يقوم المسلمون في العالم الإسلامي بالصيام الكامل عن الطعام والشراب من طلوع الفجر حتى غروب الشمس فقط , وهم لا يفعلون ذلك بهدف التخسيس أو لأي هدف طبي آخر وإنما طاعة لأمر الله تبارك وتعالى الذي قال " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" آية 183 سورة البقرة , ويقوم جميع المسلمين بالصيام فيما عدا الصبي دون الثانية عشرة من عمره والمرضى والمسافرون والنساء الحُيَّض وبعض الالنساء في الحمل والرضاعة, وبالإضافة للإمتناع عن الأكل والشرب يجب الإمتناع عن المعاشرة الجنسية للأزواج والتدخين والأخلاق السيئة كالرفث والفسوق,ثم هم مأمورون من ناحية أخرى بالمواظبة على أداء النسك الإسلامية كالصلاة وقرآءة القرآن والصدقات والإحسان إلى الغير. ونأتي إلى موضوعنا الخاص بالجوانب الصحية للصيام من وجهة نظر العلم البحتة : فالجسم يحتاج للطعام للحصول على الطاقة بصورة مباشرة عن طريق حرق الكربوهيرات المتمثلة في السكر,أما ما زاد على حاجة الجسم من الكربوهيرات فيتم تخزينه على هيئة دهون في الأنسجة المختلفة والعضلات وكذلك في الكبد على هيئة "جليكوجين" ليتم استخدامه في المستقبل على هيئة مصدر للطاقة في حالة الطوارئ.من ناحية أخرى نجد أن الإنسولين عبارة عن هورمون يتم إفرازه من البنكرياس ويقوم بخفض نسبة السكر في الدم وتحويله إلى مصادر أخرى من الطاقة المخزونة عل هيئة جليكوجين , ويقوم الإنسولين بهذه الوظيفة عن طريق الإتصال بأماكن مخصصة لذلك على سطح الخلايا تُسمى "المستقبلات", وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من السمنة فإنهم تقل لديهم أعداد هذه المستقبلات وبالتالي يعانون مما يسمي " مقاومة الإنسولين" و"عدم تحمُّل السكر". وفي ضوء ما سبق عندما يصوم الشخص (أي يقل تناول الكربوهيرات بشكل قاطع) فهذا يؤدي إلى نقص مستوى الجلوكوز في الدم وكذلك يقل إفراز الإنسولين , ويترتب على ذلك تكسير الجليكوجين المخزون في الكبد كمصدر للسكر حتى يتم الوصول إلى النسبة الحيوية من سكر الدم ,بالإضافة إلى تكسير الدهون المخزونة في الأنسجة الدهنية وهذا بهدف الحصول على مصادر الطاقة اللازمة للعمليات الحيوية بالجسم. وبعد هذا التأصيل الفسيولوجي تم ابتكار أغذية تُسمى " الأغذية الكيتوجينية" وهي تسبب ما يُشبه حالة المجاعة في الجسم وهي الأساس الذي يُبنى عليه فكرة تخفيض الوزن , وهذه الأدوية عبارة عن كميات محسوبة من البروتين مه الكثير من الماء والفيتامينات المهمة . وهذه تخفض الوزن بوضوح وكذلك نسبة السكر ولكن لآثارها الجانبية فاستخدامها يجب أن يكون تحت إشراف طبي. الصيام الكامل المستمردون توقف يقلل أو يقضي على الجوع وهذا ما أكده العالم ألان كوت عام 1975 في دراسة بعنوانfasting as a way of life" " وجد أن الصيام يحقق راحة تامة وناجعة وطبيعية للقناة الهضمية والجهاز العصبي المركزي ويُعيد الأيض على مستوى الخلية إلى مستواه الطبيعي , ولكن يجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من الصيام له آثار جانبية متعددة منها نقص مستوى البوتاسيوم في الدم واضطرابات في ضربات القلب خاصة لو كانت هذه الطريقة ليست