تقلص الدور المصرى فى المنطقة بعد سحب الملف الفلسطيني.. توافق مصري إسرائيلي ضد الحركة.. معبر رفح مهدد بالغلق.. وخبراء: اجتياح الجيش المصرى لغزة غير وارد.. والخارجية تؤكد: مصر ستظل داعمة للقضية الفلسطينية جاء حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة باعتبار حركة حماس "منظمة إرهابية" وما يترتب على ذلك من آثار، بعد نحو شهر على قرار مماثل أصدرته المحكمة ذاتها بحق "كتائب القسام" ليمثل خطوة تصعيدية من القضاء المصرى ضد حركة حماس. ونددت حماس بالقرار القضائى وأدانته بشدة ووصفته بأنه "عار كبير يلوث سمعة مصر"، وهو محاولة يائسة لتصدير أزماتها الداخلية، مشيرة إلى أن هناك تنسيقا بين الحكومة المصرية وإسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية، والدليل على هذا التنسيق هو حكم المحكمة المصرية باعتبار حماس إرهابية بالتزامن مع تصريحات لوزير خارجية إسرائيل ليبرمان قال فيها، إن ذلك الحكم القضائى يصب فى مصلحة إسرائيل. وأعلن إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، عن اتصالات تجريها حركته مع السلطات المصرية ل"تدارك" تداعيات حكم قرار اعتبار حماس "منظمة إرهابية". وقال هنية، فى كلمة له، تعقيبًا على حكم المحكمة على هامش تشييع أحد مؤسسى حركة حماس، حماد الحسنات، وسط قطاع غزة، إن حماس تجرى اتصالات مع السلطات المصرية لتدارك تداعيات قرار اعتبارها منظمة إرهابية بمصر، وتصحيح الخطيئة التى ارتكبتها المحكمة المصرية، موضحا أن مصر لها تاريخ طويل مع الفلسطينيين، معتبرًا أن الحكم القضائى المصرى بحق حماس، خروج عن الثوابت المصرية، معربًا عن أمله فى تدارك هذا الحكم. وأكد الناطق باسم حركة حماس يوسف فرحات، أن حركته لا تأخذ شرعيتها من محاكم وقرارات واهية وإنما تأخذها بدماء قادتها العظام وبصواريخ المقاومة التى دكت الاحتلال الإسرائيلى فى عمق كيانه، مؤكدًا أن قرار القضاء المصرى بحظر حركته وضمها للمنظمات الإرهابية يقف وراءه جهات يحركونه وفق مصالحهم السياسية على حساب المقاومة والشعب الفلسطيني. وجاء فى حيثيات قرار المحكمة، أنه ثبت يقينًا أن الحركة ارتكبت على أرض مصر أعمال تخريب واغتيالات وقتل أبرياء من المدنيين وأفراد من القوات المسلحة والشرطة، خصوصا فى انفجارات العريش، إذ رصدت مكالمات بين عناصر إرهابية تابعة للحركة تتبادل التهانى بعد هذا الحادث، فضلًا عن أن الصواريخ المستخدمة فى تلك العملية لا توجد إلا فى قطاع غزة. وفى تصريح غاضب لصلاح البردويل، أبرز قيادات حماس، أكد فيه أن "غزة ستظل البوابة الشرقية الآمنة لمصر، ولن تكون فى مواجهة أى جيش، إلا الجيش الصهيوني". فى هذا الإطار اعتبر خبراء فى الشأن السياسي، أن قرار القضاء المصرى لحركة حماس له عدة تداعيات وسينعكس سلبًا على قطاع غزة، نظرًا لسيطرة الحركة عليه، وقد يلقى بظلاله على الملفات التى ترعاها القاهرة لأنه يحمل آثارًا سلبية فى الجهود التى تقوم بها مصر لإتمام المصالحة بين فتح وحماس، وهو ما دفع السعودية إلى التدخل لمراعاة هذه المصالحة مع مصر بعد استقبالها قيادات من حماس وما أعقبها من زيارة الرئيس محمود عباس لمساعدة القاهرة فى هذه المصالحة. وأشار المحللون إلى أن مصر لن توجه أى ضربة عسكرية لحماس، لافتين إلى أن هناك أدوات أمنية ومخابراتية أخرى يعتمد وأن تصريحات بعض قيادات حماس بأن مصر قد تتورط فى ضربة عسكرية ضد حماس هى رسالة تحذير لمصر فقط من الانسياق وراء إسرائيل ومعادة الحركة. كما أكد المحللون، أن مصر لن تستطيع إغلاق معبر رفح بشكل دائم باعتبار أن المعبر هو النافذة الوحيدة لأكثر من مليون ونصف فلسطينى، ولكن سيتم فتحه وإغلاقه حسب رؤية القيادة المصرية. وعن العلاقة مع حركة حماس، وصف المحللون، المرحلة الحالية بأنها مرحلة التبلور فى العلاقات المصرية، ولن تستطيع القيادة المصرية استعداء حماس باعتبارها طرفًا أصيلًا فى حل الأزمة الفلسطينية. وقال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن تداعيات تعامل مصر مع حماس لها شقان القضائى والسياسي، مشيرًا إلى أن اعتبار الحركة إرهابية من شأنه أن يقلل من الدور المصرى تجاه حل القضية الفلسطينية، مرجحًا أن تتولى المملكة العربية السعودية هذا الملف على أن يختص الجانب المصرى بالأزمة السورية وهو ما