لا احد في مصر يريد حربا اهلية، ومع ذلك فالحروب الاهلية لا تستأذن احدا، وتندلع بشكل غير متوقع ودون سابق إنذار، ،لأسباب سياسية أوعرقية اوطائفية ، وغالبا ما تبدأ باحتجاجات ضد التهميش والاقصاء والتمييز ثم تتحول الى أعمال عنف واسعة بفعل الفقر والجهل وحركات التمرد المدعومة من الخارج! في كل حرب أهلية لا يوجد سقف زمني لانتهاء القتال، ولاضمانات بانتصار طرف على آخر، فالكل يستعين بقوي خارجية، ولا سلطة للدولة، فالدول تنهار قبل اشتعال هذه الحروب، وبعد سنين من الابادة الجماعية والخراب والدمار والقتل على الهوية تنتهي الحرب وفق قاعدة لاغالب ولا مغلوب. في النصف الاول من القرن العشرين اشتعلت خمسة حروب أهلية في مناطق مختلفة من العالم، ومع نهاية الحرب الباردة ارتفع العدد الى 20 حربا، وبانهيار الاتحاد السوفيتي سقطت دول حليفة له في دوامة الحرب الاهلية. تجاوز عدد ضحايا تلك النزاعات المسلحة اكثر من 25 مليون انسان حول العالم. في لبنان اندلعت الحرب الاهلية عام 1975 عقب محاولة فاشلة لاغتيال بيير الجميل، وقتل 26 فلسطينيا في عين الرمانة، استمرت الحرب 16 عاما وتسببت في احتلال سوري- اسرائيلي وتدخل عسكري امريكي –فرنسي،و لم يتوقف القتال الا في عام 1991 بتوقيع اتفاق الطائف وبعد قتل واصابة 200 الف لبناني وتهجير وتشريد 1,3 مليونا واختفاء 35 الفا مازالوا في عداد المفقودين. وفي الصومال حدث انقلاب عسكري في عام 1991 اطاح بالرئيس سياد بري، ومع فشل العسكريين في اقامة نظام دستوري يستوعب الجميع، انهارت الدولة وسيطر زعماء العصابات على الاقاليم، اندلعت حرب اهلية قسمت البلد الى دويلات وضاع الامن والاستقرار وقتل الالاف وانتشرت المجاعات، وحدث غزو اثيوبي في عام 2007، ولم يتوقف القتال منذ عشرين عاما حتى الان! لا توجد دولة في العالم يمكنها الزعم بانها في مأمن من الحرب الاهلية، فهذه الحروب اندلعت في دول كبري وامبراطوريات في أوقات الثورات والفوضي الشاملة، انجلترا شهدت حربا اهلية خلال الفترة من (1642 – 1649)، وامريكا شهدت حربا اهلية بين عامي (1861-1865)، وروسيا شهدت حربا اهلية بين عامي (1918- 1921) واسبانيا بين عامي (1936-1939). في الجزائر الغي الجيش نتيجة الانتخابات التشريعية في عام 1991 بعد فوز الجبهة الاسلامية للانقاذ، اشتعلت حرب عصابات بين الجيش الجزائري وفصائل اسلامية مسلحة، وقعت اعمال عنف ومجازر استهدفت المدنيين بالدرجة الاولى وابيدت قري باكملها، تجاوز عدد القتلي 250 الفا والمفقودين 40 الفا، لم يتوقف القتال الا في عام 2003 بمبادرة من الرئيس بوتفليقة تمثلت في العفو العام مقابل القاء السلاح! وفي رواندا تسلطت الاغلبية (الهوتو) على الاقلية (التوتسي) فاندلعت الحرب الاهلية ، كان الهوتو يمثلون 85 % من السكان والتوتسي في حدود 14%، تشكلت في الخارج جبهة للدفاع عن التوتسي، وفي عام 1990 شنت تلك الجبهة حرب عصابات ضد الهوتو بمساندة اوغندا، تدخلت فرنسا وبلجيكا لمساندة الهوتو، وقعت عمليات تطهير عرقي وابادة جماعية و قتل مليون رواندي وشرد اربعة ملايين اخرين، وفي عام 1993توقف القتال بتوقيع اتفاقية لتقاسم السلطة! أما في يوغسلافيا فاشتعلت الحرب الاهلية في عام 1991 بتحريض اوروبي للقوميات اليوغسلافية على الانفصال، تقاتل ابناء البلد الواحد - الصرب والكروات والبوسنيون والسلوفان والمقدونيون والألبان وسكان الجبل الأسود لاقامة دويلات خاصة بهم،وقعت فظائع وحشية وعمليات ابادة جماعية، تدخل حلف شمال الاطلسي عسكريا لوقف الحرب قبل ان تمتد الى دول وسط اوروبا ، وفي عام 2003 انتهي الصراع بتقسيم يوغسلافيا الى سبع دول ! شبح الحرب الاهلية يهدد الان ليبيا واليمن وسوريا، ويحوم حول مصر والبحرين والسودان، عمليات التحريض والتهييج لاتتوقف في كل دولة شهدت ثورة او انتفاضة شعبية، قوي عديدة في الداخل والخارج تريد لهذه الدول ان تتحول الى أرخبيل من الاديان والطوائف والاعراق والقوميات، خطط التقسيم جاهزة وليس مطلوبا غير حرب اهلية تبرر التدخل الخارجي. علينا أن نقرأ التاريخ جيدا قبل ان نفاجأ بوقوع كارثة في بلادنا!