وزير التموين: لا زيادة في دعم السلع التموينية العام المالي الجديد.. التضخم لم يرحم أحدًا    حزب الله اللبناني يكشف عن عملياته ضد الجيش الإسرائيلي عند الحدود الجنوبية    أتمني انضمام زيزو للأهلي وحزنت لرحيل عبدالله السعيد.. أبرز تصريحات عمرو السولية مع إبراهيم فايق    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    وفاة طفل غرقاً في حمام سباحة مدرسة خاصة بكفر الزيات    "الحوثيون" يعلنون استهداف مدمرة أمريكية وحاملة طائرات    إنجاز صيني في الفضاء، هبوط مسبار على الجانب البعيد للقمر بعد شهر على إطلاقه (فيديو)    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    أستاذ اقتصاد: «فيه بوابين دخلهم 30 ألف جنيه» ويجب تحويل الدعم من عيني لنقدي (فيديو)    تعرف عليها.. وزارة العمل تعلن عن وظائف متاحة في الإمارات    وسام أبو علي يتحدث عن.. عرض أوتريخت.. التعلم من موديست.. وغضب كولر    عمرو أديب يعلق صورة محمد صلاح مع حسام حسن (فيديو)    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    بشرى سارة للمواطنين.. زيادة الدعم المقدم للمواطن على بطاقة التموين    برقم الجلوس.. الحصول على نتيجة الصف الثالث الإعدادي بمحافظة الدقهلية 2024    متغيبة من 3 أيام...العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة في قنا    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    حميميم: القوات الجوية الروسية تقصف قاعدتين للمسلحين في سوريا    عيار 21 بالمصنعية بكام الآن؟.. أسعار الذهب اليوم الأحد 2 يونيو 2024 بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    تطورات جديدة بشأن أزمة فك قيد نادي الزمالك    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    عمرو السولية يكشف طلب علي معلول في لقاء الجونة وما ينتظره من الأهلي    وزير التموين: أنا مقتنع أن كيس السكر اللي ب12 جنيه لازم يبقى ب18    القسام تكشف تفاصيل جديدة عن "كمين جباليا" وتنشر صورة لجثة جندي دعت الاحتلال للكشف عن هويته    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    بالصور.. البابا تواضروس يشهد احتفالية «أم الدنيا» في عيد دخول المسيح أرض مصر    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    الشرقية تحتفل بمرور العائلة المقدسة من تل بسطا فى الزقازيق.. فيديو    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    سعر الموز والعنب والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 2 يونيو 2024    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    حظك اليوم برج السرطان الأحد 2-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    المستشار محمود فوزي: نرحب بطلب رئيس الوزراء إدراج مناقشة مقترحات تحويل الدعم العيني لنقدي    «أمن الجيزة» يحبط ترويج كمية كبيرة من مخدر «الكبتاجون» في 6 أكتوبر (خاص)    الفنان أحمد عبد القوي يقدم استئناف على حبسه بقضية مخدرات    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم مركبتي توك توك بقنا    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور العلماء في توجيه الحركة الإسلامية
نشر في المصريون يوم 13 - 09 - 2011

عندما ترتطم أمواج الاضطرابات وتثور الخلافات وتصبح الأمة الإسلامية مستهدفة من كل حدب وصوب, عندها يبحث المسلمون عن العلماء الربانيين فيلتفون حولهم ويستضيئون بعلمهم ويستنيرون بخطاهم, فبين أيديهم نور الرسالة ومن أقوالهم تنطق الحكمة وتحت وقع خطاهم تذوب الفتن..
إن حاجة تلح إلى وقفة تدبر وتباحث لتحديد معالم وتفصيلات الأدوار التي يمكن أن يقوم بها أولئك العلماء في توجيه وقيادة الأمة عامة، والأجيال الناشئة على وجه الخصوص الذين يحتاجون إليهم وإلى ما يقدمونه لهم من بصائر، وما يساهمون به في عمليات البناء التربوي والسلوكي والحركي والثقافي، وتوجيه الدفة لكافة شرائح الأمة، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، الذين كلفوا من ربهم بالإمساك بزمام البشرية، لإخراجها من الظلمات إلى النور، ومن الجهالة إلى الهداية، وهذا هو الدور الأساس الذي يجب على العلماء القيام به، وهم أولى من أي أحد سواهم بتحمل مسؤوليته...
