الداخلية كانت أحد الأسباب الرئيسية التى بسببها اندلعت ثورة يناير.. لم يكن فى الحسبان أن تظاهرات 25 يناير ستحيى أمل التخلص من نظام أذاق شعبه مرار القمع والذل على مدار سنوات وجوده فى سدة الحكم.. كانت التظاهرات تشير بأيدٍ قابضة على الأحلام وخطى ثابتة نحو وزارة انتهكت آدمية كل من تسول له نفسه أن يميل عن الخط الذى رسمته للشعب. شهداء سقطوا داخل عدد كبير من الأقسام المصرية وسجونها.. لم يكن هناك إحصاء حقيقى ودقيق قبل ثورة يناير، ولكن عقب قيام الثورة، وبالأخص عقب حادثة خالد سعيد التى هزت أركان الجمهورية من بشاعة الحادثة، بدأت الأعين توجه أنظارها نحو ما يحدث داخل الأقسام والسجون من تعذيب وانتهاكات تؤدى أحياناً إلى الوفاة. التكنولوجيا سر كشف الداخلية ومع انتشار التكنولوجيا واستخدام الهواتف ذات الكاميرات، انتشرت كليبات التعذيب داخل أقسام الشرطة، بدءاً من كليب تعذيب عماد الكبير، إلى كليب المواطن الذي تم تعذيبه وهتك عرضه في أحد الأقسام، ولكن كان لفيديو عماد الكبير الصدد الأكبر، حيث كشفت طريقة تفنن رجال الشرطة فى تعذيب المواطنين داخل أقسام الشرطة، بغض النظر عن أنه مذنب أو برىء. خالد سعيد صاحب شرارة ثورة التعذيب التى كان لها الفضل فى اندلاع عدد كبير من التظاهرات فى عدد من المحافظات فى يوليو 2010، أي قبل اندلاع ثورة يناير بأشهر قليلة. كانت حادثة خالد سعيد ذلك الشاب السكندري الذى توفي إثر الضرب المبرح الذي تعرض له على يد مخبري قسم سيدي جابر؛ بسبب نشره لمقطع من الفيديو يثبت تجارة بعض رجال شرطة هذا القسم للمخدرات، كانت الحادثة هي السبب فى اندلاع عدد كبير من التظاهرات فى عدد من المحافظات، وعلى رأسها القاهرة والإسكندرية، وشهدت تلك التظاهرات عددًا من الملاحقات الأمنية. فرغم أن حوادث الانتهاكات الجسدية والقتل العمد على أيدي الشرطة كانت ظاهرة دائمة الحضور في المجتمع وتفشّت في السنوات الأخيرة من حكم مبارك، إلا أن محللين رأوا أن انتماء خالد سعيد إلى الطبقة الوسطى التي كانت تقليديًّا أقل معاناة من تلك الانتهاكات من الطبقات الشعبية والمعدمة أدى إلى تعاطف قطاعات جماهيرية واسعة بين من رأوا في خالد مثالاً لما يمكن أن يصيبهم وأبناءهم؛ مما ساهم في الحشد ردًّا عليها. وكان لصفحة "كلنا خالد سعيد" التى أسهها وائل غنيم الدور الكبير فى الحشد لتظاهرات 25 يناير، وكانت من ضمن المحركين الأساسيين لعدد من المسيرات. اندلعت ثورة يناير، وانسحبت الشرطة من الشوارع، بعدما عجزت عن صد الغضب العارم الذى وقع عليهم؛ نتيجة طفح كيل المواطنين من أداء رجال الداخلية ضدهم، وخصوصاً بعدما استخدم نظام مبارك العصا الأمنية لترويع المواطنين وصد المطالب الشعبية، سواء العمالية أو السياسية. وظن المواطنون أن الشرطة استوعبت الدرس القاسي الذى لقنه الشعب لهم فى جمعة الغضب، ولكن الحقيقة أنه عقب الثورة ومع بدء عودة الحياة لطبيعتها، ظهرت حقيقة الوضع أن الداخلية لم تتغير بعد، وأن الدرس لم يصل بدرجة كافية. ثورة لم تقم والتعذيب من جديد فعقب قيام ثورة يناير المجيدة بأشهر قليلة أعلنت أسرة عصام عطا عن مقتله داخل مكان احتجازه. عصام عطا ذلك الشاب الذي قتل بسبب التعذيب من قِبَل إدارة سجن طرة في يوم 25 أكتوبر 2011، بينما كان يقضي هناك عقوبة الحبس لمدة سنتين لتورطه في مشاجرة يوم 25 فبراير 2011 في منطقة المقطم، حكمت عليه بعدها المحكمة العسكرية بالحبس سنتين، ونفت وزارة الداخلية المصرية وقتها أنه توفي بسبب التعذيب، وقالت إن ما تعرض له كان وعكة صحية، بينما أكدت مصادر حقوقية، بالإضافة إلى والد عصام، أنه عُذِّب من قِبَل ضباط بالسجن بخراطيم المياه حتى الموت. وظل الوضع داخل أقسام الشرطة والسجون يزداد سوءًا، وظلت المراكز الحقوقية ترصد ما تستطيع رصده لعدد حالات التعذيب داخل أماكن الاحتجاز. وأكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنه مع اندلاع الثورة لم يتوقف التعذيب يوماً، فعلى سبيل المثال في سجن القطا تضم قائمة السجناء القتلى الصادرة عن نيابة شمال الجيزة الكلية أسماء 33 سجينًا لقوا مصرعهم في الفترة من 25 يناير إلى أول مارس 2011، منهم 31 