الإسلام هو دين الفطرة الإنسانية ، والمنطق السليم ، وهو عقيدة خالدة بمبادئها السامية والإنسانية ، وهو دين مثالي في جوانبه المتعددة ؛ الروحية والأخلاقية ، وفي آدابه ومعاملاته وأحكامه ، وهو دين يكرس نفسه لتكوين شخصية إسلامية متكاملة . ولعل انتشار الإسلام بسرعة البرق في شتى بقاع اليابس كان نتيجة لما يتضمنه من مبادئ مثالية وقيم تتسم بالشمولية والتكامل ، لقد انتشر الإسلام لما تمتع به من يسر وتسامح ، وإيثار ، ولما كفله للمسلم من عدالة ومساواة ورحمة مطلقة . لقد انتشر الإسلام الحنيف بمبادئه السامية لا بقوة السيف كما يزعم أعداء الإسلام ، لقد انتشر ولا يزال ينتشر في كل أرجاء الأرض بآرائه المنطقية التي تتفق مع العقل ، وصلاحية هذه الآراء والمبادئ لكل زمان ومكان ، وملاءمتها لطبيعة النفس البشرية . ويرجع أيضاً سبب هذا الإنشار السريع والجميل للإسلام في العالم كله لما اتصف به رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) من خلق قويم ، ومن إيمان شديد بما يدعو إليه ، واجتهاده المستدام في نشر دعوة الحق دونما كلل أو تعب ، وبما تمتع به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من ثبات عظيم وصبر لا نهاية له على ما كان يلاقيه من أذى المشركين. ولقد منح الإسلام الإنسان حقوقاً منذ أربعة عشر قرنا قبل أن تنادي المنظمات والهيئات الدولية اليوم بها ، فلقد منحه حق حرية العقيدة ، وحق التعليم والتعلم ، وحق الحياة الكريمة ، وحق الأخوة والمساواة ، وكما منحه هذه الحقوق وأكثر ألزمه بالعدل والإحسان والصدق والأمانة وحمل المسئولية الاجتماعية ، ونهاه عن الظلم والاستبداد والكذب وخيانة الأمانة . وقد أقر الإسلام مبدأ العدل بين الناس ، وهذا من أسرار عظمته ، يقول تعالى : ( وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) ( سورة الحجرات 9 ) ، أي اعدلوا ، ويقول الله تعالى أيضاً في محكم التنزيل : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) ( سورة المائدة 8 ) ، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " اتقوا الظلم ، فإنه ظلمات يوم القيامة " . والإسلام نادى بإقامة العدالة المطلقة ، والمسلم القويم يعتقد تمام الاعتقاد بأن الله تعالى هو العدل ، بل أحكم العادلين ، يقول تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً ) ( سورة النساء 40 ) ، والإسلام أمر المسلمين بإقرار العدل والعدالة في قوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) ( سورة النساء 58 ) . وكم أهاب القرآن بنا أن نعدل فيما بيننا ، وحتم علينا أن نأخذ بالعدل وقيمه ومبادئه حتى مع أعدائنا ، ولعلك تجد في القرآن الكريم ما في العدل من نفع لديننا ولدنيانا . والعدالة في الإسلام تعد مرادفاً للمساواة ، ولعل من أسمى مبادئ تلك المساواة التي قد اشترعها للناس جميعاً ، فالكل في الإسلام سواء ، لا فرق بين أبيض أو أسود ، ولا غني ولا فقير ، بل إن الإسلام أقر قاعدة مفادها أن أفضل الناس أقربهم إلى التقوى ، يقول تعالى : (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) ( سورة النساء 123 ، 124) ، وقوله تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) ( سورة الحجرات 13) . ويؤكد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) هذه المساواة المطلقة بين الناس جميعاً في قوله : " الناس سواسية كأسنان المشط ، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى " . وكما نادى الإسلام بالعدالة ، نادى أيضاً بالديموقراطية قبل أن تتعالى الصيحات اليوم في الدول الأوروبية بضرورة تكريس القيم الديموقراطية ، فالدين الإسلامي يدعو إلى الشورى وإلى الحكم الديموقراطي والتشاور في الأمر والرأي ، يقول تعالى : ( وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ) ( الشورى 38). ولأبي بكر الصديق خطبة رائعة عن الديموقراطية جاء فيها : " استشيروا القرآن ، والزموا الجماعة ، وليكن الإبرام بعد التشاور ، والصفقة بعد طول التناظر " . ولهذه الديموقراطية المثالية في الإسلام تكونت الأمة الإسلامية العظيمة وانتشر الإسلام في جميع أنحاء العالم . وجميع الديموقراطيات الحديثة والمعاصرة والممتدة بطول الكرة الأرضية وعرضها تتغنى وتتباهى بنظريات فلسفية وأيدلوجيات فكرية عن النظم الديموقراطية غافلة عن الدين الإسلامي الذي نظر للديموقراطية وطبقها في المجتمع الإسلامي منذ قرون بعيدة ، مثل قوله تعالى : ( وشاورهم في الأمر ) (آل عمران 159) . ولعل من أبرز المبادئ الإنسانية في الإسلام إصلاح ذات البين بين المسلمين كافة ، والإسلام أكد على وجوب الإصلاح بين الناس ، فالإسلام يحث على الصلح والإصلاح بين المتخاصمين ، وإيجاد صلة قائمة بين المنفصلين ، وتحقيق الوئام بين المختلفين ، وإشاعة المحبة والمودة والتعاون بين المسلمين . ولقد حرص الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) على التأكيد على هذا المبدأ الإنساني القويم ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : " أفضل الصدقة إصلاح ذات البين " ، فالعمل على الإصلاح بين المتنازعين يعد من أفضل الصدقات . وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : " ألا أخبركم بأفضل من الصلاة والصيام والصدقة ؟ " قالوا : بلى ، قال : " إصلاح ذات البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة " . وقال عليه السلام : " لا يحق لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ، ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " . والصلح كما تروي كتب الفقه الإسلامي يتحقق بالعفو عن المخطئ ، والتجاوز عن المذنب ، ونسيان الخطأ الذي ارتكبه المسلم في حق أخيه . ولقد جمع رسولنا الكريم الآداب الإنسانية في الإسلام بصورة مجملة في الحديث الذي رواه أبو هريرة ( رضي الله عنه ) عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حينما قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ، ففاضت عيناه " رواه البخاري ومسلم . الدكتور بليغ حمدي إسماعيل [email protected]