تحت عنوان "جن الحافي" قص كاتب الرسوم المتحركة الياباني، كانازاوا كيجي، تجربة الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) التي عاصرها مع أسرته حينما كان طفلا لم يتجاوز عمره الستة أعوام، وضربت أول قنبلة نووية في العالم مدينته هيروشيما. القصة نشرت لأول مرة عام 1973 وأعيد طباعة ملايين النسخ منها منذ ذلك الحين، وتُرجمت لاثنين وعشرين لغة حية، كان آخرها اللغة العربية على يد الدكتور ماهر الشربيني، أستاذ اللغة اليابانية بجامعة القاهرة، لتصبح متاحة في الأسواق المصرية مع نهاية شهر فبراير الجاري، وفق مراسلة وكالة الأناضول. وتأتي ترجمة "جن الحافي" في إطار فعاليات مشروع ترجمة الكتب اليابانية إلى العربية وإعادة نشرها، وهو المشروع الذي تشرف عليه المؤسسة اليابانية بغية تقديم ثقافة، وعادات، وأدب اليابان إلى الشعوب العربية. والمؤسسة اليابانية هي هيئة مستقلة متخصصة تم تأسيسها عام 1972 تحت رعاية وزارة الخارجية اليابانية، لتعزيز التفاهم الدولي من خلال التبادل الثقافي ودعم وتطوير العلاقات مع دول العالم في مجالات الثقافة والفنون والتبادل الفكري. ويواكب ترجمة الرواية إلى العربية، الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، وإلقاء أول قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناجازاكي. وتبدأ الرواية، التي تقع في 271 صفحة، بحقائق تاريخية عن أن القرن العشرين يعتبر القرن الأكثر دموية في عمر النظام العالمي "الإمبريالي"، كما صنفه الكاتب؛ فهو القرن الذي شهد حربين عالميتين تحملان طابعا اقتصاديا وأيديولوجيا وعسكريا، اشترك خلالهما 92% من سكان العالم في المجهود الحربي. وخلفت الحرب العالمية الأولى 10 مليون قتيل و20 مليون جريح ومعاق، أما كلفتها المادية فبلغت 288 مليار دولار. أما الحرب العالمية الثانية فانتهت بإلقاء قنبلتين نوويتين على هيروشيما و ناجازاكي في أول استخدام للسلاح النووي في التاريخ الإنساني، وأدت إلى مقتل من 50 ل 70 مليون شخص، وفقا لمقدمة الرواية اليابانية "جن الحافي". ويرى الكاتب الياباني أن "الحرب العالمية الثانية غيّرت ملامح الخارطة السياسية والعسكرية والبنية الاجتماعية في العالم، وأسفرت عن إنشاء الأممالمتحدة وأصبحت الدول المنتصرة في الحرب؛ أمريكا، والاتحاد السوفيتي، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة". مؤلف الرواية يرى، أيضا، أن "استسلام اليابان بعد تدمير المدينتين بأول قنبلتين ذريتين في العالم كان بداية لمرحلة جديدة في تاريخ الشعب الذي خضع بشكل مباشر للسيطرة الأمريكية على كل شيء وذلك خوفا من عودة الروح القتالية العالية للمواطن الياباني والتي كانت واضحة بقوة خلال الحرب خاصة من خلال ثقافة (الساموراي) التي تعني بذل النفس من أجل الوطن والإمبراطور". لكن الكاتب عاد ليؤكد بين ثنايا روايته أن شعبه "لم يستسلم للهزيمة بل حوّلها لانتصار من خلال التركيز على تطوير الصناعة في كافة المجالات حتى غزت المنتجات الصناعية اليابانية العالم بأسره". وتجسد الرواية مدعمة برسوم كرتونية معاناة أسرة مكونة من أب وأم وستة أبناء؛ أربعة منهم من الذكور تحت وطأة نظام عسكري مصر على دفع البلاد إلى آتون الحرب، بينما يفصح الأب عن رفضه لهذه الحرب، وعدم اقتناعه بجدوى التدريبات القتالية التي يفرضها عليه الجيش، تطالبه الأم بوقف معارضته لرؤية النظام خشية الاعتقال. وتصف أحداث الرواية تفاصيل الحياة الإنسانية التي عاشها الطفل بطل وكاتب القصة من خلال الحديث عن توقيف الدراسة وإجبار التلاميذ على العمل في مصانع الجيش وتردي الأوضاع الاقتصادية لدرجة عدم توفر الطعام اللازم للعيش؛ فالأرز لم يكن ليتوفر إلا للجنود الذين سيجلبون النصر لليابان أما عامة الشعب فعليهم التحمل، والتضحية، لذلك حلم الطفل "جن" مبكرا بأن يكبر وينضم للجيش كي يتناول الأرز بالكميات التي تروق له. واستغرق الكاتب في وصف شعوره حينما كان يسمع صوت الغارات ويهرول على إثرها مع باقي أفراد أسرته إلى المخبأ. كما استغرق في وصف تفاصيل معاناة أسرته فالأم عملت في صناعة القباقيب وكانت تتولّى بيعها في الأسواق لبيعها، وشقيقه تعرض لاعتداء بتر على إثره إصبعه من قبل نجل رئيس مجلس إدارة الحي، لأن والده خائنا يكره الحرب ويدعو لمقاطعتها. أما الأب فقد اعتقلته الشرطة ووجهت له تهم الخيانة وتعرض لتعذيب بشع لم تخفَ علاماته على أسرته حينما همّوا بزيارته أول مرة. وفيما يتعلق بتفاصيل الحياة الاجتماعية في هذه الفترة من عمر اليابان، قال الكاتب إنه كان يتم حصد كل ما يزرعه الأطفال من محصول زراعي لصالح قوات الجيش بالمجان، كما كانت الدولة تستولى على كل ما في المنازل من منتجات حديدية ليتم صهرها وتصنع منها الأسلحة؛ فعاش اليابانيون في فقر مدقع. وتنتهى أحداث الرواية بموت كل أفراد الأسرة عدا الأم التي توفت بعد الحرب بعشرين عاما، والابن بطل الرواية وكاتبها الذي نجا من الموت بالقنبلة الذرية، لكنه أصيب على إثرها بمرض السرطان، وظل يعاني منه حتى توفى عام 2012. كانازاوا كيجي مؤلف الرواية ولد عام 1939 في هيروشيما، وكان والده رسّاما ماهرا فورث عنه مهارة القص بالرسوم، ويعتبر كيجي من القلائل الذين عاصروا الضرب بالقنبلة الذرية، وقصوا تفاصيل ما عايشوه للعالم بأسره.