"الداخل مفقود.. والخارج مولود".. ينطبق هذا المثل على حال أقسام شرطة عدة في مصر، لكن يظل لقسم المطرية شهرة أكبر في سجل الأقسام الأكثر تأثرًا بل يأتي على رأسها، من حيث عدد وحجم الانتهاكات التي يشهدها بحق السجناء السياسيين، حيث حصد حتى الآن أرواح أكثر من 10 متهمين لم تتم محاكمتهم بالأصل ولقوا مصرعهم جراء التعذيب والإهمال الطبي المتعمد. وشهد الأسبوع الماضي وفاة حالتين داخل قسم المطرية نتيجة التعذيب وتزايد الانتهاكات ضدهما. ويرى مراقبون حقوقيون أن ظروف الحبس في سجن المطرية أحد أسباب استمرار إهدار أرواح أعداد جديدة من المواطنين داخل زنازين القسم؛ حيث يعد أحد أكثر الأقسام ازدحامًا من بين سجون وأقسام مصر، ويعاني المعتقلون في الحبس خاصة مع شهور الصيف الحارة ومع ارتفاع درجات الحرارة من التكدس وضعف التنفس، ما يؤدي إلى إمكانية إصابة بعضهم بالاختناقات نظرًا لضيق المساحات وازدياد أعداد المحبوسين. وبخلاف ضيق المساحة فغالبية المعتقلين من الشباب إما كبار السن وقد يكون من بينهم مَن هم من أصحاب الأمراض المزمنة هذا بجانب كون البعض مصابًا في إحدى المظاهرات قبيل اعتقاله وحبسه، وفي تلك الحالة لا تلجأ إدارة القسم غالبًا إلى إرسال المريض المحتج إلى أقرب مستشفى بل يتم الاستهتار بالحالة إلى أن تفقد روحها جسدها لتكتب سجلات الوفيات رقمًا جديدًا من أرقام ضحايا الإهمال. والإهمال الصحي المتعمد وحده كذلك ليس سببًا وحيدًا لتنامي أعداد الوفيات داخل الأقسام، لا سيما قسم المطرية بل يأتي بجانب ذلك أحد الانتهاكات التي يشهدها قسم المطرية وهو التعذيب المنهجي الذي يلقي بظلاله على بعض المعتقلين من ساكني زنزانة المطرية. وفي تصريحات خاصة اعترف نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان الحكومي عبدالغفار شكر، بالتأكيد على الانتهاكات التي يشهدها عدد من الأقسام؛ حيث ذكر أنه يأتي على رأسها قسم المطرية لاسيما بعد تزايد أعداد الوفيات داخله، مشددًا على ضرورة التحقيق في تلك الوقائع المتكررة، ومحاسبة القائمين عليها. ودعا "شكر" إلى ضرورة تقديم أسر الضحايا شكاوي للمجلس القومي لحقوق الإنسان للبت في مدى صحتها، وأكد أن المجلس ينتظر بلاغًا من أسر المعتقلين وغيرهم من الحالات حتى يتم تعيين لجنة لتقصى الحقائق في الوقائع المنسوبة. وأضاف "شكر": أن المجلس طالب من أجل ذلك بتصاريح من النيابة العامة للقيام بزيارات تفتيش للسجون وأقسام الشرطة بعد تكرار وقائع التعذيب والانتهاكات داخلها، مشيرًا إلى أن المجلس طالب بزيارة الأقسام الأكثر شهرة من بينها قسم شرطة المطرية ومصر القديمة وغيرهما من الأقسام التي يحدث بها انتهاكات، ويتم تقديم شكاوى وبلاغات ضده. وأكد "نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان"، أن المجلس هو مَن قام بتحديد أسماء ال10 أقسام، كما طالب بتفتيش الأقسام بشكل عشوائي، موضحًا أن المجلس كل ما يشغله الآن زيارة السجون والأقسام للوقوف على حقيقة ما يتم نشره من وقائع وشكاوى تعذيب المعتقلين داخلها. مصطفى الأسوانى أولى ضحايا قسم المطرية.. يعد مصطفى محمد أحمد على الأسواني 25 سنة، أولى ضحايا قسم المطرية الذين لقوا حتفهم في إبريل الماضى، وكان ذلك بعد القبض عليه، واتهامه بإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» للتحريض على الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة، وبعد أن تم