اشمعنى وزراءْنا! للوزير – أي وزير – في دول العالم التي تحترم نفسها - مهام محددة، وسلطات واضحة، وإمكانات مرسومة، لا يستطيع أن يعدوها، أو يقفز فوقها، وإلا لقي من زملائه، والمعارضة، والصحافة، والإعلام كله، والشعب المصحصح، ما سيطير من عينه النوم، ومن حياته الراحة، ومن اسمه المصداقية والشرف، ويعجل به إلى قائمة المساءلة والوصم، بسبب التقصير أو الخيانة. أما الباشا الوزير في دول العالم الثالث (الديمقراطية الوطنية الصادقة) فله (آسف: فلسعادته) مهام تختلف كثيرًا، تجعل جنابه فوق القانون، وفوق الإعلام، وفوق الشعب، وفوق القيم، وتجعل سعادته (لزقة) في كرسي الوزارة؛ ما دام منتبهًا لسقف طموحاته كوزير في العالم الثالثعشري السعيد، وما دام ولي النعم – وأولياءِ نعمِ قداسةِ وليِّ النعم - راضين! وقد أبدع الكاتب فاروق صبري (في مسرحية الزعيم) في إبراز دور الوزير في العالم الثالث عشر، في شخصية حمدي (حَمْتِشي) وبقية الإخوة الأجراء – آسف: أصحاب السعادة الوزراء، الذين كانوا يعملون عند الزعيم – بشكل موغل في الإيجاع، والسخرية السوداء! واسمح لي سيدي القارئ أن أرصد وظائف صاحب السعادة الوزير في العالم الثالث، وأعرض لمؤهلاته؛ كي يستمر، وينال شخصُه الرضا، وليتصدر اسمه المانشيتات، وتكتب الفضائيات الوطنية عن تفرده، والصحافة المحلية عن عبقريته ووطنيته وعطائه، وجهده الجبار الذي لا يكل في خدمة وطنه والبشرية كلها، وأنه لولا وجود سيادته لسادَ البلادَ الفساد والكساد، ولحصل خلل في الدنيا، التي هي في حاجة لعبقرية فخامته! = = أولى مهام سيادة الوزير في دول العالم الثالث عشر: مسح نعل الزعيم الكبير، وكثرة الانحناء ل(فخامته/ دولته/ سموه/ جلالته) وتلميع صورته، وطاعة إشاراته طاعة عمياء، واعتبار هذه الإشارات إلهامًا قدسيًّا لا يناقش، ولا يُتردد في الهرولة لتطبيقه، بل هي دائمًا (توجيه سامٍ/ فكر سديد/ رأي رشيد/ كلام حكيم) حتى لو كان افتتاح حنفية ماء عامة، أو رصف عشرين مترًا في طريق، أو إنشاء مصنع كليم! = = إتقان الكذب، والحنث إذا حلف؛ فعند تسميته وزيرًا في العالم الثالث يحلف يمينًا أمام رئيس وزارته، أو رئيس جمهوريته، يحلف علنيًّا، أمام كاميرات التلفزيون، بالله العظيم أن (يحافظ على النظام الجمهوري، وأن يحترم الدستور والقانون، وأن يرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، ويحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه)! ثم إذا هو يحول النظام الجمهوري إلى تكية أو عزبة لصاحب الفخامة الباشا الكبير أوي، ولأنجاله ومحاسيبه - وهو منهم - ويدوس القانون، ويُسقط من ذاكرته شيئًا اسمه الشعب، ويخون - في وضح النهار – الوطن، ويبيع أراضيه، وشواطئه، ومجالاته الجوية والبحرية والبرية، وكل ما يمكنه بيعه! وذلك من خلال: = = اقتراح وسائل (ديمقراطية/ دستورية/ قانونية/ شرعية) لإحكام لصق الزعيم بالكرسي، بأقوى لاصق، يثبت دعائم تفرعنه، وتحكيمه في الشعب مدى الحياة، والتمكين له، والزيادة في إحكام قبضته على أعناق