أغلقت كثير من دور السينما، ومتاجر بيع الموسيقي في زيمبابوي، أبوابها، خلال السنوات القليلة الماضية، جراء الخسائر التي تكبدها أصحابها إثر انتشار الأقراص المدمجة لأحدث الأفلام والألبومات الغنائية المقرصنة علي أرصفة الشوارع بمبالغ زهيدة. بعد نيل الاستقلال عام 1980، أصبحت الحياة واعدة لمعظم الزيمبابويين، وفي ظل روح من الوحدة والتسامح، ازدهرت الاستثمارات في جميع قطاعات الاقتصاد، ونظرا لضعف مستويات التعليم في مجتمعات السود قبيل الاستقلال، كانت الموسيقى هي المصدر الوحيد للتسلية. وكانت مجموعات من الشباب غير المتعلمين والباحثين عن فرص العمل، تتردد على مراكز الشباب، لتعلم العزف على الآلات الموسيقية المختلفة، وأحد هذه المراكز "قاعة ستوردارت" التي تقع في "مبارى"، وهي واحدة من أقدم ضواحي العاصمة هراري. وعندما أصبح التلفاز جهازا حيويا، لا يملكه سوى عدد قليل من الزيمبابويين، وفرت السلطات أجهزة عرض سينمائي في أماكن مثل "مبارى" لتلبية احتياجات من لا يملكون أجهزة تلفاز وكشكل من أشكال الترفيه. وفي وقت لاحق ازدهرت صناعة الموسيقى والسينما، وأسست السلطات بنية تحتية ضخمة، كما انتشرت متاجر الموسيقى في جميع البلدات فضلا عن المدن الكبرى، في حين واصلت دور السينما استيعاب مجموعات من العملاء الذين يسعون وراء أشكال مختلفة من وسائل الترفيه. ونتيجة لذلك عرضت المسارح مثل مسرح "ستيركينيكور"، وسينما "رينبو" أحدث الأفلام الغربية، بينما اهتمت شركات "غرامار ريكوردز"، و"مؤسسة زيمبابوي للموسيقى" بالتوزيع الموسيقى. غير أنه، بعد مرور 35 عاما، يبدو أن عهد الازدهار قد مضى بلا غير رجعة في ظل تراجع صناعة الترفيه ومعاناة أربابها. إيلاه تاينغوا، (51 عاما) التي نشأت في ضاحية "مبارى"، ما زالت تتذكر تلك الأيام الخوالي عندما كانت تذهب إلى قاعة "ستوردارت" لمشاهدة الأفلام. استهلت "تاينغوا" حديثها لوكالة الأناضول، بالقول "فيما مضى اعتدت الخروج مع الأصدقاء كل عطلة نهاية أسبوع، ومشاهدة الأفلام في قاعة ستوردارت، كان الأمر ممتعا". من جانبه، تذكر "كوزماس باندا"، (65 عاما)، كيف كان يستمتع بقضاء وقته برفقة أصدقائه خارج متجر الموسيقى، في كل مرة يتوفر له المال لشراء البيرة. وقال "باندا"، في حديث لوكالة الأناضول: "كان أخي الصغير يعمل في متجر لبيع الموسيقى، وبالنسبة لي كان قضاء الوقت مع الأصدقاء متعة خارج (المتجر)، حيث نستمع إلى موسيقى الريغي الجامايكية لبوب مارلي". وبينما كان إنشاء دور السينما، ومتاجر بيع الألبومات الموسيقية لمجرد التسلية، فقد ساهمت في الوقت ذاته في خلق فرص عمل. من جهته، قال ألبرت نياتي، وهو شاعر ورئيس جمعية "حقوق الموسيقى في زيمبابوي"، "في زيمبابوي ساهمت صناعة الترفيه في توفير فرص عمل لمئات الأشخاص، لأن السوق كان جيدا للغاية". وأضاف معربا عن أسفه "رغم ذلك، كل هذا انتهى بسبب القرصنة". وكانت فروع دور سينما "رينبو" منتشرة في هراري ومدن أخرى، وهذا ما تظهره البنية التحتية التي أصبحت الآن معطلة ومهجورة، حيث كان يتواجد في هراري وحدها، 4 دور سينما "رينبو" كبيرة، في كل منها ما بين 5 و10 مقصورات. من جهته، قال "سيفيور شومبا"، وهو مدير سابق لإحدى فروع دور سينما "رينبو": "اعتدنا توظيف مئات الأشخاص، لأنه كان لدينا أقسام مختلفة في دور سينما مثل عرض الأفلام وبيع المرطبات، والصرافين، والمنظفين، وعمال الكهرباء، وكذلك الحراس" وأضاف متذكرا أيام ازدهار النشاط السينمائي: "كنا نعرض الأفلام طوال اليوم، ولذلك كان عمالنا يعملون في نوبات على مدار اليوم". ووفقا ل"شومبا"، بدأت المشاكل، عندما أدخل نظام العملات المتعددة، وبدأت عملية