ونحن ههنا نحاول أن نقف على بعض من معالم ذلك الدور المنشود لعلماء الأمة الربانيين:
طريقة عرض الرسالة العلمية:
لا يزال هناك كثير من العلماء هم بمعزل بعيد عن أفراد هذه الأمة وأبنائها ولا يزالون بعيدين عن حمل هم المسلمين في بقاع الأرض إضافة إلى كونهم في منأى عن خلطة الناس ومشكلاتهم وآلامهم سوى في درس علم أو حلقة تعليم, كما لا يخفى أن هناك الكثير من أولئك العلماء لا يتحدثون إلى الناس بلسان الناس ولكن يخاطبونهم خطابا إما أن يكون انعزاليا بحتا أو أصوليا محضا.. وقد علموا أن كل رسول أرسله الله إلى قومه أرسله بلسانهم كما قال جل وعلا " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " واللسان يشمل اللغة ومحتوى اللغة وطريقة الأداء.
إذن فهناك مسئولية العلم ومسئولية أخرى لطريقة توصيل ذاك العلم إلى الناس وفي ذلك يقول - صلى الله عليه وسلم-: «نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم بلّغها عني؛ فرُبّ حامل فقهٍ غيرِ فقيه، ورُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه " ولذلك نرى أنه في القرآن تعددت الأساليب مع اختلاف الأنبياء,فدعوة الأنبياء واحدة, لكن طريقة حوارهم مع قومهم مختلفة، فمحتوى اللسان يشمل طريقة الخطاب والإقناع ويدعونا إلى أن نطور اللفظ والمحتوى والطريقة.
وهذا التنوع في توصيل لغة الخطاب يجب أن يفهم ثقافة الشعوب المخاطبين بذاك الخطاب سواء المادية منها أو غير المادية, فالمجتمعات تختلف والعقليات تتباين مستوياتها, فالناس يتفاوتون في الفهم، كما يتفاوتون في القدرة على التلقي والأخذ؛ لهذا وجب تحديثهم على قدر ما يفهمون ويستوعبون؛ فعن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ قَالَ: «مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْماً حَدِيثاً لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً» وقَالَ عَلِي: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟!» ولذلك ذهب كثير من العلماء في الفترة الأخيرة لتبيان الخطاب الشرعي والحوار المتبادل بين العلماء وجماعات العنف أو الساقطين في المفاهيم الخاطئة, فيبين العلماء لهم السبيل بما يليق بهم من محاورة ومبادلة في رد شبهاتهم.. ولا تقتصر مواجهتهم على استخدام الضغوط, هذا الحوار مثلا هو وسيلة مهمة في تجنيب كثير من الشطط.
تطوير المؤسسة الدينية:
هناك اتهام للمؤسسة الدينية في معظم الدول الإسلامية أنها لم تتطور في خطابها أو في أساليبها أو في طريقة تعاملها مع الشباب أو في طريقة توجيهها لعامة المسلمين وخاصتهم, وهذا الاتهام تبدو علامات صحته جلية من ضعف أثر هذه المؤسسات على توجيه الفكر والسلوك ولاشك أن هذا التطوير يحتاج إلى وقت وإمكانيات وإعادة صياغة وبناء للمقومات الأساسية التي قامت عليها تلك المؤسسات من ناحية خدمة الأمة والأخذ بيدها نحو الإصلاح.
كما أنه يلزم أن يبلغ ذاك التطوير جميع عناصر المؤسسات الدينية قاطبة من دعاة وطلبة علم وخطباء وأئمة مساجد وكتاب ودعاة في الخارج ومؤسسات خدمية أصلية وأخرى تابعة, فهناك المعرفة والمهارة؛ المعرفة طريقها بالعلم المتجدد والمهارة طريقها بالتدريب, ولا يخفي أثر ذلك التدريب على قدرة العاملين في تلك المؤسسات, كما يجب على تلك المؤسسات أن تواكب تطورات المجتمع العالمي من حولنا وألا تتخلف عنه، وأن تقدم نتاجها في صورة عصرية شرعية متقبلة, وذلك ولاشك يحتاج إلى جهد جبار وطاقات صادقة ولكنه على الجانب الآخر فسوف تكون له الآثار الإيجابية العظام.
