تحمل الأيام القادمة نذر مواجهة حادة وتصعيد خطير بين نادي القضاة والنظام بعد قرار المجلس الأعلى للقضاء برفع الحصانة عن أربعة من كبار المستشارين الذين يمثلون حركة الإصلاح القضائي والوطني وهم : المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي قضاة الإسكندرية ، والمستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض ، والمستشار محمود مكي نائب رئيس محكمة النقض، والمستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض .. لاستجوابهم أمام النيابة العامة على خلفية ما أطلق عليه القوائم السوداء وتورط عدد من القضاة في تزوير الانتخابات البرلمانية في بعض الدوائر . وقد أرجعت مصادر قضائية هذه الخطوة إلى رغبة النظام في ممارسة أقصى أنواع الضغوط على القضاة لإثنائهم عن موقفهم المتشدد تجاه مشروع قانون السلطة القضائية بعد فشل جميع المحاولات لإقناع نادي القضاة بقبول حل وسط بخصوص التعديلات التي أدخلها المجلس الأعلى للقضاء على المشروع بشكل سري . ولم تستبعد مصادر مقربة من نادي القضاة أن تكون هذه الخطوة بداية لعقوبات أخرى قادمة على القضاة .. من رفض إطلاعهم على التعديلات ، مرورا بوقف الدعم الحكومي لنادي القضاة ، ووصولا إلى احتمالات تكرار مذبحة القضاة وعزل العشرات من القضاة المعروفين بمعارضتهم للنظام لإرهاب باقي القضاة .. وأشارت المصادر إلى أن هناك ضغوطا شديدة تمارسها وزارة العدل من خلال اتصال مساعدي الوزير بنادي القضاة تطالبهم بالتنازل عن البلاغات والشكاوى التي تقدم بها عدد من القضاة الذين أشرفوا على اللجان الانتخابية ضد ضباط الشرطة بسبب اعتداءاتهم عليهم وعلى الناخبين وهو ما رفضه مجلس إدارة النادي بشدة . وكشفت المصادر أن النادي لن يستطيع صرف رواتب العاملين والموظفين به نتيجة وقف الدعم الذي يتم صرفه للنادي من صندوق الرعاية الصحية وصندوق أبنية المحاكم ، وهو ما أدى إلى توقف مشروعات مهمة مثل مشروع حاسب آلي لكل قاض ، ومشروع نادي القضاة الرياضي والاجتماعي بالقطامية . ونبهت المصادر إلى أن هناك حالة من القلق داخل أروقة النظام من إمكانية تنفيذ القضاة لتهديداتهم فيما يخص الإضراب عن العمل ، وهو ما سيوقع النظام في أزمة شرعية لا يستطيع تحملها في ظل أزمته الداخلية والخارجية ، لذا جاءت هذه الخطوة لمنع القضاة من التصعيد وإلهائهم بملف رفع الحصانة عنهم وإحالتهم إلى النيابة العامة. وشددت المصادر إلى أن تحويل العديد من القضاة للنيابة العامة قد جاءت بعد فشل العديد من جلسات الوساطة بين الطرفين ، التي كان يقودها وزير العدل السابق فاروق سيف النصر .. وقد خلق هذا الفشل يقينا لدى النظام من أن القضاة لن يقدموا تنازلات فيما خص استقلال القضاة وعلاقاتهم بالمجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل . من جانبه لم يستبعد المستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض أن تكون الإجراءات الأخيرة والتي تمثلت في رفع الحصانة عنه وثلاثة آخرين من شيوخ القضاء بمثابة مقدمة لمذبحة جديدة في صفوف القضاة تعيد إلى الأذهان المذبحة التي حدثت عام 1969 .. وشدد على أن رفض القضاة لحلول وسط فيما يخص استقلالهم قد أشعل الغضب لدى الحكومة التي تبحث عن الآن وسائل لمعاقبة القضاة. وأكد البسطويسي أن هذه الإجراءات لن تثني القضاة عن مواقفهم ، وأنهم مصممون على مواصلة الإجراءات الاحتجاجية على الأسلوب الذي تعامل به مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل