حذر الدكتور عبد المنعم سعيد، مدير المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية في القاهرة، من محاولات التضليل بأن مصر رست خيرًا على شاطئ السلامة الاقتصادية. وقال "سعيد" في مقاله المنشور بموقع"هافينغتون بوست عربي"، إن الدين العام لا يزال مقلقًا للغاية؛ بوصوله إلى أكثر من تريليونَيْ دولار في 2014/2015، مقارنة ب 1.7 تريليون في 2013/2014. ووصول الدين العام إلى نسبة 93% من الناتج المحلي الإجمالي. وليس عجز الموازنة أقل خطورة، حيث بلغ 10.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014/2015. وهذا نص مقاله: تخلو وسائل الإعلام الغربية، والأوراق الأكاديمية، وملخصات السياسة، من الأخبار الجيدة عن مصر، رغم وفرة التنظيرات حول هذا البلد. إِذْ لخَّص مايكل حنا، من مؤسسة القرن، "المرحلة المقبلة في مصر" في وصف: "عدم استقرار مستمر". وكان إريك تراجر أقل رِفقًا؛ حين كتب في فورين أفيرز عن "بؤس مصر الدائم". وإذا تجوَّلتَ في جنبات الإندبندنت أو نيويورك تايمز أو الجارديان أو الواشنطن بوست؛ ستجد قُبحًا يُخيِّم على شؤون دولةٍ، ذات ماضٍ استبداديّ، وحاضرٍ شديد القمع، ومستقبلٍ فاشل. صورة مرعبة من العنف، واستشراء الفقر، وهيمنة ثقافة التعصب.. ولَّت أيام "الربيع العربي"، و"زهرة اللوتس"، وأصبح البديل أقل حظًا بكثير. بطريقة أو بأخرى، فُصِلت مصر عن بيئتها. وتقريبًا لا توجد علاقة بين الإخوان المسلمين ومختلف الجماعات الإرهابية، بالظبط كما لا يوجد ارتباط بين تنظيم الدولة وأنصار بيت المقدس في سيناء. أما ملحمة العنف والإرهاب المؤسفة فلا تعدو كونها نتيجة ثانوية ل"الأسباب الجذرية" المتمثلة في القمع والحكم العسكريّ. لا يُسمى الإرهابيون "إرهابيين"، ولكن يطلق عليهم "تمرّد إسلامي مسلح" أو "تمرّد جهادي". ويصل التلميح لحد الادعاء بأن كافة حلقات العنف ليست إلا انعكاسًا لسخط البدو من الحكومة التي لم تمنحهم سوى الفقر والتهميش. لكن حياد وموضوعية وسائل الإعلام، وخبراء السياسة، لا تمتدّ لتشمل الحقائق، مثل: أن الإرهاب في سيناء يتركز فقط داخل مساحة لا تزيد على 20 كم في شمال شرق شبه الجزيرة، التي تبلغ مساحتها 61000 كيلومترًا، متاخِمَةً للحدود المثقوبة بالأنفاق مع غزة. ولا أن مصر هي الدولة الوحيدة التي فشلت فيها محاولات الإرهابيين لتدشين قاعدة إقليمية، بينما نجحوا في العراق وسوريا واليمن والصومال ونيجيريا. ولحسن المقادير، لا يوجد في مصر لا "رمادي"، ولا "تدمر"، اللتين انتزعتا من قبضة قواتٍ دربتها أمريكا، وفي ظل مشاركة تحالفٍ دولي، تقوده الولاياتالمتحدة، في القتال. في الواقع، بينما كانت رحى المعركة ضد الإرهابيين في شمال شرق سيناء، كان جنوب وشرق شبه الجزيرة يعيش في سلام. حيث بلغت نسبة الإشغالات السياحية 90% في شرم الشيخ، نتيجةً لزيادة نسبتها 7.5% في قطاع السياحة خلال النصف الأول من عام 2015. يقدِّم ثلث سكان سيناء، البالغ عددهم 450 ألفًا، خدمات لهؤلاء السياح. والثلثان الآخران منتشران بين المناطق الشمالية والشمالية الغربية، ووسط سيناء، ومنطقة قناة السويس. لا يزيد عدد المتضررين من القتال في الشيخ زويد ورفح على 50 ألفًا، قليلٌ منهم متورطٌ في عمليات التهريب عبر الأنفاق، وبالتالي يتعاون مع