الانفتاح التكنولوجي:
صحيح أن كثيراً من علمائنا لديهم من الذكاء والحكمة والعلم ما يعينهم على العطاء المثمر البناء، لكنهم ولاشك لا يستغنون عن معونة المتخصصين في مختلف المجالات الحياتية الأخرى والذين امتلكوا من الإمكانات والمهارات ما يمكن العلماء من تأديتهم لرسالتهم وفق متغيرات العصر وتقنياته وأساليبه التي تتناسب معه، خاصة في عصر الانفتاح عبر وسائل الاتصالات الحديثة، واطلاع الجماهير المسلمة على لغات أخرى، وفكر آخر، وتسارع المتغيرات، والهجوم العنيف على كثير من قيم ومبادئ الدين، وأخلاقيات المجتمع وثوابته. ليس من الضروري أن يمتلك كل العلماء التقنيات المعاصرة، وليس من الضرورة أن نتوقع منهم جميعهم استيعابا مسبقا لهذه المتغيرات وما تحتاج إليه من تواؤم، ولكن من الضروري أن يقوم المختصون في المجالات العلمية المعاصرة وأصحاب المهارات والخبرات المحدثة بمساعدتهم في تقديم ما لديهم من مضامين .
تبيين السياسة الشرعية:
وأقصد هنا تقديم السياسة الشرعية الإسلامية في صورة واضحة جلية تأخذ في اعتبارها الثوابت الأصلية والمتغيرات العصرية في مزيج يتناسب مع ظروف الأمة ومآزقها التي تمر بها
لذلك رأى كثير من الدعاة النابهين ضرورة أن تكون هناك مواد خاصة في الجامعات بل حتى في التعليم العام تتعلق بمفهوم السياسة الشرعية. ومفهوم المصالح والمفاسد ومفهوم الحوار, ومفهوم النظم الإسلامية. حيث يقل الآن من يفهم مجموعة النظم التي تشكل الدولة الإسلامية، لذلك يأتي من يقول إن هناك صواب وهناك خطأ..
دور العلماء في الحياة العامة:
يلاحظ المتابع لأحوال الشارع الإسلامي مدى بعده عن علمائه ودورهم وضعف دورهم الشديد وهامشية هذا الدور في قطاعات بالغة الأهمية في حياة الأمة من قضايا الناس، وما يتعلق بالمرافق الثقافية والتنموية، وحيث لا يطلب رأى العلماء في كثير من الأعمال التي تقوم بها قطاعات وأجهزة الدولة ويندر أن يستشاروا في قرارات داخلية أو خارجية هامة فقد تأكد ذلك المعنى من تحييد دورهم الذي نراهم – وللأسف – قد رضوا به! وكل ذلك قد يؤدي إلى فصل الدين عن واقع حياة الناس وعزله عن التأثير في أمر معاشهم وما قد يترتب على ذلك من اثر خطير يزلزل المعاني التي تربط الناس في معاشهم بدينهم.
وقد نجد الكثير من المعاذير لقطاع واسع من العلماء الذين قد قيدتهم حكومات بلادهم عن قول كلمة الحق في الأمور المختلفة وإثبات وجودهم على مستويات مختلفة, ومن هنا فإننا يلزمنا بناء ذلك القدر الكبير من شجاعة الثبات والتعاون والتآزر للمطالبة برفع كافة القيود والتعليمات التي تحد من نشاط الدعاة والعلماء، والسماح لهم بالتأليف والنشر والفتاوى والخطابة والمحاضرات وتسجيل الأشرطة وعقد الندوات والحلقات العلمية. دون حاجة إلى ترخيص أو إذن رسمي من وزارة الإعلام أو الأوقاف أو غيرها من أجهزة الدولة، وان يجعل القضاء الشرعي هو الجهة الوحيدة التي يناط بها النظر في أي مخالفة تنسب إلى الدعاة أو العلماء أو غيرهم وهو الجهة الوحيدة التي تقرر فيما إذا كانت المخالفة تستوجب العقوبة، وأن يقتصر دور الجهات الرسمية في رفع الدعوى أمام القضاء في ذلك, وعلى العلماء ألا ينظروا إلى ذلك المطلب كمطلب مستحيل لا يرجى تحقيقه ولكن ليضعوه ضمن أهدافهم المرحلية التي يرتجى تحقيقها فعليا, ولاشك أن ذلك يحتاج إلى إعدادات تختلف باختلاف أحوال كل قطر على حدة.