معهم ، ورفض الجهتين إطلاعهم على التعديلات .. وقال إن القضاة سينفذون اعتصامهم أمام نادي قضاة الإسكندرية غدا بعدها سيبحثون عن الوسائل اللازمة للتعامل مع التصعيد الحكومي . وقد أعرب مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية عن أسفه لما حدث وقلقه لما سوف يحدث ، وناشد المركز قضاة مصر ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وجميع الأحزاب السياسية الوقوف مدافعين عن استقلالية القضاء وقدسيته ومنددين بسياسة مؤسسات الدولة التي تريد أن تسكت الجميع . وقال المركز في بيان له "إن هذا القرار هو بمثابة إنذار إلى الشرفاء ليس في السلك القضائي فحسب ولكن في الدولة كلها .. فإلى من نحتمي بعد ذلك إذا كان حماه الحق والعدل قد انتهكت حقوقهم ؟ .. فبالأمس القريب كانت احتفالات وزارة الداخلية بعيدها ، التي حملت رسالة تهديد ووعيد إلى كل من يحاول أن ينادي بحرية الرأي والتعبير .. وقد بدأت بالقضاة .. فبمن سوف تنتهي ؟ .." . ومن جهة أخرى أعرب المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة عن قلقه البالغ واستيائه بشأن ما تردد عن رفع الحصانة القضائية عن قضاة من نواب رئيس محكمة النقض المصرية .. ورأى المركز أن القرار الصادر برفع الحصانة عن السادة المستشارين يثير العديد من الشكوك وبواعث القلق حول ملاحقة قضاة مصريين بسبب مواقفهم المعلنة بشأن تزوير الانتخابات البرلمانية وبشأن مواقفهم من مشروع قانون السلطة القضائية المحاط بسرية تامة من الحكومة المصرية . وقال المركز إن هذا القرار بمثابة تحذير لقضاة مصر ولنادي القضاة وممارسة نوع من الضغوط لتنازل القضاة عن حقهم وحق المواطنين في استقلال القضاء ونزاهة الانتخابات. فهو لا يمثل فقط انتهاكا لاستقلال القضاة في مصر ، ولكنه يمثل أيضا خروجا على تعهدات مصر الدولية لاسيما مبادئ الأممالمتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية ، خاصة المادة 17 التي تنص على أنه " ينظر في التهمة الموجهة أو الشكوى المرفوعة ضد قاض على نحو عادل ومستعجل بموجب إجراءات ملائمة وللقاضي الحصول على محاكمة عادلة ويكون فحص الموضوع في مرحلته الأولي سريا ما لم يطلب القاضي . وأشار المركز إلى أن هذه الإجراءات قد يكون لها بالغ الخطورة على استقلال ونزاهة القضاء وعلى أداء قضاة الحكم في بداية السلم القضائي في مصر ، سيما وأنها موجهة بحق قضاة بالمحكمة العليا والتحقيق معهم أمام نيابة أمن الدولة لممارستهم الذي أكدت علية المادة 8 من المبادئ الأساسية المشار إليها والتي نصت على أنه " وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتماد وتكوين الجمعيات والتجمع ومع ذلك يسلك القضاة دائما لدى ممارستهم الحقوقية مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء " . وأعرب المركز عن دهشته كذلك من قيام مجلس القضاة برفع الحصانة وقيام نيابة أمن الدولة بالمسارعة في التحقيق في بلاغ مقدم ضد المستشارين بدعوى أنهم نسبوا إلى بعض القضاة التزوير والتلاعب في نتائج الانتخابات البرلمانية في حين تتراخي نيابة أمن الدولة في إجراء التحقيقات بشأن البلاغات المقدمة من العديد من مؤسسات المجتمع المدني والقضاة بشأن أعمال البلطجة والتزوير التي صاحبت الانتخابات البرلمانية للعام 2005 . وأهاب المركز بالأجهزة المعنية متابعة الموقف عن كثب والتأكيد على احترام التزامات وتعهدات مصر الدولية بشأن استقلال السلطة القضائية .