اعتقاله، تعرض مصطفى للتعذيب والضرب المبرح حتى الموت، ومن ثم تم نقله لمستشفى المطرية، وصدر التقرير بأن الوفاة ناتجة عن هبوط حاد بالدورة الدموية، على الرغم من أن محمد عامل في مكتب للطباعة. عزت عبدالفتاح.. ضحية في اليوم الرابع للاعتقال يعد عزت عبدالفتاح، القتيل الثانى لقسم المطرية، الذي لقي حتفه في اليوم الرابع من محبسه داخل القسم، وكان موظفًا بوزارة المالية يبلغ من العمر 54 عامًا، وتم إلقاء القبض عليه نتيجة اتهامه بالاعتداء على أمين شرطة قانط معه في المنطقة وتابع لقسم المطرية، وبعد أن اقتادته الشرطة للقسم ليأخذ أكبر قدر من نصيبه في عمليات التعذيب التي تحدث داخل القسم، حيث أشارت تقارير إلى أنه تم تعذيبه بأدوات حادة وسجائر، وتبين هذا من وجود آثار تعذيب في أجزاء عدة من جسده، فضلاً عن آثار إطفاء سجائر في قدمه، وتورم في وجهه، وجرح برقبته، وخلع بأظفار قدميه، بما يؤكد وجود شبهة جنائية في الحادث، حسبما قالت أسرته، وعلى الرغم من ذلك أمرت النيابة بتشريح الجثة لبيان سبب الوفاة. أحمد إبراهيم.. قتل يوم الإفراج عنه أما أحمد محمد إبراهيم، الضحية الثالثة لسلخانة قسم المطرية، أحمد شاب صاحب ال23 عامًا، ووافته المنية بعد احتجاز دام 26 شهرًا والتي كانت في الأساس 3 سنوات بتهمة سرقة حلق، وتلك المدة تم تقليصها إلى 26 شهرًا لحسن سير وسلوك أحمد، وفي نفس الوقت الذي كان والده يستعد لاستقال الابن المفرج، لكنه فوجئ بأنه يهاتفه قبلها بساعات ويستغيث قائلاً: «الحقنى يا بابا أنا بموت»، من كثرة التعذيب. تعرض أحمد للضرب المبرح بالعصا والشومة على رأسه وصدره، وكان وجهه متورمًا بالكامل، والجبهة يوجد بها كدمات، ويوجد فتحة برأسه من الجانب الأيمن، يكاد العظم يظهر من خلالها، وتم نقله إلى مستشفى المطرية، جثه هامدة، رغم أن القسم يزعم أنه لفظ أنفاسه الأخيرة داخل سيارة الإسعاف. كريم حمدى.. "خالد سعيد المطرية" يعد المحامى كريم حمدى، الضحية الرابعة لقسم المطرية ومن أكثر الضحايا الشبيهة لخالد سعيد، من كثرة التعذيب الذي حل به على يد قوات أمن قسم المطرية؛ حيث تم اقتياده لقسم المطرية بتهمة انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وعلى هذا الغرار تم تعذيبه بأبشع الأساليب الممكنة. وأفاد تقرير الطب الشرعي وجود كدمات بالرقبة من الأمام وكدمة بالصدر من الناحية اليسرى والقضيب وجرح قديم بالإلية اليمنى خمس سنتيمترات وإصابة بالأنف والرقبة من الناحية اليسرى. إضافة: إلى إصابة بالعنق من المنتصف وإصابة بالصدر من أعلى وآثار احمرار بمعصم يده اليمنى وإصابة بمعصم يده اليسرى من الجانب وإصابة بالظهر من المنتصف، من الأسفل، وإصابة بالإلية اليسرى من الداخل، وإصابة بساقه اليسرى في منتصف الركبة واحمرار بجوار منطقة العانة واشتباه تورم وزرة إبر في القضيب وكيس الصفن، وكذا وجد آثار عملية وغرز جراحية بالإلية اليمنى وغرز جراحية قديمة بالبطن من الناحية اليمنى من الأسفل. المحامى إمام عفيفى.. قتل بعد 48 ساعة من الاعتقال توفي المحامى إمام محمود إمام عفيفي 63 سنة، بعد 48 ساعة من احتجازه، داخل مستشفى المطرية التعليمي، بعد إصابته بنزيف داخلي بالمخ نتيجة للتعذيب القاسي الذي تعرض له داخل قسم المطرية، وتوفي بعد شهر ونصف على مقتل المحامى كريم حمدى داخل قسم المطرية؛ حيث اتهمته قوات الشرطة بمشاركته في تظاهرت موالية لجماعة الإخوان. عبد ربه آخر ضحايا قسم