البشر، والأرض، والموارد، والدنيا والدين، ومنهجَةُ ذلك، ودسْترَتُه، وإلباسه ثوب القانون، فكل شيء في النظم القمعية دائمًا بالدستور والقانون! = = تبرير القرارات الخائنة للزعيم (اللزقة)، ودعمها، والتصفيق لها، واختراع مكامن الرؤية العبقرية فيها؛ مهما تهافتت وتناقضت وتضاربت وانكشف عوارها! وكذا ستر عورات الزعيم وتقصيره، وتقديمه على أنه نموذج للكمال والجلال والجمال، واللباقة والأناقة والفتاكة، والتأكيد على أنه يستحيل على الأمة أن تعيش، أو تأمن، أو تنهض، أو تتقدم؛ دون قيادة فخامته الأبدية، فهو هبة الله للبشرية، ونعمته الدائمة، التي لا يجوز أن يقطعها إلا نهاية الأجل، أو زعيم آخر من شاكلة الزعيم الأول، يغدر به، ويقفز على كرسيه! = = معرفة أهم المواقع الثمينة في البلد، ذات القيمة الشرائية الباهظة، من التي يطمع فيها تجار الأوطان، وتقديمها للسيد الزعيم ليرى رأيه في التصرف فيها كيف يشاء، واقتراح مشروعات خائنة يميل لها الزعيم؛ لما ستعود به من زيادة في الرصيد، ونفع في العاجلة، وابتداع وسائل شيطانية للسرقة الرسمية: من المال السائب، ومن الدخل المضمون، ومن الآثار النادرة، ومن الأصول المتجذرة، حتى لو كانت في حجم النيل أو الهرم، أو البلد كلها! = = إقامة ليالي السمو الروحي لإدخال السرور على فخامته، وعلى أصحاب الجلالة والسمو ضيوف فخامته، وعلى السادة اللاعبين الكبار، زرق العيون والأنياب الذين يريدون أن يذوقوا الطعم الشرقي، والنكهة الوطنية الأصيلة! ويمكن توصيل الطلبات حتى الباب (هوم دلفري) هدية سخية من الزعيم الطاهر، دون أي إشكالية كما فعلوا في الستينيات والسبعينيات، من إكرام قادة عدم الانحياز، وكيسنجر، وغيرهم! = = ويقع ضمن مهام سهرات السمو الروحي: الترفيه عن السادة الزملاء الوزراء، والمسؤولين، والمحاسيب، وكبار البهلوانات، و(خُولية العزبة)، وتوثيق ذلك، وحفظه في غرف جهنم؛ لاستثماره عند الاقتضاء، واستعماله (في وقت عوزة) حتى يلوي به ذراعًا، أو يرغم به أنفًا، أو يمرر به قرارًا، أو ينكل بمن صحا ضميره، ويحيل حياته إلى جهنم! = = ومن مواصفاته: قدرته الفائقة على ضرب فئات الشعب بعضها بعض، وصناعة الفتن، وتلفيق الأحداث التي تبرر إحكام القبضة، وزيادة معدل التصاقِ الفاشيِّ الكبير بالكرسي.. والقدرة العالية على الظهور بمظهر الوطني والغيور والمصلح، دون أن يحمر له وجه، أو يرف له جفن! = = القدرة على النهب، وسلب الأموال، والمقاسمة، ووضع اليد، وافتتاح المؤسسات للأنجال والزوجات والأصهار والألاديش، وتأمين الظروف بحكم أن الزمن غدار، والدنيا ما بتدومش لحد! = = القيام بعمل الدلال والسمسار الدولي (عن بيع دولته) والاجتهاد في نيل أكبر نسبة من (الكومِّشن) في صفقات خائنة، يباع فيها قطاع، أو جهاز، أو رقعة أرض، أو قرن من تاريخ، أو منهج تربية جيل، أو حقيقة صياغة قلب الأمة! ولا شك أنك قارئي العزيز تدرك معي معنى أن وزيرًا للثقافة في بلد ديمقراطي وطني حر يحكم وزارته أربعًا وعشرين سنة متواصلة، يجهر فيها مائة مرة بما يناقض ما حلف عليه! ووزيرًا