تحت عنوان «السينما الفلسطينية تحت المجهر»، نظم مركز السينما العربية بالتعاون مع مؤسسة الفيلم الفلسطيني وسوق الأفلام بمهرجان كان السينمائي، ندوة ناقشت تاريخ السينما الفلسطينية، وذلك أمس الجمعة على المسرح الرئيسي، بحضور نخبة من أبرز الأسماء في صناعة السينما الفلسطينية. تناولت المخرجة والمنتجة مي عودة التحديات التي يواجهها صانعو السينما في فلسطين، وقالت:«عندما تصنع سينما فأنت بحاجة إلى الحرية، وهو ما لا يتوفر لدينا. لا يمكنني التحرك بحرية، وأحيانًا لا أستطيع تصوير فيلم لأنني محبوسة في منطقة معينة. نحن تحت احتلال يريد تفريقنا وتهميشنا لتدمير هويتنا. لا يمكنني رؤية أحد من غزة إلا خارج فلسطين، وهذا لا يساعد، لأننا بحاجة إلى التواصل من كل المناطق. ومع ذلك، فإن ما يميزنا كفلسطينيين هو أننا نفكر خارج الصندوق ونخاطر لصناعة أفلامنا دون أن يملي علينا أحد ما هو مسموح أو مرفوض». أما المخرجة والممثلة شيرين دعيبس، فتحدثت عن تجربتها الشخصية، قائلة:«لا أعتقد أنه يمكن أن تكون فلسطينيًا دون أن تفكر في بلدك. أول مرة زرت فيها فلسطين كنت في الثامنة من عمري، وتعرضنا للإهانة. من المستحيل ألا تشعر بوطأة كونك فلسطينيًا بعد تلك التجربة». بدوره، تحدث المخرج ركان مياسي عن التحديات اللوجستية التي يواجهها صناع الأفلام الفلسطينيون، قائلًا:«كل من حولي كان يبحث عن هويته، ولم يكن مسموحًا لي بالعودة إلى فلسطين. فقررت أن أستكشفها من خلال السينما. على سبيل المثال، في فيلمي بونبونة، كنت أريد العمل مع الفنان صالح بكري، لكنه لم يكن مسموحًا له بالسفر إلى لبنان. اضطررنا إلى استخراج جواز سفر آخر له. هذه صراعات لا يفكر فيها صانعو الأفلام في أماكن أخرى». أما الباحثة اللبنانية رشا السلطي، فقالت:«لفهم السينما الفلسطينية، يجب أن نتذكر أن من تعرضوا للاحتلال لم يكن مسموحًا لهم بتصوير أنفسهم أو رواية قصصهم. الجيل المؤسس من السينمائيين الفلسطينيين، كرشيد مشهراوي، ابتكر طرقًا للتحايل على القيود، أما الجيل التالي فابتكر أشكالًا سينمائية جديدة وكسر القواعد. السينما الفلسطينية هي الأكثر تنوعًا في المنطقة، وتضم الكوميديا، والكوميديا السوداء، والدراما، والرومانسية». وأضافت:«عندما عُرض فيلمي في نيويورك، حضر الجمهور باحثين عن أفلام غير أمريكية، ووصفوا الفيلم الفلسطيني بأنه معقد وإنساني ويغيّر علاقات القوة. أما في المخيمات، فكان التفاعل مختلفًا، إذ سألوا: هل يمكننا مشاهدة أفلام عربية أخرى؟ السينما الفلسطينية علمتني أن أكون إنسانة أفضل. إنها في قلب الكفاح، وهي التي تخلق رموزًا كشجرة الزيتون، البئر، المفتاح». من جانبه، تحدّث المخرج رشيد مشهراوي عن العمل في غزة قائلاً:«ما نقوم به في مؤسسة مشهراوي في غزة هو أمر فريد من نوعه. لا نتبع قواعد إنتاج تقليدية، بل نبدأ بالتصوير والمونتاج في الوقت نفسه. لم يحدث في أي مكان في العالم أن نتصل لنتأكد إذا كان الشخص الذي سينقل القرص الصلب من مدينة إلى أخرى لا يزال على قيد الحياة. هذه ليست سينما بالمعنى التقليدي، بل رد فعل، وأنا مصرّ على الاستمرار. لقد صنعنا قصصًا شخصية غير مروية، جميعها صُورت أثناء الحرب، وطالما استمرت الحرب في غزة، ستستمر المؤسسة في التصوير وعرض الأفلام في الخارج». وفي ذات السياق، قال المخرج محمد جبالي:«نتعلم من غزة باستمرار. لدي أصدقاء صناع أفلام قُتلوا في الحرب، مثل عبود الذي فقدناه العام الماضي. الكاميرا أصبحت وسيلة للنجاة، فهي تُبعد المصور عن التفاصيل القاسية التي يعيشها يوميًا». وختمت مي عودة الندوة بتأكيدها على الدور النضالي للسينما، قائلة:«صناع السينما الفلسطينيون غاضبون لأن العالم تركنا لعامين. نحن وزارة الدفاع عن غزة، ونعمل الآن على مجموعة أفلام عن الحرب الأخيرة، أخرجها مخرجون من داخل وخارج فلسطين، لنروي حقيقتنا التي يحاولون طمسها. كان من المؤثر رؤية رد فعل الناس وتضامنهم. كصانعة أفلام، أتساءل: ما الفيلم الذي يمكن صناعته بعد هذا الجرح العميق؟ نحن نقاوم بالسينما». وعن مستقبل السينما الفلسطينية، قالت:«العالم يتجه نحو اليمين المتشدد، والسياسيون يقلصون الدعم، والمهرجانات تخشى عرض الأفلام الفلسطينية. أصبح التمويل والتوزيع أكثر صعوبة، لذا علينا أن نبني تضامننا واستقلالنا بعيدًا عن الحكومات، كي لا نخضع للرقابة. هذا كفاح آخر علينا خوضه».