الأصوات التي تطالب بتغيير أو تعديل الدستور تتحدث على استحياء لا يخلو من بجاحة! وتصميم حول أحد الأهداف التي يريدونها من التعديل أو يريدها من يدفعونهم إلى المطالبة به، ألا وهو هدف إسقاط المفاهيم الاشتراكية المتضمنة بطريقة أو أخرى في الدستور الحالي. والمطلوب حلوله محل هذه المفاهيم الاشتراكية هو بالطبع النظام الرأسمالي الجامح على الطريقة الأمريكية، بعد تحليته ببعض العبارات المطاطة التي تتحدث عن العدالة الاجتماعية مثلا أو مراعاة الفقراء. وهي عبارات لن تتحول إلى قوانين أو سياسات واضحة في غمرة الاندفاع المحموم نحو إسقاط المفاهيم الاشتراكية. والواقع أن المطلوب والمستهدف من إسقاط المفاهيم الاشتراكية من الدستور ليس أي نظام أو تجربة محددة زعمت استلهام هذه المبادئ في وقت وفشلت، كما يقول أصحاب الدعوة إلى إسقاطها، وإنما المستهدف هو الشعب نفسه الذي كانت المفاهيم الاشتراكية المنصوص عليها في الدستور وبصرف النظر عن طريقة تطبيقها تضعه نصب أعينها وتشمله بالرعاية وتعطيه الأولوية في الاهتمام. والانقلاب على الاشتراكية لا يعني مجرد مواكبة العصر ووضع مفاهيم جديدة أو الإصلاح.. إلى أخر تلك الشقشقات اللفظية الجوفاء. فلا أحد يهتم بمواكبة أي شيء الآن سوى مواكبة وتمرير مخطط التوريث الذي يعتمد على التأشيرة الغربية لكي يتحقق، وهي تأشيرة لن تأتي إلا إذا تم إعلان التبعية الكاملة للغرب، وهي تبعية لن تتكرس إلا من خلال النص عليها في الدستور الجديد أو المعدل، من خلال الإعلان عن هوية وتوجه رأسمالي صريح يلزم الجميع ومعه مشتملاته من نبذ الهوية العربية الإسلامية والتوجه القومي. والهجمة على المفاهيم الاشتراكية في الدستور في هذا السياق لا تعني إسقاط تجربة فات أوانها أو ثبت فشلها، وإنما تعني في الحقيقة إسقاط توجه نحو الوطني والشعب وإعلاء وضع الشعب في بلاده من خلال المفاهيم الاشتراكية والتحول إلى إعلان هوية سلبية تغريبية التوجه تعلي شأن هوية الأجنبي المتداخل في مصر والوافد إليها وهوية الفئة المحدودة الوكيلة عنه وهي الفئة الرأسمالية. إسقاط المفاهيم الاشتراكية يعني إسقاط الشعب المصري من دستور بلاده بدون أن يهتم أحد بسؤال هذا الشعب حول رأيه في الموضوع، اكتفاءً ببعض مقالات صحفية تتحدث بغوغائية عن مواكبة أحدث الموضات الدستورية، وكأننا في معرض سيارات أو محل للموضة ولسنا نتحدث عن وطن وشعب وتاريخ وهوية. إن أحدا لم ولن يجرؤ على مصارحة الناس بالمغزى الحقيقي لإسقاط المفاهيم الاشتراكية من الدستور. [email protected]