يرأس برلمانًا إحدى وعشرين سنة متتابعة، متخصصًا في التزوير، والكذب على الشعب، وتمرير القوانين المناقضة لما حلف عليه، ولا يقلعهما من الكرسي إلا تسونامي ثوري، يقوض أركان النظام كله، بما فيه الغول الكبير ذاته! أعجب من هذه النوعية من البشر، وجلدها، وصفاقة وجهها، وقدرتها الهائلة على المراوغة، والاستمرار، وطول النفس في الشر والباطل والكذب والتزوير والتلفيق وخيانة الأمة والأمانة.. وأعجب ممن كانت تأتيهم المناصب ساعية فيهربون منها، ويديرون لها الظهور والقلوب، سائلين الله تعالى العافية! يروي التاريخ أن أمير المؤمنين الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، حين بويع بالخلافة - وهو لها كاره - أمر فنودي في الناس بالصلاة، فاجتمع الناس إلى المسجد، فلما اكتملت جموعهم، قام فيهم خطيبًا، فحمد الله تعالى ثم أثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر على غير رأي مني فيه، ولا طلب له، ولا مشورة من المسلمين، وإني خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم خليفة ترضونه. فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فَلِ أمرنا باليمن والبركة! فأخذ يحض الناس على التقوى، ويزهدهم في الدنيا، ويرغبهم في الآخرة، ثم قال: أيها الناس: من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له على أحد، أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم! ثم نزل عن المنبر! ويروي التاريخ أن الخليفة المنصور عرض منصب القضاء على الإمام أبي حنيفة؛ فاعتذر عن ولاية القضاء تحرّجًا؛ متعللاً أنه لا يصلح، فقال له الخليفة أنت كاذب (يقصد أنه يصلح) فقال الإمام: بس، هذا أوضح دليل، قلت لا أصلح، فإن كنت كاذبًا فالكاذب لا يصلح، وإن كنت صادقًا فكيف تعينون من لا يصلح!؟ وهرب منها، فسجنه الخليفة وآذاه لذلك، وبقي في ضيق حتى توفي إلى رحمة اللّه تعالى! بس.. --------------- في قصيدته: العيسوي بيه، قال نجم، ساخرًا من وزير داخلية سابق وطني حامٍ للحريات: شوف عندك يا سلاملم واتفرج يا سلام/ ع المدعو دومة عيسوي وزير الإمن العام/ في الفصل الإنتخابي من مرسح السلام/ سارح بالبلطجية والهجّامة القدام! عشان ضمان عبوره من دايرة الانتقام/ واتفرج يا سلاملم ع العيسوي يا سلام! العيسوي بيه.. العيسوي بيه/ صاحب البوكسات..العيسوي بيه/ والحبسخانات..العيسوي بيه/ ملك اللومانات..العيسوي بيه/ والمعتقلات..العيسوي بيه! بُشرى لجميع الهبّاشة/ العيسوي رمز الطفّاشة/ سبحان الله من أومباشا/ حكم المأمور ياما شاللا عليه/ العيسوي بيه.. العيسوي بيه! بُشرى لجميع الحشّاشة/ العيسوي بيه رمز الماشة/ سبحان الله من أومباشا/ بقى كل الإمن العام فى إيديه/ العيسوي بيه.. العيسوي بيه! من أجل ضمان الحرية/ لجميع تجار الباطنية/ العيسوي بيه مية المية/ حيخلى القرش بربع جنيه/ العيسوي بيه.. العيسوي بيه/ خليكو فاكرين.. العيسوي بيه/ تنتخبوا مين.. العيسوي بيه/ فليحيا مين.. العيسوي بيه/ ابن امّ أمين.. العيسوي بيه! [email protected]