المطرية.. وحتى كتابة هذه الكلمات، فكان المواطن سيد عبد ربه البالغ من العمر 40 عامًا، آخر ضحايا قسم المطرية؛ حيث لقي مصرعه، داخل القسم على يد قوات الشرطة، التي اقتحمت منزله في المرج بعد صلاة العشاء وضربته ضربًا مبرحًا أمام أسرته ثم أصابته برصاصة في منزله، وبعدها اقتادته للقسم وتعرض للتعذيب حتى لفظ أنفاسه الأخيرة فجر الخميس قبل الماضي، بتهمة انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين ليسجل الرقم 11 في قائمة ضحايا التعذيب بقسم المطرية. حقوقيون: أعداد الضحايا في تزايد وهذه هي الأسباب هاجم حقوقيون من جانبهم استمرار الانتهاكات بقسم المطرية التي وصلت ذروتها الأيام الماضية، مخلفة وراءها في أقل من 3 شهور أكثر من 10 ضحايا لقوا مصرعهم نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب. وتوقع عدد من الحقوقيين استمرار الانتهاكات وسقوط العديد من الضحايا الجدد في الأشهر القادمة لاسيما في ظل تواصل حملات الاعتقالات بالمنطقة وما يصاحبها من حالات التكدس ونقص التهوية داخل الزنازين. وقال محمد لطفي، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، إن ما يشهده قسم المطرية من تزايد الانتهاكات وصلت إلى حد زيادة أعداد المعتقلين والوفيات هو نتيجة طبيعية لاستمرار عدم محاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات وكذلك انعدام المسئولية المجتمعية تجاه مراقبة الأقسام والسجون بكل عام. وقال "الناشط الحقوقي" إن قسم المطرية أحد أهم الأقسام التي تشهد انتهاكات حقيقية؛ حيث تجاوز عدد الضحايا في القسم 11 ضحية لقوا مصرعهم إما عن طريق الإهمال الطبي المتعمد أو التعذيب داخل أسوار السجن وغيرها من تزايد أعداد المعتقلين داخل الزنازين. وتوقع "لطفي" تزايد أعداد ضحايا انتهاكات السجون في الفترة القادمة تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وما يتزامن معه من حالة التكدس التي تشهدها الزنازين، محملاً الجهات الحكومية مسئولية تزايد أعداد الأرواح الزاهقة داخل الأقسام. وقال "لطفي" إن قسم المطرية يتميز عن غيره منذ ثورة 25 يناير بحالة من الكراهية التي تزايدت بعد انطلاق أول مظاهرات الثورة وحتى الآن نظرًا لطبيعة المنطقة التي حددتها طبيعة المعارضين للنظام الحالي، مبينًا أن حالة العداوة بين القسم وبين أهالي المطرية بشكل عام ولدت حالة من العنف المتبادل كان أكثر شواهدها مقتل العميد وائل طاحون الذي تم اغتياله واصفًا العلاقة بشديدة السوء.
وانتقد "لطفي" المجلس القومي لحقوق الإنسان، مشددًا على ضرورة أن يتبنى موقفًا أشد حزمًا في مواجهة قضايا المعتقلين لاسيما في ظل إهدار الأرواح والدماء. وأكد "الناشط الحقوقي" أن تجاهل المجلس يأتي في ظل عدم وجود موقف ونوايا حقيقية للمراقبة والمحاسبة، منتقدًا عدم استمراريته في زيارة السجون والأقسام وإعلان النتيجة الواقعية لما تمت مشاهدته. من جهته، قال أشرف عباس، المحامى الحقوقي، إن مسألة التعذيب داخل أقسام الشرطة المصرية لا يمكن توقيفها في ظل السياسات المتبعة من الحكومة الحالية، ولكي يتم التخلص من التعذيب داخل أقسام الشرطة على السلطة الحالية أن تتغير. وأكد عباس خلال تصريحات خاصة ل«المصريون»، أنه تقدم هو وعدد من الحقوقيين بتقديم مبادرة لوقف التعذيب في مصر، لكنهم قبلوا بإجراء تحقيق معهم، واصفًا أجهزة الشرطة والجيش والقضاء بتحالف السلطة التي لا يمكن لأحد انتقادها.