سجينًا أشارت القائمة إلى أنهم لقوا مصرعهم نتيجة الإصابة بطلق ناري (أي بالذخيرة الحية)، وكانت الإصابة في 14 حالة منها إما في الرأس أو الوجه أو الرقبة. وفي سجن ليمان طرة قام ضباط السجن يوم 29 يناير 2011 بإطلاق النار على السجناء داخل العنابر، مما تسبب في مقتل عدد منهم وإصابة عشرات آخرين، وفي بعض العنابر قام الحراس بإطلاق النار على السجناء داخل الزنازين، بينما ألقوا بالقنابل المسيلة للدموع داخل عنابر أخرى. وحين تمكن السجناء من الخروج من الزنازين للهروب من الغاز، أطلقت عليهم النيران في فناء السجن، ولم يتوقف الأمر عند إطلاق النار العشوائي، بل إن الشهادات الواردة من ليمان طرة تشير إلى أن بعض رجال الأمن توجهوا إلى العنابر مباشرة، وأطلقوا الرصاص على السجناء من مسافات قريبة. وبعد مرور أربع سنوات من ثورة يناير، ومع اقتراب قضاء العام الثانى من ثورة يونيو التى قامت من أجل التذكير بمطالب وشعارات يناير التى لم تنفذ حتى الآن، ووفقاً لعدد من مصادر التوثيق التى أكدت وجود ما يقرب من 41 ألف سجين سياسى وملاحق أمنى، ووفقاً لشهادات البعض، يعاني كثير منهم من التعذيب.. يقول خالد السيد، وهو أحد النشطاء السياسيين البارزين في رسالة نقلتها عنه زوجته من محسبه أثناء فترة حبسة، إن ما رآه في قسم الأزبكية كان أقرب "للسلخانة التي تجري فيها حفلات تعذيب للمعتقلين طوال اليوم.. حيث يجري تجريدهم من ملابسهم، ويتم ضربهم وكهربتهم في أماكن حساسة بجسدهم من ضمنها الأعضاء التناسلية". وهي الشهادة التي كانت سببًا في تحرك بعض المنظمات الحقوقية للمطالبة بالتحقيق في وقائع التعذيب، ولكن دون جدوى. الإضراب وتعنيف الداخلية لم يقتصر التعذيب داخل السجون والأقسام بالضرب والتحرش اللفظى والجسدى، فمع موجة الإضراب عن الطعام التى شهدتها سجون مصر فى عام 2014، بدأت وزارة الداخلية تزداد عنفاً، ورفضت توفير رعاية صحية للمضربين، بل وبعضهم تعرض للضرب والتأديب بالحجز الانفرادى، مثلما حدث مع المسجونين سياسيًّا: لناشط السياسي "أحمد دومة" ونبي المضربين الناشط "محمد سلطان". وبالرغم من أداء الداخلية الذى عاد يضرب من حديد على معارضيه، كانت لها نصيب الأسد فى القرارات الوزارية وميزانية الدولة، فقد ظلت ميزانية وزارة الداخلية لعقود طويلة مثل "الصندوق الأسود" الذي لا يعرف محتواه سوى عدد محدود من عناصر النظام الأمني، ففى عام 2005 عام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كانت ميزانية الداخلية التى عرفت حينها 12 مليار جنيه، واستقرت قليلاً لتقفز خلال العام 2008 إلى ما يقرب من 20 مليار جنيه، وهي ميزانية تساوي 5 أضعاف ميزانية وزارتي التعليم العالي والصحة مجتمعتين، ناهيك عن المصاريف السرية والمنح الأخرى التي تحصل عليها الوزارة. ففي عام ما قبل الثورة طلبت وزارة الداخلية 142 مليون جنيه إضافية؛ بحجة تحقيق الاستقرار الأمني وحماية الأمن القومي. وبررته في تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب بأن هناك مستجدات تتطلب زيادة ميزانية الداخلية. الأجهزة الأمنية في مصر تكلفة باهظة وأمن غائب ومع حلول عام 2014 كشفت دراسة «الأمن في مصر.. التكلفة والعائد وآفاق المستقبل» التي أعدها "أحمد الضبع" الخبير في الشئون التنموية والاستراتيجية ونشرها المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية أن الشرطة تكلف مصر نفقات إجمالية تقدر بنحو 85 مليار جنيه (14 مليار دولار سنويًّا)، منها نحو 17 مليار جنيه (2.8 مليار دولار) نفقات مباشرة مدرجة في الموازنة العامة للدولة، ونحو 32 مليار جنيه (5.3 مليارات دولار) تكاليف غير مباشرة تتمثل في عوائد ومزايا أخرى شبه رسمية تحصل عليها الشرطة كمؤسسات وأفراد، فيما تنفق مصلحة السجون بجميع مرافقها وسجونها والعاملين بها والمسجونين داخلها 666.7 مليون جنيه، منها 340 مليون جنيه لشراء السلع والخدمات. وبالرغم من مطلب إعادة هيكلة الداخلية، إلا أنها بدأت فى افتتاح فروع جديدة لها عقب الذكرى الثالثة لثورة يناير، فوفقًا للقرار الرئاسى تم استحداث وظيفة "معاون الأمن" من خريجى الإعدادية، مع منحهم الضبطية القضائية.