعلوم التى تزاحمت فى فترة زمنية وصفت بأنه ازهى عصور الامة الاسلامية ، حيث شهدت اولى مراحل حياته بالعراق انتشار الترجمة نتيجة لما زخرت به العراق فى تلك الفترة من مكتبات ضخمة ضمت اعمال مترجمة عن اليونانية والسريالية والفارسية والهندية ومعارف العالم القديم ،بالاضافة الى ما قدمه العلماء العرب من علوم افادت الدنيا ، كل هذا اثر فى نشأت وحياة ابن الهيثم . ويقول الدكتوراحمد فؤاد استاذ الفيزياء جامعة القاهرة تعد واقعة تعينه ببيت الحكمة التى وضعه فيها الحالكم بأمر الله هى الحدث الذى غير حياته بعد ان مل ابن الهيثم من العمل الروتينى فى بيت الحكمة فقرر ترك الوظيفة مدعيا الجنون حتى لايعاقبه الحاكم بامر الله ، فما كان من الحاكم بامر الله الا ان حدد اقامته ووضعة فى حجرة مظلمة فى بيته لايأتيها الضوء الا من ثقب صغير ، كان ذلك الثقب فو السبب الرئيسى فى توصل ابن الهيثم الى نظرياته الشهيرة فى الضوء ، وكتابه الشهير " المناظر " واضاف لقد استفاد العلماء من بعده من شرحه الرؤية البشرية وتأثر مقلة العين بذلك ، حيث كان شائعا لدى العلماء قبل ابن الهيثم ان العين هى التى تطلق شعاعا فى الظلام تنير به المكان ومن ثم تحدث الرؤية ، ولكن جاء ابن الهيثم فقلب الموازين واظهر الحقائق ، اذ اثبت انه لابد من وجود الضوء حتى تتم الرؤية ، لان شعاع الضوء هو الذى ينعكس على العين فى المكان المظلم ومن ثم تحدث الرؤية . وهكذا كان علماء المسلمين مفخرة للإنسانية، وهكذا كانت إبداعاتهم منارة للعالم أجمع.