محاسبة العملاء بالدولار الأمريكي. وأشار إلى أن "تلك الحقبة من التضخم أثرت في معظم الشركات التي كانت تمتلك أصولا، ولا تستطيع أن تربح منها بسهولة". وأضاف "شومبا": "هذا أجبرنا على بدء محاسبة العملاء بالدولار، وبدأت معظم فروعنا تعاني على الفور". وتابع: "اعتدنا توظيف مئات الأشخاص، لأنه كان لدينا أقسام مختلفة في دور سينما مثل عرض الأفلام وبيع المرطبات، والصرافين، والمنظفين، وعمال الكهرباء، وكذلك الحراس". ورغم ذلك، أبقى مسرح "ستيركينيكور" العملاق أبوابه مفتوحة في زيمبابوي، على الرغم من أن العمل لم يعد مزدهرا. وفي هذا السياق، قال بيتر هوغو، مدير التسويق التنفيذي، في "ستيركينيكور"، للأناضول "نوظف الكثير من الأشخاص في دور السينما لدينا، ونريد الاستمرار من خلال تقديم خدمة فريدة من نوعها من خلال الشراكة مع صانعي الأفلام مثل والت ديزني في هوليوود". وتملك "ستيركينيكور" اثنين من دور السينما الضخمة في العاصمة هراري، قبالة مركز تسوق "إيستجيت" في وسط المدينة، ومركز تسوق "ويست غيت" على مشارف ضاحيتي "ويست غيت"، و"مارلبورو" الغربيتين ذواتي الكثافة السكانية المنخفضة. ومضى "هوغو"، قائلا: "نعلم أن علينا ان نستمر في مجال الأعمال التجارية، وقررنا تقديم خدمات ذات مستوى عالمي في دور العرض السينمائية التي نملكها، وعلى الرغم من تحدي القرصنة ما زلنا على أقدامنا". ورغم ذلك، أوضحت حقيقة الوضع زيارة مراسل الأناضول إلى دار سينما "إيستجيت" الكثير، حيث تبدو دار العرض التي تم طلائها مؤخرا أنيقة، وتعرض بعضا من أحدث الأفلام التي تعرض في السينما الأمريكية في الوقت الراهن، إلا أنها كانت مهجورة تقريبا. وتبلغ قيمة تذكرة "ستيركينيكور" 5 دولارات لمشاهدة فيلم، في حين يباع قرص "دي في دي" لأحدث الأفلام المقرصنة مقابل نصف دولار أمريكي. وأوضح هوغو أن "المنافسة صعبة بسبب القرصنة ولكن معظم الناس الذين يأتون لمشاهدة الأفلام لدينا، إما يكونوا عائلات أو ثنائيات يبحثون عن أماكن هادئة للتفاعل". واتهم سلطات مكافحة القرصنة بترك الصناعة تتراجع، وأشار إلى أنه من "واجب الشرطة وقف القرصنة". ومن هذا المصير أيضا لم تنج صناعة الموسيقى، حيث أغلقت معظم متاجر الموسيقى أبوابها. وفي حديث لوكالة الأناضول قال "روميو غاسا"، وهو موسيقي شاب يقيم في هراري "بات الأمر صعبا بالنسبة للبعض منا الذين غامروا بدخول صناعة الموسيقى، وحاولوا الاستمرار". وأضاف "نسجل موسيقانا في أماكن أخرى ونقوم بالتسويق لأنفسنا بينما نخلق فرص عمل للبائعين أيضا". ويشتكي الفنانون من أنهم أصبحوا فقراء نظرا لإخفاق الحكومة في سن قوانين تحد من عمليات القرصنة. واستأنف "نياتي"، رئيس جمعية حقوق الموسيقى زيمبابوي حديثه بالقول: "الشيء المؤسف هو أن هؤلاء البائعين الموسيقيين أجبروا شركات توزيع الموسيقى على إغلاق المحلات التجارية لكنهم لا يدفعون الضرائب، ودمروا صناعتنا". من جانبه، حمل "تينداي ديمبو"، وهو موسيقي آخر، شركات تسجيل الموسيقى مسؤولية القرصنة. وقال لوكالة الأناضول: "تخيل أن لدي عائلة أعيلها، وبعد التسجيل أحصل فقط على 10% من قيمة التسجيلات". وأضاف "في النهاية، أجد نفسي مجبرا على أخذ موسيقاي إلى الشوارع من أجل الحصول على مصاريفي اليومية". على الرغم من أن هذا الاتجاه ربما ينظر إليه باعتباره "قرصنة"، فقد أصبح مصدرا للدخل للبائعين الذين هم في عداد ال90% العاطلين عن العمل في زيمبابوي. ومن جهته، قال مارفن موكانيا، وهو بائع موسيقى في هراري، للأناضول "في الوقت الذي يزيد بيع الأقراص الموسيقية في الشوارع من أعمال القرصنة، فإن هذا الاتجاه هو أيضا مصدر رزق للبائعين الموسيقيين".