في ظل هذا العبث، لنفترض أن أحدًا من الشخصيات الإسلامية المعروفة دعا إلى مليونية لارتداء النقاب في ميدان التحرير، بالطبع كانت ستقيم جميع الفضائيات المصرية على شرفه "حفلة" على مدار ال 24ساعة، تستضيف فيها "التنويريين" من أصحاب العقول المتحضرة الذين سيتحدثون عن "خفافيش الظلام الذين خطفوا مصر وهي في عز شبابها"، و"النقاب الذي سيحول دون استمتاع المصريين بحلاوة شمسنا وخفة دمنا"، ولأن البعض من سليطي اللسان وأقارب انشراح لن يضبطوا تصرفاتهم على الهواء فسيتم تأجيل ظهورهم إلى ما بعد منتصف الليل، مع تنويه مقدمي البرامج للمشاهدين بأن الحلقة للكبار فقط لاحتوائها على مشاهد جنسية فاضحة. كثير من مناضلي الفضائيات، المعروفين بعدائهم الشديد للإسلاميين، بل وربما للإسلام نفسه كما هو الحال بالنسبة للصحفي شريف الشوباشي ليست معركتهم الحقيقية ضد الدين، بل هي في حقيقتها معركة الدفاع عن مصالحهم الشخصية، وضمان إيجاد موطئ قدم لهم داخل السلطة الحالية، من خلال استعراض مهاراتهم في النفاق لها، والمزايدة الرخيصة على خصومها، لأنهم يعرفون أنه لا وزن لهم بعيدًا عن حضن السلطة، بعد أن ملأوا كروشهم من الحرام في عهد مبارك، لكنهم لم يشبعوا حتى الآن، فتراهم يتمادون في التملق والتزلف إلى السلطة ليل نهار، ويجرون شكل غالبية المصريين بتصريحاتهم المستفزة، وهم يظنون أنهم بذلك يقدمون قرابين الطاعة للنظام، ويخدّمون على أهدافه، في حين أنهم في الحقيقة يضرون بصورته ضررًا بالغًا على طريقة "الدبة التي قتلت صاحبها". من الأخطاء الكارثية التي وقع فيها شباب ثورة يناير، أنهم وضعوا الإطاحة بمبارك كهدف وحيد لهم، دون أن يدركوا أنه عندما تنحى مجبرًا ترك وراءه آلاف "المباركيين" في كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، بل أنه كانت هناك نسخة منه في كل حزب من الأحزاب الموجودة على الساحة، والتي تحولت إلى "دكاكين" يتوارثها الأبناء عن آبائهم، ولم ينجح شباب الأحزاب في استبدال تلك الوجوه التي كانت شريكًا أساسيًا في نظام الحكم، وكان بعضها صنيعة أجهزة الأمن، كما كشف لاحقًا، ولم يجدوا حرجًا في أن يقوموا بدور "الكومبارس" في صفوف المعارضة، ما دام سيتم الحفاظ على نصيبهم من الكعكة، وتعيينهم في مجلس الشورى لصاحبه صفوت الشريف وشركاه، هي نفس الوجوه التي تضع يدها في يد النظام حاليًا، وتتعامل معه باعتبارها شريكًا له، وترفض الخروج من عباءته، في مشهد نادر الحدوث إلا في دول العالم الثالث، التي تدعي الديمقراطية وهي منها براء، أمام المصريين شوط كبير في طريقهم إلى التغيير المنشود، وتحقيق أهداف ثورتهم، لكن لايجب أن نغض الطرف عن هؤلاء الذين أدمنوا الأكل على كل الموائد، ولايتقربون من الشعب إلا في مواسم الانتخابات. المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات يقول إن الراتب الشهري للرئيس عبدالفتاح السيسي يبلغ 5آلاف جنيه، في حين أن الأرقام الرسمية مع بداية توليه الرئاسة كانت تشير إلى تقاضيه 42ألف جنيه شهريًا، أعلن وقتها التنازل عن نصفها لصالح الدولة.. هذا مثال بسيط يوضح أنه لاتوجد جهة يمكن الاستناد إليها كمصدر للمعلومات سوى توفيق عكاشة. لكل طاغية مؤيدون يبررون عشقه للدماء وولهه بتصفية معارضيه حتى إن هناك من يلتمس للسفاح الحجاج بن يوسف العذر في مذابحه التي طالت بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى أنه حمى الدولة الإسلامية من الانهيار. عبيد الاستقرار لايعدمهم الطغاة أبدا. إذا كانت حرية الاعتقاد والملبس هي من أبجديات الحرية، فإن كثيرًا من مدعي الليبرالية، فشلوا في أبسط اختبار وهو احترام حريات الآخرين، القاعدة التي يؤمن بها البسطاء ويتداولها المثل الشعبي القائل: "واحد شايل دقنه والتاني تعبان ليه"؟، ليثبتوا صدق مقولة محمود عبدالعزيز أن "العلم في الراس مش في الكراس". تستغرب كثيرًا عندما تكتشف أن كبيرة الحيزبونات، نوال السعداوي كانت في يوم ما ضمن "الإخوان المسلمين"، لكنها لم تكن تحضر لقاءات "الأخوات"، لأنها ليست من جنس الإناث. "الحيزبونات" المشاركات في مليونية خلع الحجاب سيعلمن الشباب العفة والفضيلة. سؤالي إلى شريف الشوباشي: إذا كانت النساء ستخلع الحجاب في ميدان التحرير، فما الذي ستخلعه أنت؟ إذا أردت إلهاء شعب عن أزماته الحقيقية، فما عليك إلا بالاستعانة بإسلام بحيري وإبراهيم عيسى وشريف الشوباشي.