استقلالية العلماء:
عندما تكون هناك جهات علمية متخصصة قائمة بشأن هام ولازم تجاه شعبها وأمتها – سواء كانت هذه الجهات شعبية أو رسمية – تتكون لدى الناس أطر مرجعية يتحركون من خلالها يدعمها التوجيه القرآني والنبوي ويشجعها ذاك الجوع القلبي والنفسي للعودة إلى الله _سبحانه_ وتطبيق أوامره.
وعندما يستشعر الناس باستقلالية الجهات العلمية والشخصيات العلمية وتحررها من القيد الأرضي الدنيوي وكذلك تحررها من الضغط الحكومي السياسي عندئذ تزداد ثقة الشعوب في تلك الجهات وتتأكد التبعية منهم لعلمائهم البعيدين عن قيد المصلحة الفانية.
ولقد كان من أهم أسباب تراجع التأييد الشعبي لأقوال العلماء وتوجيهاتهم ذاك الشعور المسيطر عليهم بتبعية أولئك لمصالح يراها الناس ظاهره فيستشعرونها عند قيامهم بواجبهم الشرعي وارتباطهم بمؤسسات ودوائر حكومية متعددة، مما أدى إلى تقييد العلماء في فتاويهم، وابتعادهم عن واقع الحياة اليومي واعتبارهم جهة تابعة لا متبوعة مقودة لا قائدة.
ومن ثم لزمت المطالبة الأكيدة بفسح المجال لإنشاء هيئات وجمعيات مستقلة للعلماء والدعاة لا ترتبط بأجهزة الدولة، ووضع لائحة إجرائية، وأن يكون الإشراف عليها وتوجهيها وقيادتها من علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والصلاح وتخول هذه الهيئات صلاحية تبني النشاطات الدعوية في البلاد ونشر العلم في المرافق الدعوية، وان تعمل الدولة على إفساح المجال لها لتقديم كل ما تستطيعه من خير للناس.
فدور العلماء اليوم هو حماية العلم من الرويبضات والمتطفلين عليه، حتى لا يشوهوه باقتحامهم لمجال لا علاقة لهم به، ثم الدفاع عنه أمام المنتحلين، تصحيح مساره أمام المغالين والمتشددين؛ حيث «يحمل هذا العلم من كل خلف عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلي.
التتويب وتقريب التدين:
وأقصد بالتتويب هنا المساعدة على التوبة من الآثام والمعاصي التي التبس بها الناس, فدور العالم جليل في تلك الناحية حيث يكون الناس أحوج ما يكونون إلى كلمة صادقة من عالم رباني يعينهم على العودة إلى ربهم والأوبة إلى رضاه وهو ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلماً أمته في قوله: «إنّ أحبّ عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى الناس» وهذا من أهم أدوار العالم؛ فالناس قد أصابتهم حُمّى الماديات ولكنهم سرعان ما يعودون إذا سمعوا كلمة طيبة مؤثرة من قلب صادق، فكم من سائل عن التوبة بعد طول معصية لو وجد من يرشده ويوجهه لأسرع بالرجوع والإنابة؟ مما يجعل مسؤولية العالِم أعقد وأصعب، ويتطلب منه عدم التقوقع في بيته، أو الانزواء في ركن من أركان صومعته، بل يجب عليه الخروج للناس، ومعرفة مشاكلهم، والتواضع لهم والإنصات لشكاويهم، ويكفيه دافعاً لكل هذا ومشجعاً حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- الموجّه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن خلاله للأمة كلها: «لأن يُهدَى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم»..