الإرهابيين. أما باقي المساحة، فتحت حماية القوات المصرية. بالطبع، لا أحد هنا ينكر أن مصر تكابد معركةً خطيرة مع الإرهاب في سيناء؛ التي تشهد 51% من العمليات، وفي قلب العاصمة؛ حيث يستغل الإرهابيون الفرصة لاستهداف أهداف سهلة داخل البلد، بدءًا بالأفراد المدنيين، مرورًا بالبنى التحتية، ووصولا إلى قوات الجيش والأمن. ومع ذلك، ما غاب عن التغطية الإخبارية هو أن مصر تخوض هذه المعركة تحت شعار: مصر ستبني نفسها كما لو لم تكن هناك أي مواجهة مع الإرهاب، وستكافح الإرهاب كما لو لم يكن هناك حاجة إلى تطوير البلد، وإخراجها من حالة البؤس التي أنتجتها الثورات وحكم الإخوان المسلمين. لا شيء يُظهِر الحكمة مثل مشهد نشوب معركة بين القوات المسلحة المصرية والإرهابيين التابعين ل"داعش"، بموازاة وضع اللمسات النهائية على تفريعة قناة السويس الجديدة التي تم الانتهاء منها تقريبًا. ويوم السادس من أغسطس ستفتتح القناة أمام التجارة الدولية، ربما بموازاة اشتعال معركة الإرهاب في مكان ما داخل البلاد. الأمر الهام بخصوص قناة السويس الجديدة ليس فقط أن مصر تغير جغرافيتها، وربما العالم كذلك نوعًا ما، ولكن أيضًا أن مصر تنطلق صوب مرحلة جديدة من تاريخها. ذلك أن قناة السويس لم تتوسع بأموال الغرب، ولا حتى ريالات العرب، ولكن باستثمار الشعب المصري، الذي ضخَّ 64 مليار جنيهٍ، أو 8 مليار دولار، في أقل من أسبوع. في الواقع، وخلافا للرؤى السادة حول مصر، ورغم الإرهاب، شهدت مصر تحسنًا اقتصاديًا في مرحلة ما بعد 30 يونيو 2013؛ بشهادة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وثلاث وكالات مالية، هي: موديز (مَرَّتَيْن)، فيتش، ستاندرد آند بورز. صحيحٌ أن أيًا منها لا يقول بأن مصر تخلَّصت أخيرًا من الاضطرابات الثورية التي استمرت أربعة أعوام، أو حتى تعود إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير 2011. لكنها تشير بأنها البلد تشق طريق التعافي، وأن أخبار عدم الاستقرار والبؤس الدائم "مبالغ فيها". كما ستشهد مؤشرات أخرى على أن معدل النمو المصري في عام 2014/2015 ارتفع بنسبة 4.7%، مقارنة ب 1.6% قبل عامين. وفي النصف الأول من العام، كان معدل النمو 5.6% مقارنة ب 1.2% في العام السابق. وفي عام 2014، أُعلِن أن السوق المالية في مصر هي الأسرع نموًا في العالم. حتى قطاع السياحة، الذي دمرته الثورات والإرهاب، جنى عوائد تقدر ب 5.5 مليار دولار. كما عاد الاستثمار الأجنبي المباشر إلى قطاع النفط والغاز، بشركات: "بي بي" البريطانية (12 مليار دولار في خمس سنوات ما بين 2015-2020)، و "إني" الإيطالية (5 مليار دولار خلال الفترة ذاتها)، و"سيمنز" الألمانية في قطاع الكهرباء ومشروعات البنى التحتية، بالإضافة إلى كثير من التطوير العقاري ومشروعات البنية التحتية الضخمة التي ينفذها مطورون عرب ودوليون. وبلغ صافي الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تدفق إلى مصر في 2014/2015 5.7 مليار دولار. وتراجع دين مصر الأجنبي من 45.88 مليار في 2014 إلى 39.853 مليار. المذهل في الاقتصاد المصري أن نجاته، وبدء انتعاشه، خلافا للرأي السائد، لم يكن فقط بسبب المساعدة العربية، ولكن أيضًا نتيجة ثقة المصريين ورغبتهم في المشاركة لبناء بلدهم. في 2012/2013، كانت