بإشراف طبي. وتم إجراء دراسات عديدة على الصيام الإسلامي في رمضان ومنها مؤتمر عام 1996 المنعقد بمدينة كازابلانكا بالمغرب وشارك فيه علماء من أمريكا وإيران والأردن وانتهت الدراسات إلى أن الصيام على النظام الإسلامي يمتلك تأثيرا إيجابيا نافعا على الصحة بوجه عام وخاصة على سكر الدم وضغط الدم ومستوى الدهون والوزن , وأنه ليس هناك آثار جانبية بأي شكل كما حدث في النوع السابق من الصيام الكامل. وفي دراسة بعنوان " Why Islamic Fasting Is Different Than Other Types of Fasting " لماذا يختلف الصيام في الإسلام عن باقي أنواع الصيام أجريت في مايو عام 1984 تم استنتاج ما يلي: 1- بمقارنة الصيام في رمضان بأنواع الريجيم المختلفة تبين أنه لايحدث سوء تغذية أو نقص في تعاطي السعرات الحرارية نظرا لعدم تحديد أنواع أو كميات محددة من الطعام للإفطار والسحور أثناء رمضان - كما يحدث مثلا في صيام المسيحيين- وهذا ما تم إثباته عام 1974 بواسطة استاذ في جامعة ولاية داكوتا الشمالية الأمريكية في مدينة فارجو والتي أجراها على طلاب مسلمين تبين أن السعرات الحرارية التي يتم تناولها يساوي ثلثي المعدل الطبيعي في أيام الإفطار. 2- يتم الصيام في رمضان بإرادة ذاتية وليس بأمر من طبيب , وفي نفس الوقت يوجد في منطقة تحت المهاد " hypothalamus " في المخ جزء يسمى " lipostat " يتحكم في كتلة الجسم , وهنا عندما يحدث نقص شديد وسريع في الوزن بواسطة الريجيم القاسي يقوم هذا الجزء من المخ بإعادة برمجة نفسه ليقوم بزيادة وزن الجسم عندما يتم الإنتهاء من هذا الريجيم , لذلك فإن الطريقة الوحيدة والفعالة لإنقاص الوزن هي انقاص الوزن بطريقة بطيئة وتحت السيطرة وبالتدريج عن طريق ضبط سلوكنا ومفهومنا للطعام , وبالتالي فإن الإرادة الذاتية للصيام في رمضان هي بمثابة التحكم الذاتي والتدريب الذاتي علي التحكم في ما نتناوله من طعام مما يؤثر بوضوح عل مركز " lipostat " وتعمله مع حالة الصيام ليس كمثل الريجيم الفاشل. 3- في الصيام الإسلامي ليس هناك نوع مخصص من الأطعمة نخضع له (على سبيل المثال :بروتين فقط أو فاكهة فقط... إلخ), ويتم التسحُّر قبل الفجروكأنه طعام فطور مبكر ويتم الصيام حتى وقت الغروب ثم كسر الصيام على أي شيئ حلوالمذاق مثل التمر أو الفاكهة أو العصائر وهذا من السنة وهو كفيل بتعديل نسبة السكر المنخفضة طيلة النهار ثم تناول الإفطار فيما بعد. 4- بعد تناول الإفطار تؤدَّى صلاة العشاء والتراويح وهي تساعد على عملية الأيض الغذائي التي يتم فيها حرق السعرات الحرارية . وبحساب كمية السعرات المحروقة أثناء اليراويح وُجِد أنها 200 سعر حراري, حيث أن صلاة المسلمين تتميز بأنها يتم فيها استخدام جميع العضلات والمفاصل بالجسم وتُصَنَّف على أنها من فصيلة التمارين المتوسطة القوة في انتاج السعرات والطاقة. 5- الصيام في حد ذاته هو تمرين للإنضباط الذاتي ويمثل فرصة لمن أدمنوا التدخين أو شرب المنبهات أن يقلعوا عنها إلى ما بعد رمضان. 