لم نعرف طوال تاريخنا مثل هذه الحالة التي نجد انفسنا عليها هذه الأيام .. حالة الذي وجد نفسه بين نارين .. أو كما تقول العرب في امثالها " كالمستجير من الرمضاء بالنار "!! في البدء كنا بين نار نظام مستبد .. استباح كل شيء .. مجتاحاً كل ساحة يشم فيها رائحة الحرام .. ونار أخرى يلفحنا لهيبها عند الثورة عليه . وحين قررنا اختيار النار الأخرى وجدنا انفسنا في نفس الحالة .. بين نار الخضوع لمجلس عسكري يصدر القوانين والمراسيم بطريقة فوقية .. دون اعتبار لتطلعات شعب قدم التضحيات الجسام ليملك زمام امره .. فاذا به يجد الزمام ينتقل من يد مستبدة إلى يد مستقوية .. تعود به إلى سيرته الأولى .! في المسافة بين الثورة على اوضاع متردية .. والاستقرار على وضع نأمله . وجدنا انفسنا بين نارين .. نار القبول بجهاز أمني لم يعتد سوى اساليب التعذيب والقمع وانتهاك المحرمات .. وبين نار الخارجين على القانون من بلطجية ولصوص وقطاع الطرق الذين انطلقوا – أو اطلقوا – في حملات للترويع والسلب وسفك الدماء .! كذلك فقد وجدنا انفسنا نهرب من نار نظام فاسد ومستبد يكوينا بنار الدنيا . الى نظام يتوعدنا بنار الآخرة .. من نظام يستند إلى مرجعية القوة .. إلى نظام يستند إلى قوة المرجعية .. من نظام يفتح أمامنا أبواب السجون .. إلى نظام يفتح أمامنا أبواب جهنم .! هربنا من شرطة مدنية . لنقع في قبضة شرطة عسكرية .. وهربنا من محاكمة مدنية بقضاء مدني .. إلى محاكمات عسكرية . بقضاء عسكري .. والتهمة واحدة في كل الأحوال . الاخلال بالأمن والنظام واثارة الفوضى . والاضرار بمصالح المواطنين .! كان النظام السابق يتهمنا بالاضرار بمصالح المواطنين بينما كان رجاله أكثر حرصاً على مصالح هؤلاء المواطنين . بالسرقة والنهب والتربح والكسب الحرام .! هربنا من نيران حكومة كانت تعتبر المواطنين – مجرد سكان في عمارة نملكها . يقيمون فيها بالاجرة . كما كانت تعتبر الوطن مجرد صنيعة ضمن املاكها .. إلى حكومة أخرى تعتبر المواطنين مجرد جاليات تتفضل عليهم بالايواء . وتبخل عليهم بحق المواطنة.! هربنا من انتهاك الكرامة والحرية باسم القانون .. إلى انتهاك الحرية والكرامة باسم الرب ! ومن دستور جرى تفصيله على مقاس الحاكم .. إلى دستور يجرى تفصيله على مقاس المتحكم .. من السلطان إلى المتسلط .. ومن الحاكم إلى المتحكم .. ومن الشدة . إلى التشدد .. من فتنة الدستور .. إلى دستور الفتنة ..!! لقد وصلنا إلى هذه الحالة . لأننا نتطلع إلى الحكم وليس إلى المحكومين . ونسعى إلى السلطة أكثر من سعينا إلى مقاصدها . أو الهدف منها . ورفعنا راية الانا على راية " نحن " وأعلينا مصلحة الحزب والجماعة على مصلحة الوطن . وفي داخل كل جماعة اعلينا مصلحتنا الذاتية والشخصية . على المصلحة العامة . فاصبحنا بين نارين لا عاصم لنا منهما إلا بالعودة إلى الوطن .. وطنيين وليس مجرد مواطنين والسلام ..!!