الحوالات القادمة إلى مصر تقارب 19 مليار دولار، وفي 2013/2014 بلغت 23.1 مليار دولار، وفي 2014/2015 كانت 16.9 مليار دولار. وخلال العام ذاته، ارتفعت حفلات الزفاف في مصر بنسبة 4.9%، وهي الممارسة غير المعتادة في بلدٍ يعاني من "عدم الاستقرار المستمر"، أو "البؤس الدائم". مرة أخرى، ما سبق يجب ألا يضلل أحدًا بأن مصر رست خيرًا على شاطئ السلامة الاقتصادية. فالدين العام لا يزال مقلقًا للغاية؛ بوصوله إلى أكثر من تريليونَيْ دولار في 2014/2015، مقارنة ب 1.7 تريليون في 2013/2014. ووصول الدين العام إلى نسبة 93% من الناتج المحلي الإجمالي. وليس عجز الموازنة أقل خطورة، حيث بلغ 10.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014/2015. صحيحٌ أنه الآن أفضل بكثير مما كان عليه خلال العام الذي قضاه الرئيس محمد مرسي في السلطة 2012/2013، حيث وصل إلى 14%، لكنه سيجعل استهداف الحكومة لتخفيضه إلى أقل من 9% في العام المقبل من قبيل الأمنيات أكثر منه واقعًا. بيدَ أن الأخبار الجيدة بشأن مصر يجب أن يُشار إليها، على الأقل لتوفير إطلالة على الأخبار السيئة من منظور أنها نابعة من التحديات المستحدَثة إقليميا ودوليًا، بقدر ما هي ناتجة عن السياسة الداخلية للبلد. مما لاشك فيه أن مصر تخوض حربًا حقيقية ضد إرهابيين متمرسين، لديهم تحالفات عالمية. والنظر إلى هذا التحدي من وجهة نظر القمع وحقوق الإنسان يتجاهل في الواقع "اللحظة الفاشية" التي تمر بها المنطقة في مرحلة ما بعد الربيع العربي. في مواجهة هذه التحديات، تجدر الإشارة إلى الاستخدام المفرط للقوة، وتجاوز حدود القانون، ووضعها على طاولة الاستجواب. ومع ذلك، لا ينبغي أن يتجاوز لومُ الضحية جُرمَ المجرم. على الأقل، ينبغي قول الحقيقة. ولا ينبغي إغفال الحقائق. أما ادعاء هيومن رايتس ووتش المتكرر بوجود 46 ألفًا شخص في سجون مصر فإنه يتجاهل حقيقة أن مصر ليس لديها سجون تستوعب هذا العدد. ويالها من مغالطة كبرى، تكمن في تجاهُل حقيقة أن مصر، البلد الذي يقارب عدد سكانه اليوم 90 مليونًا، لديها فقط مسجونين سياسيين، ولا يوجد جنائيين. في الواقع، بالمقارنة مع الولاياتالمتحدة، حيث يوجد في السجون شخص واحد من كل 100 بالغ، يتضح أن الأعداد المصرية معقولة. لكن لحسن الحظ، ليس هذا هو الحال، حيث لا يتعدى مجموع السجناء في مصر عشرة آلاف. الأمر ذاته ينطبق على الصحفيين الذين من حق الإعلام الغربي أن يدافع عنهم. بيد أن الصعود بأعداد المسجونين منهم إلى سقف العشرات أو المئات لهو مغالطةٌ مبالغ فيها، خاصة في غياب تعريف محدد لكلمة "الصحفيين". ليس كل شخص لديه موقع، أو صفحة على الفيس بوك، يعتبر صحفيًا. وفي مصر، تعريف الصحفي هو: من يمارس الصحافة، ويحمل عضوية في نقابة الصحفيين. وهؤلاء يقل عددهم قليلا عن سبعة آلاف صحفي. المسجون من بينهم ثمانية فقط، وتتولى النقابة الدفاع عنهم، وينبغي إطلاق سراحهم. أما الآخرون، فينبغي الحكم عليهم وفقا لقضيتهم، وبموجب القانون. إن ادعاء شخص أنه رئيس للصحفيين الإلكترونيين المستقلين، مثلما فعل أحدهم، بدون وجود عنوان ولا مقر ولا حساب بنكي ولا سجل ولا تسجيل قانوني سوف يجعل من المستحيل التمييز بين الحقيقة والخداع. لماذا قول الحقيقة عن مصر أمرٌ بالغ الصعوبة؟