6- الأثر النفسي للصيام في رمضان يُلاحظ بوضوح عل الصائمين بطريقة صحيحة وذلك من خلال وصفهم لأنفسهم حيث يشعرون بالأمان الداخلي والهدوء, ونلاحظ أن النبى الكريم عليه الصلاة والسلام أوصى الصائم بأنه إذا سابَّه أحد أو شاتمه فليقل لمن فعل معه ذلك "أني أمرؤ صائم", ولذلك فالعداوات الشخصية خلال هذا الشهر الكريم تكون أقل ما يمكن. في الحقيقة إن الصيام وبالنسبة لإنقاص الوزن فإنه يؤدي إلى إنقاص الوزن في الأشخاص الذين يعانون من الزيادة المفرطة , أما الأشخاص ذوي الوزن المحدود فإنهم لا يعانون من نقص في الوزن أو تأثير عل الصحة العامة. إرشادات للمرضى أثناء الصيام: بوجه عام المرضى مُستَثنَون من الصيام ولكن هناك الكثير من المرضى يحرصون على الصيام لما فيه من خير يعرفونه على المستوى الشخصي في الدين والدنيا: 1- مرضى السكر : هناك ثلاثة أنوا لعلاج مرضى السكر أولها العلاج بالتظيم الغذائي فقط وهذا النوع يستفيد استفادة قصوى من الصيام , والنوع الثاني العلاج القائم على الأقراص التي تخفض السكر وفيه يجب على المريض توخي الحذر أثناء الصيام ويتم خفض الجرعة إلى الثلث وتعديل توقيت الجرعة الصباح إلى الإفطار وقت المغرب بشرط عند حدوث انخفاض في مستوى السكر في الدم نهارا إلى مستوى خطير وجب عليه الفطر, أما بالنسبة للمرضى الذين يتعاطون الإنسولين فالأصل أنهم لا يصومون وإذا حرصوا على الصيام وجب عليهم الملاحظة الطبية الدقيقة وتغيير نوع الإنسولين من قصير المدى " short acting Insulin " إلى متوسط المدى " NPH " أو طويل المدي " Lantus " بعد الإفطار أو قبل السحور , وبجوار ذلك يجب الحفاظ على النظام الغذائي لمرضى السكر في الإفطار والسحور وأي وجبة بين ذلك مع الإمتناع عن تناول الحلويات قدر المستطاع, والإنتظام في إجراء تحليل السكر قبل الإفطار وبعده . 2- مرضى ارتفاع الضغط ومرضى القلب: بالنسبة لإرتفاع الضغط التوسط والبسيط خاصة مع زيادة الوزن فإننا ننصح هؤلاء المرضى بالصيام لأنه يُخَفِّض الضغط مع استشارة الطبيب لتعديل جرعة دواء الضغط فمثلا يجب خفض جرعة الدواء المدر للبول خوفا من حدوث جفاف بالجسم وكذلك يجب تعديل نظام الأدوية طويلة المفعول مثل " Inderal LA or Tenormin " لتكون مرة واحدة قبل السحور , أما ارتفاع الضغط الشديد مع ضعف عضلة القلب فيفضل عدم الصيام. 3- مرضى الصداع النصفي : وحتى الصداع بسبب نفسى فإن نقص السوائل ونقص نسبة السكر في الدم تزيد من أعراض الصداع ,وعلى وجه الخصوص في الصداع النصفي تحدث زيادة في كمية الأحماض الدهنية الحرة مما يزيد من انتاج الكاتيكولامين مما يزيد بشدة من آثار الصداع النصفي , وهنا يجب الحرص على أخذ الدواع المعالج للصداع النصفي عند السحور , أما إذا كانت نوبة الصداع شديدة فإن المريض مُضطر للفطر. 4- النساء الحوامل : إذا جاء الصيام في أول ثلاثة شهور من الحمل أو آخر ثلاثة شهور من الحمل فيُنصَح بالفطر أما في الثلاثة شهور الوسطى فيمكن الصيام بشرط : أن تكون صحتها العامة جيدة وبسماح طبيب النساء والولادة , فالجنين لا يتأثر من نقص التغذية في حد ذاتها وهذا له حل بالإفطار الجيد والسحور الجيد وإنما يتأثر الجنين من جفاف السوائل في جسم الأم. طبيب جراحة القلب بهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية