رغم مزاعم إدارة أوباما حول أن الهدف من المؤتمر الدولي حول أفغانستان الذي عقد في مدينة بون الألمانية في 5 ديسمبر هو وضع برامج التنمية اللازمة لهذا البلد بعد أن تتولى حكومته المسئولية الكاملة عن الأمن والتنمية على إثر انسحاب قوات حلف الناتو منه ابتداء من 2014 ، إلا أن الوقائع على الأرض تسير عكس ذلك تماما ، بل وهناك من حذر أيضا من الأسوأ مازال بانتظار قوات الناتو في ظل تصاعد هجمات طالبان . فمعروف أن المؤتمر الذي ترأسه الرئيس الأفغاني حامد كرزاي وشارك فيه كل من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ودبلوماسيون من حوالي 90 دولة و16 منظمة دولية ، قاطعته باكستان ، احتجاجا على الغارة التي شنتها قوات الناتو على منطقة مهمند القبلية أواخر نوفمبر الماضي والتي أسفرت عن مصرع حوالي 28 جنديا باكستانيا . وبالنظر إلى أن باكستان تعد عنصرا مهما للاستقرار في أفغانستان نظرا لحدودها المشتركة معها وللاشتباه في دعمها لحركة طالبان ، فقد أكد البعض أن المؤتمر فشل حتى قبل انطلاقه وأن دعوات كرزاي للتفاوض مع طالبان لن تجد آذانا صاغية . ولعل تصريحات كرزاي لمجلة "دير شبيجيل" الألمانية في 4 ديسمبر تدعم صحة ما سبق ، حيث انتقد الرئيس الأفغاني مقاطعة باكستان لمؤتمر بون الدولي ، متهما إسلام آباد برفض الوقوف إلى جانب الحكومة الأفغانية في مساعيها لإيجاد تسوية سياسية مع حركة طالبان. وبجانب ما سبق ، فإن تجربة الشعب الأفغاني المريرة مع مثل تلك المؤتمرات تصب أيضا في صالح زيادة شعبية طالبان ، حيث ذكرت صحيفة "ذي كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية أن الشعب الأفغاني لا يتوقع الكثير من مؤتمر بون الدولي حول مستقبل أفغانستان، مع مرور عقد من الوجود الغربي في البلاد. وأوضحت الصحيفة في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني في 5 ديسمبر أنه مع اجتماع القادة من جميع أنحاء العالم في مدينة بون الألمانية لمناقشة مستقبل أفغانستان، فإن الرهانات ليست مرتفعة، وأن السؤال يدور في هذه القمة حول مدى التقدم الذي أحرزته قوات الناتو والقوات الأفغانية ضد حركة طالبان ومستقبل التدخل الأمريكي في تلك البلاد بعد موعد انسحابها النهائي في عام 2014 . وتابعت " ينظر العديد من الأفغان بقليل من الحماسة إلى مؤتمر بون الثاني، حيث إن القمم الدولية مثل هذه المؤتمرات عقدت تقريبا بشكل سنوي خلال السنوات العشر الماضية ويقول الأفغان إنه لم يحدث أي تغير نتيجة لتلك المؤتمرات". وأشارت "ذي كريستيان ساينس مونيتور" إلى أن هذا المؤتمر يعقد بعد عقد من الزمان من عقد مؤتمر بون الأول، حيث تجمع قادة من دول العالم بعد فترة وجيزة من إسقاط حكومة طالبان من أجل إنشاء حكومة انتقالية وتمهيد الطريق أمام وضع دستور جديد للبلاد ، غير أنه وإلى اليوم لا يزال الوضع الأمني في البلاد أبعد ما يكون عن الاستقرار، موضحة أن كرزاي سعى خلال قمة بون الثانية لضمان استمرار الدعم الدولي لعقد آخر من الزمان من أجل ترسيخ الاستقرار في البلاد. ونقلت عن أحد الأعضاء السابقين في البرلمان الأفغاني قوله :"إذا كانت السنوات العشر المقبلة ستكون مثل مثيلاتها السابقة، فإنها ستجعل الشعب الأفغاني قلقا جدا، حيث أنهم بعد المؤتمر الأول اعتقدوا أنهم سوف يجلبون الديمقراطية إلى أفغانستان، ولكنهم قدموا البلاد إلى ملوك الحروب والجماعات الجهادية ". وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من الاستثمارات التي تقدر بمليارات الدولارات التي تم إنفاقها على إعادة إعمار أفغانستان، ومنها 70 مليار دولار من الولايات المتحدة وحدها، إلا أنها لم تساعد في تحقيق تنمية تذكر ، بل وضاع أغلبها دون فائدة بسبب الفساد . وبجانب ما ذكرته "ذي كريستيان ساينس مونيتور" ، فإن الاحتجاجات الشعبية في دول الناتو التي تشارك بقوات في أفغانستان من شأنها أن تثير شكوكا واسعة حول مدى التزام حكوماتها بدعم أفغانستان