فالعالِم إذن ينظر إلى الناس باعتبار العلم الذي حباه الله به؛ فنظرته إلى العاصي هي نظرة شفقة ورحمة, فهو يرى مقدار ما فيه من خير وحب لله ورسوله كما يرى مقدار ما فيه من ذنب وإثم من عصيانه لربه، وتفكير العالم كبير في كيفية الوصول إلى قلبه وحسن دعوته، ونظرته إلى الجاهل هي كيفية الوصول إلى إخراجه من جهله بنور العلم، ونظرته إلى الملتزم بهذا الدين هي في كيفية تحصينه من التعمق فيه والوقوع في التنطع والسقوط في مهاوي الهوى ومنزلقات التكفير والتطرف والشذوذ، وكل هذا يندرج في نصوص عامة مثل قوله - صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما أنا لكم مثل الوالد لولده» والوالد يرغب في إنقاذ بنيه من النار.
تصويب التحرك العملي للعمل الإسلامي:
يرتبط المنهج الحركي في العمل الإسلامي بالمنهج العلمي والمرجعية العلمية ارتباطا وثيقا, ويعود إلى العلماء تحديد صحة الوسائل المستخدمة في الدعوة أو فسادها وكذلك تقييم ضررها ونفعها وما يترتب عليها من مصلحة للأمة أو مفسدة ومن ثم صار الطريق الصائب في الحركة بالمنهج الشرعي هو الطريق الذي يتلقاه علماء الأمة بالقبول ويدلون على نفعه وصوابه.
وصارت الوسائل الحركية التي نقدها العلماء أو كرهوها أو بينوا خطأها أو حكموا بضررها على الأمة أو على الأفراد هي ما يجب اجتنابه أثناء التحرك بالدعوة لهذا الدين أو جلب نفع له أو دفع ضر عنه.
ومن ثم كانت قاعدة اعتبار المصالح والمفاسد في الفتاوى والأحكام الشرعية وغيرها من المسائل العملية في الشريعة قاعدة هامة للغاية في الحركة واتخاذ الوسائل الدعوية ومواقف الدفاع والمبادرة بشكل عام.
وقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذه القاعدة بقوله لعائشة رضي الله عنها " لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية لهدمت الكعبة وجعلتها على قواعد إبراهيم " رواه البخاري, فبين صلى الله عليه وسلم اعتبار المفسدة التي قد تحصل من قريش والقبائل المختلفة عند هدم الكعبة رغم وجود المصلحة الكبيرة التي يمكن أن تحصل عند هدمها وجعلها على قواعد إبراهيم وجعل لها بابان.
كذلك بنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين رغم ما في ذلك من مصلحة كبيرة من تميز الصف وردع الناس عن النفاق, مخافة أن يشيع بين الناس أن محمداً _صلى الله عليه وسلم_ يقتل أصحابه فيخشى الناس من الإسلام ويتهربون منه وتكون مفسدة كبيرة من الإعراض عن الدين... إلى غير ذلك من الأدلة المتكاثرة على اعتبار تلك القاعدة.
فمن هنا يعن لنا واجب آخر منوط بالعلماء وهو متابعة التطورات الواقعية التي تحيط بالأمة الإسلامية وطريقة تعامل الحركة الإسلامية معها, وكذلك تقعيد الأصول المرجعية الخاصة بالأحداث المستجدة وكيفية تناولها, وكذلك تصويب السلوك الذي ربما يكون دافعه الحماس النفسي للشباب المسلم والذي يلزمه الضبط العلمي المتأني والحكيم..
وأخيرا..
ينبغي أن تحرص الحركات الإسلامية على توقير علمائها الربانيين الراسخين المشهود لهم بالفضل والورع والسابقة الحسنى, وأن تحسن الظن بهم, وتطمئن إلى فتواهم وتوجيههم وحكمهم خصوصا إذا اتفقوا أو اتفق غالبهم على قول واحد أو على حكم واحد أو وجهة نظر واحدة, كما ينبغي ألا يتجرأ شباب حركة ما على علمائهم بتجريح أو تخطيء أو اتهام, مع اعتبار الآداب الشرعية التي ينبغي أن يعامل بها العلماء ويختلف معهم.. والعلماء في ذلك يجب أن يكونوا قدوة صالحة ثابتة راسخة وأن يبينوا للأمة ما خفي عنها وأن يجلوا الحقائق ويبينوا الصواب غير عابئين بمصالح شخصية وغير خائفين من تخويف الناس؛ لأن الأمة تقوم عن قولهم وتستضيء بأقوالهم فيجب أن يكونوا أهلاً لتلك المكانة العالية.
خالد روشة
موقع المسلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.