بالتزامن مع مسيرات حاشدة.. انطلاق مؤتمر جماهيري لحزب الجبهة الوطنية بالإبراهيمية دعمًا للمهندس إيهاب زكريا    محافظ بني سويف يُشكل لجنة لحصر المتضررين من هبوط بأحد شوارع أبويط    محافظ كفرالشيخ يهنئ «اللواء إيهاب عطية» مدير الأمن بتجديد الثقة    محافظ الجيزة: رفع طاقة محطة مياه جزيرة الذهب من 50% إلى 75%    وصول السفينة «حنظلة» إلى إسرائيل بعد السيطرة عليها أثناء إبحارها إلى غزة    الكرتي يغادر معسكر بيراميدز في تركيا بشكل مفاجئ    ميرال ورنيم وعلياء الأفضل في فوز مصر على أنجولا ببطولة الأفروباسكت    مواعيد مباريات سيراميكا في الدور الأول من الدوري الممتاز    نفوق 9 رؤوس ماشية في حريق هائل بالبحيرة | صور    تعطيل الدوام في العمل بالعراق بعد ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة    تنسيق الجامعات 2025| تعرف على طريقة كتابة وترتيب وتعديل الرغبات    مصرع طفلة وإصابة 5 آخرين إثر انهيار جزئي لمنزل بقنا    ألبوم آمال ماهر «حاجة غير» يحتل ترندات تيك توك بالكامل    أفلام الثورة    «صحة المنوفية» تطلق مبادرة لتحويل المستشفيات إلى منشآت صديقة للبيئة    "تركوه غارقًا في دمائه".. كواليس مقتل سائق "توك توك" غدرًا بأبو زعبل    يسرا تستعيد ذكرى رحيل يوسف شاهين: "مكانك في قلبي بيكبر يوم بعد يوم"    في الحر الشديد.. هل تجوز الصلاة ب"الفانلة الحمالات"؟.. أمين الفتوى يوضح    هولندا تصنّف إسرائيل ك"تهديد لأمنها القومي".. فما السبب؟    وزير السياحة: نستهدف شرائح جديدة من السياح عبر التسويق الإلكتروني    حروب تدمير العقول !    مدبولي يوجه بمراجعة أعمال الصيانة بجميع الطرق وتشديد العقوبات الخاصة بمخالفات القيادة    تأجيل محاكمة 108 متهمين بخلية "داعش القطامية" ل 28 أكتوبر    البابا تواضروس يصلي القداس مع شباب ملتقى لوجوس    ليفربول بين مطرقة الجماهير وسندان اللعب المالي النظيف    بوتين يعلن إعادة هيكلة البحرية الروسية وتعزيز تسليحها    ب "لوك جديد"| ريم مصطفى تستمتع بإجازة الصيف.. والجمهور يغازلها    ارتفاع عدد ضحايا الهجوم على كنيسة بالكونغو الديموقراطية إلى 30 قتيلا    هل الحر الشديد غضبًا إلهيًا؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    بتوجيهات شيخ الأزهر.. قافلة إغاثية عاجلة من «بيت الزكاة والصدقات» في طريقها إلى غزة    تحقيق| «35 دولارًا من أجل الخبز» و«أجنّة ميتة».. روايات من جريمة «القتل جوعًا» في غزة    بعد 11 عامًا.. الحياة تعود لمستشفى يخدم نصف مليون مواطن بسوهاج (صور)    تعرف على طرق الوقاية من الإجهاد الحراري في الصيف    ذكرى وفاة «طبيب الغلابة»    نجوى كرم تتألق في حفلها بإسطنبول.. وتستعد لمهرجان قرطاج الدولي    وزير الثقافة يزور الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم بعد نقله إلى معهد ناصر    رانيا فريد شوقي تحيي ذكرى والدها: الأب الحنين ما بيروحش بيفضل جوه الروح    رئيس اقتصادية قناة السويس يستقبل وفدا صينيا لبحث التعاون المشترك    «الداخلية»: مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النار مع الشرطة بالقليوبية    محافظ دمياط يطلق حملة نظافة لجسور نهر النيل بمدن المحافظة.. صور    «رياضة أصحاب الثروات الطائلة».. إمبراطورية ترامب للجولف من فلوريدا إلى عُمان    بورسعيد تودع "السمعة" أشهر مشجعي النادي المصري في جنازة مهيبة.. فيديو    وزير الإسكان يواصل متابعة موقف مبيعات وتسويق المشروعات بالمدن الجديدة    «فتح»: غزة بلا ملاذ آمن.. الاحتلال يقصف كل مكان والضحية الشعب الفلسطيني    7 عادات صباحية تُسرّع فقدان الوزن    أمين الفتوى: النذر لا يسقط ويجب الوفاء به متى تيسر الحال أو تُخرَج كفارته    قبل كوكا.. ماذا قدم لاعبو الأهلي في الدوري التركي؟    