اقتصاديا وماليا ، فقد شارك آلاف الألمان والأجانب ومنفيون أفغان في مظاهرة حاشدة في بون ، احتجاجا على الحرب الدائرة في أفغانستان. وحملت المظاهرة شعار "يتحدثون عن السلام ويشعلون حروبا"، ودعت إليها الشبكة الألمانية لبدائل السلام وحركة أتاك المناهضة للعولمة وحزب اليسار المعارض ونقابة عمال الخدمات "فيردي" واتحادات لتلاميذ المدارس. وطالب المحتجون بسحب فوري للقوات الألمانية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان ، ورددوا هتافات وصف بعضها الولاياتالمتحدة بمركز دولي لإبادة الشعوب، وطالبت أخرى بإيقاف "حروب وجرائم الناتو". وأشار نائب رئيس كتلة حزب الخضر المعارض في البرلمان الألماني "بوندستاغ" هانز كريستيان شترويبله إلى مشاركته في المظاهرة بدافع من رغبته في وضع نهاية سريعة للحرب الجارية في أفغانستان وإنهاء القتل والموت المتواصل هناك، وذلك عبر وقف فوري لإيقاف النار وبدء مفاوضات سلام تشارك فيها كل الأطراف الأفغانية وسحب فعلي للقوات الغربية. وعن رأيه في إعلان الحكومة الألمانية قبل أيام عن استعدادها للتفاوض مع حركة طالبان ، قال شترويبله في تصريحات لقناة "الجزيرة" في 4 ديسمبر إن اصطياد طالبان وإعدامهم بقوات خاصة أو بطائرات من دون طيار لن يؤدي لتفاوض ، مؤكدا أن المطلوب أولا هو إيقاف هذا القتل غير المشروع لتبدأ المفاوضات بعد ذلك. وشكك نائب رئيس الهيئة البرلمانية للخضر في قدرة مؤتمر بون الثاني بشأن مستقبل أفغانستان على تحقيق السلام لهذا البلد أو حكمه بوزارة غير فاسدة، واعتبر أن تجاهل المؤتمر لقضايا هامة تتعلق بأفغانستان وانعقاده في يوم واحد بمشاركة أكثر من تسعين جهة لن يجعله يخرج إلا بقرارات عديمة الجدوى. وتابع شترويبله أن الإعلان عن سحب القوات الغربية من أفغانستان لن يطبق في الواقع لأن الحرب الجارية في هذا البلد ستتكثف باستخدام الطائرات من دون طيار في عمليات القتل غير المشروعة ، موضحا أن الحل الوحيد لإحلال السلام في أفغانستان المضطربة هو بدء التفاوض مع حركة طالبان . ومن جانبه ، رأى رئيس الكتلة البرلمانية لحزب اليسار الألماني المعارض غريغور جيزي أن السنوات العشر الأخيرة فضحت حجج الحرب على الإرهاب والدفاع عن حقوق الإنسان وحرية المرأة التي ساقها الغرب لتبرير حربه على أفغانستان. وأشار جيزي -في كلمة بمهرجان خطابي أقيم في ختام المظاهرة- إلى أن معدلات انتشار الفقر وسوء التغذية وتراجع الرعاية الصحية وتزايد زراعة وتجارة المخدرات ارتفعت في أفغانستان إلى أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب الغربية نهاية عام 2001. وتابع " ألمانيا التي كان يفترض بحكم تاريخها أن تكون أول المعارضين للحرب في أفغانستان، أنفقت 25 مليار يورو على قواتها في هذا البلد حتى عام 2010 "، واعتبر أن إنفاق هذا المبلغ أو نصفه في تنمية أفغانستان كان كفيلا بجعل هذه الدولة في وضع أفضل مما هي عليه الآن. ولفت إلى أن الناتو شن حربه على أفغانستان بهدف الدفاع عن مصالح الغرب الجيوإستراتيجية بآسيا الوسطى وتمكين الولاياتالمتحدة وأوروبا من السيطرة على طرق التجارة وخطوط الطاقة هناك. كما اعتبر القيادي بحركة "احتلوا وول ستريت" الأمريكية جوزيف تورسين خلال المظاهرة أن الرهان على سياسة القنابل لإرغام طالبان على التفاوض سيفشل في أفغانستان مثلما فشل بفيتنام. واستغرب عجز الرئيسين الأمريكيين الحالي باراك أوباما والسابق جورج بوش عن توفير أموال لتشغيل العاطلين والرعاية الصحية، في الوقت الذي خصصا فيه المليارات لشن الحروب. وانتهى الناشط الأمريكي إلى القول إن الوقت حان للاستماع لرغبة 99% من الأمريكيين وإنهاء الحرب المدمرة الدائرة في أفغانستان حرصا على مستقبل أبناء هذا البلد ونظرائهم الأمريكيين. والخلاصة أن أوباما مازال يكرر أخطاء سلفه جورج بوش فيما يسمى بالحرب على الإرهاب ، وهو الأمر الذي يضاعف شعبية حركة طالبان في أوساط الشعب الأفغاني يوما بعد يوم .