وضح جليًا فى استقبال الملك سلمان بن عبد العزيز للرئيس الفلسطينى محمود عباس، ومن قبله بعض قيادات حركة حماس والتى زارت السعودية فى الأسابيع الماضية، مشددًا فى الوقت ذاته على أن إيران تقوم بدور استراتيجى فى التعامل مع حماس وتجرى اتصالات دائمة بين الطرفين وهو ما يؤثر أيضًا على الدور المصرى والعربى معًا فى حل القضية الفلسطينية. وأكد "فهمي" أن الحكم القضائى الصادر باعتبار حركة "حماس" جماعة إرهابية سيخلق مشكلة فى تعامل الحكومة مع الحركة، ووصف "فهمي" تصريحات "حماس" التى أشارت فيها إلى قيام مصر بعملية عسكرية فى قطاع غزة، بالعبثية، مستبعدًا أن يكون هدف مصر من استقبال وفد حركة الجهاد الإسلامي، هو استبدالها بحركة "حماس" الفلسطينية، فى المفاوضات بين الطرفين. ورأى اللواء زكريا حسين، مدير أكاديمية ناصر العسكرية، أن حكم القضاء المصرى باعتبار حماس "تنظيم إرهابى" ليس جديدًا، حيث سبقه إدراج الولاياتالمتحدةالأمريكية حركة حماس وجناحها المسلح ضمن الجماعات الإرهابية، مشيرًا إلى أن الحكم يأتى للتأكيد على جرائم حماس فى حق أشقائها العرب، بعدما شاركت فى قتل المصريين. وأبدى الخبير العسكري، تعجبه من توقعات البعض بتورط مصر بضربة وشيكة لقطاع غزة، مؤكدًا أن مصر ليس من عقيدتها الاعتداء على الجيران، حيث يوجد فى قطاع غزة أكثر من مليون ونصف فلسطينى بريء فى مقابل 50 ألف منتمين لحركة حماس، وشدد على أن مصر تهاجم وتدمر فقط من يعتدى عليها. ومن جهته، قال السفير عبد الله الأشعل، إن حكم القضاء المصرى باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية بعد أشهر من اعتبار جناحها العسكرى منظمة إرهابية أصابنى بالصدمة، مؤكدًا أنه شعر وكأنه فى إسرائيل وليس مصر، مشددًا على أن حماس ستظل شوكة فى قلب إسرائيل، وعلى الذين يضيقون بالمقاومة أن يعودوا إلى صوابهم، موضحا أن محاربة المقاومة يصب فى صالح العدو الصهيونى. وأكد الأشعل، أن المقاومة هى البديل عن التخاذل العربى فى زمن الانحطاط وستظل إسرائيل هى العدو لمصر قبل فلسطين "أفيقوا يا قوم فقد زرعت إسرائيل فى كبد مصر". وأكد الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة، أن قرار محكمة القضاء المستعجل والقضاء المصرى غير مختص بإعلان حماس منظمة إرهابية، وذلك لاعتبارها خارج سيطرة الدولة، ليس له الحق فى اعتبارها، منظمة إرهابية. وأضاف سلامة، أن مصر ليست فى حاجة لحكم قضائى لإعلان حماس أو الإخوان كمنظمة إرهابية، لاعتبار هذا القرار سياسيًا لا علاقة له بالقانون. واعتبر الدكتور محمد حسين، أستاذ العلاقات الدولية، حكم القضاء المصرى بإدراج حماس "منظمة إرهابية" خسارة لمصر قبل حماس، حيث إن هناك العديد من الدول تطمح فى سحب الملف الفلسطينى من مصر، باعتبار أنه يعطى للدول المهتمة به ثقلًا إقليميًا وعالميًا. ووصف حسين، حكم القضاء بأنه جائر وغير جائز من محكمة مصرية، وأكد أن حماس حركة مقاومة وليست منظمة إرهابية، وتساءل كيف يمكن أن تتساوى مصر مع إسرائيل وتعتبر حماس منظمة إرهابية؟ واستنكر أستاذ العلاقات الدولية، تصريحات المتحدث باسم الخارجية والتى يؤكد فيها تمسك مصر بملف القضية الفلسطينية، قائلا: "لا يمكن أن تتمسك بالقضية الفلسطينية وفى نفس الوقت تعتبر حركة حماس أحد أطراف المصالحة فى فلسطين منظمة إرهابية"، لافتا إلى أن علاقة مصر بحماس فى مرحلة التبلور. وأشار إلى أن حكم القضاء المصرى غير ملزم للقيادة السياسية، موضحًا أنه لا يوجد قانون فى مصر يلزم الدولة بالأخذ بحكم قضائى فى التعاملات الدولية، باستثناء الولاياتالمتحدةالأمريكية والتى تلزم قوانينها القيادة السياسية بالأخذ به أحيانًا. واستشهد حسين بقرار الكونجرس الأمريكى عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إلا أن كل رئيس أمريكى يؤجل القرار، خوفا من رد الفعل العربي. وتوقع حسين، عودة العلاقات بين مصر وحماس خلال الفترة القادمة، وذلك بعد أن انحسرت، كاشفًا عن أن أهل غزة يلومون حماس على تعاونها مع الإخوان، مؤكدا أن العلاقة مع أهل غزة لا يمكن أن تنفصل. وعن معبر رفح، قال حسين، إن المعبر لن يتأثر بقرار القضاء المصرى وسيتم فتحه وإغلاقه حسب رؤية القيادة، لأن أغلب أهل غزة لا ينتمون إلى حماس ولا يمكن لمصر أن تعاقب أهل غزة على أفعال حماس.