بعد عودتها.. تعرف على أسعار أكبر سيارة تقدمها "ساوايست" في مصر    وزير البترول يبحث خطط IPIC لصناعة المواسير لزيادة استثماراتها في مصر    مجلس جامعة بني سويف ينظم ممراً شرفياً لاستقبال الدكتور منصور حسن    الجيش السودانى معلقا على تشكيل حكومة موازية: سيبقى السودان موحدا    «مصر تستحق» «الوطنية للانتخابات» تحث الناخبين على التصويت فى انتخابات الشيوخ    وزير التموين يفتتح سوق "اليوم الواحد" بمنطقة الجمالية    جواو فيليكس يقترب من الانتقال إلى النصر السعودي    مصر تنتصر ل«نون النسوة».. نائبات مصر تحت قبة البرلمان وحضور رقابي وتشريعي.. تمثيل نسائي واسع في مواقع قيادية    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا نسمح للإرهاب بالانتصار في معركة الحرية
نشر في المصريون يوم 09 - 01 - 2015

الحرية لها أخطاء عارضة ، ولها مشكلات جانبية ، ولكن هذه الأخطاء لا تعني أبدا أن نخذل الحرية أو أن نهينها أو ننتقص من قيمتها لصناعة مجتمع متحضر وناهض أو أن نفرط فيها ولا نحميها ، وما حدث من مجلة "شارلي ابدو" هو من تلك الأخطاء العارضة وسوء استخدام الحرية بما يسيء إليها ويحشد رأيا عاما كارها لها وغير متعاطف معها ، وهذه اللعبة كثيرا ما يستخدمها الطغاة والمستبدون في العالم الثالث ، فيتقدمون بوصفهم المدافعين عن الفضيلة أو الدين أو الكرامة الوطنية التي تستباح في بعض الكتابات أو التصريحات أو السلوكيات بدعوى الحرية لكي ينفروا الناس من الحرية ويضعفوا قوة المطالبة بها ، والمجلة الفرنسية أخطأت كثيرا في استعلائها على الحقائق المجردة في عالمنا اليوم ، هي تدرك أن النار تحيط بنا ، وصحيح أن من حقها أن تلعب بالبنزين أو الكبريت ، هذا حقها ، ولكن عليها أن لا تلعب بذلك في ظرف عاصف يمكن أن يتسبب في حرائق تدمر أبرياء أو أن تلعب بذلك بجوار مستودعات وقود غير محكمة السيطرة ، كما لا يصح أن تعطي المجلة دروسا ومواعظ في أن حريتها بلا سقف ولا يحدها حد وأنها تضرب في كل اتجاه وكل دين محمية بقيم الحداثة ، فتاريخ المجلة يكشف عن أن السلطات الفرنسية صادرتها وأوقفت نشرها في بداية السبعينات عندما نشرت كاريكاتير يسخر من الرئيس الفرنسي الراحل "شارل ديجول" في أسبوع وفاته واعتبرت السلطات وقتها أن ذلك "جليطة" وإهانة للشعور الوطني ، وبيعت المجلة على إثر ذلك بثمن بخس لتصدر بلافتة جديدة ومالك جديد ، كما أن المجلة ذاتها طردت أحد صحفييها قبل عدة سنوات رسامها موريس سينيه عندما أشار إلى الأصل اليهودي لنجل الرئيس ساركوزيه دون أن تحترم حقه في التعبير واعتبرت أنه معاد للسامية ، وأظن أن المجلة كانت ستتعرض للإغلاق حتما إذا نشر أحد محرريها كاركاتيرا يسخر من روايات الهولوكست على سبيل المثال ولذلك كانت المجلة تتحاشى هذه المنطقة تماما ، وباختصار فالمجلة كانت تعرف أن للحرية حدودا عند الخطر أو عند المحكات الحساسية للبشر ، وبالتالي فتركيزها الشديد في إهانة الدين الإسلامي ونبي الإسلام ، وجعل هذه المنطقة تحديدا نقطة ارتكاز دائمة تعود إليها كل عدة أشهر وتصدر من أجلها أعدادا كاملة تصل أحيانا للستين صفحة ، فهو أمر لا يمكن إبعاده عن الانتهازية والمتاجرة بجلد مشاعر ملايين المسلمين واستفزازهم لمحض الإثارة وزيادة المبيعات وربما إرضاء جهات مالكة ومانحة بعينها .
بطبيعة الحال ، كل هذا الذي نقوله لا شأن له بتقييم الجريمة الإرهابية التي وقعت ضد المجلة ، فهي عمل إجرامي مدان في كل الأحوال وأيا كانت المبررات ، ولكني هنا أناقش القضية من أبعادها الكاملة ، قبل أن تجرفنا العواطف بعيدا عن إدراك جذور المشكلة والخلل فيها وكيف وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه .
وما قلته هنا ليس حالة تأمل شخصية ، أو وجهة نظر "شرقية" لقيم الحداثة "الغربية" وما يتصل بها ، بل هي وجهة النظر الغربية الغالبة الآن في أعقاب الواقعة ، فقد امتنعت أغلب الصحف ووكالات الأنباء عن نشر تلك الرسوم المسيئة مرة أخرى تحت دعاوى الرد على الإرهاب والتطرف ، واعتبرت أننا بنشرها نعاقب المسلمين ونؤذي مشاعرهم ، ولا نرد على قتلة ومجرمين ارتكبوا هذه الجريمة ، وكانت شبكة "سي إن إن" الأمريكية تمتنع تماما عن نشر تلك الرسوم ، رغم تغطيتها المكثفة للأحداث ، وقالت ناطقة باسم: CNN "نحن دائما نناقش أفضل الطرق لمعالجة القضايا الأساسية والصور المتعلقة بها عبر جميع وسائلنا الإعلامية، وهذه النقاشات ستستمر اليوم ومستقبلا مع استمرار تطور القضية ، أما وكالة "أسوشيتد برس" التي تعتبر أكبر وكالة أنباء في العالم، فقد أكدت أن لديها "سياسة راسخة" تقتضي "عدم النشر المتعمد للصور المستفزة"، وأكد ناطق باسم الوكالة أن هذا النوع من الصور يشمل الرسومات الخاصة بالنبي محمد " ، وأما صحيفة "نيويورك تايمز" فكان لها موقف خاص، إذ ذكرت أنها ستكتفي بشرح محتويات الصور دون عرضها ، بينما قالت شبكة NBC الإخبارية إنها ستمتنع عن بث "عناوين أو رسومات قد تعتبر مسيئة أو ذات طبيعية حساسة،" وينطبق القرار نفسه أيضا على شبكتي CNBC و MSNBC، إلى جانب شبكة ABC التي اتخذت قرارا مماثلا ، من جانبه، قال أحد كبار المدراء بشبكة CBS إن الأخيرة لم تفرض حظرا على نشر الرسومات المتعلقة بالنبي محمد، ولكنها طلبت من محرريها القيام ب"الحكم الصائب" في الأمور التحريرية، وقد تناولت نشرة الأخبار المسائية للشبكة بعض الرسومات وعرضتها، ولكن المواد التي اختارتها لم تشمل صورا للنبي محمد .
وهذا النقل السابق كله نقلته عن تقرير لشبكة سي إن إن ذاتها ، والتي ختمت تقريرها بقولها : "ويبدو أن معظم وسائل الإعلام تأخذ بعين الاعتبار أن الصور الكرتونية المشابهة لتلك التي تنشرها صحيفة شارلي إيبدو مستفزة للكثير من المسلمين" ، أضف إلى ذلك أن كثيرا من المحللين الغربيين أنفسهم يدركون أن القضية لها أبعاد اجتماعية وثقافية وحضارية أبعد من الغضب الديني نفسه ، وقد نشرت صحيفة التايمز البريطانية مقالا لشارلز بريمر اليوم ، تعليقا على جريمة "شارلي ابدو" قال فيه بالحرف : "فرنسا تدفع ثمن تهميش 6 ملايين مسلم" ، كما كتب إدوي بلينيل في "اللوموند" الفرنسية اليوم أيضا قائلا : "الهجوم على مجلة شارلي إبدو هو تحذير للمجتمع بأكمله، لأولئك الذين يلعبون ورقة الكراهية وجميع الذين يلعبون ورقة الخوف" .
هذا هو العقل الوسطي المتوازن ، بين الحرية والمسؤولية تجاه مشاعر البشر ، والمسؤولية أيضا تجاه واقع عالمي مؤجج بمشاعر الغضب والكراهية وجاهز للانفجار ، وأعتقد أن تلك الأصوات والصحف الغربية التي قالت أنها ستعيد نشر الصور المسيئة التي نشرتها "شارلي ابدو" كإعلان تضامن معها وردا على التطرف ، هم يخدمون التطرف من حيث لا يقصدون ، بل هم يحققون نصرا معنويا كبيرا للإرهابيين المتورطين بمثل هذه الجرائم ، لأن رسالتهم تكون قد وصلت وحققت أهدافها في صناعة الكراهية ونشر العنف وتدمير السلام العالمي وإحياء الغرائزية والعنصرية ، أتمنى أن تتوقف هذه الاندفاعات العاطفية ، وأن يكون للعقل سيادته في تلك الأوقات الصعبة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.