لقد خلق الله الإنسان وزوده بجهاز مناعى للدفاع عن نفسه يعتبر فى طريقة عمله وفى كل تفاصيله آية من آيات الله فى خلقه ويظهر فى الطريقة التى يتعامل بها هذا الجهاز المناعى مع أى عدو داخلى كان أم خارجى إبداع الخالق. فالجهاز المناعى للإنسان قادر فى الأوضاع الطبيعية أن يفرق بين ملايين الميكروبات التى تصيبه ليس هذا فحسب بل يقوم الجهاز المناعى بالإحتفاظ فى ذاكرته بصورة عن كل ميكروب يصيب الجسم حتى إذا أصيب مرة أخرى من نفس العدو لايتأخر فى إرسال مضاداته وتكون إستجابته فى المرة الثانية أسرع من الأولى وبالتالى لايفلت منه أى عدو وكأن الجهاز المناعى للجسم يحقق معنى قول المصطفى " لايلدغ المؤمن من جحر مرتين" إن الجهاز المناعى للأمة لايختلف كثيراً عنه فى الإنسان فجهازها المناعى هو مركز يقظتها وتنبهها على أى عدوان داخلى كان أم خارجى ، والجهاز المناعى للأمة هو الحصن الحصين الذى يجعلها تفرق بين ماهو من جسدها وبين ماهو غريب عنها . والذى يشكل الجهاز المناعى للأمة هو إعتصامها بحبل الله الذى يجعلها أمة واحدة ذات وحدة سياسية لاتتجزأ ، ويجعل مقياسها فى الحياة المقياس الذى إرتضاه لها رب العالمين ألا وهو الحلال والحرام . ففى الأجواء الطبيعية التى يعمل فيها الجهاز المناعى للأمة لايؤخرها شىء عن إتخاذ القرار الصحيح ، وتكون إستجابتها سريعة فحين تدخل عليها فكرة غريبة ليس لها علاقة بالوحى تستطيع الأمة أن تلفظها لفظ النواة لانه لايمكن لها أن تتكيف معها حيث أن جهازها المناعى يعتبر هذه الفكرة جزء غريب داخل الجسد. لهذا حين يفُرض التعامل بالربا لايمكن للأمة أن تتكيف مع هذا الوضع لأن جهازها المناعى يحول بينها وبين إرتكاب الحرام ، وحين يسوس الحكام الأمة على غير الإسلام فتهب الأمة وتنتفض على حكامها لأن فى عدم سياستها بالإسلام هلاك لها ، وحين يخرج من بين الأمة أحد أفرادها يتصنع الزعامة وهو عميلٌ لأعدائها فتتنبه الأمة على الفور لتقف له بالمرصاد. نعم إن فى الأجواء الطبيعية لايمكن للأمة أن تتقبل أن تُحكم بغير ماأنزل الله ولايمكن لها أن تفرط فى حكم شرعى واحد ولايمكن لها أن تسمح بنمو أى ورم سرطانى داخل جسدها مثل الكيان الصهيونى بل الإجراء الطبيعى هو أن تقف الأمة لمثل هذه الأمور بالمرصاد لتحول بينها وبين تحقيقها. إلا أن الأمة فى المائة عام الأخيرة قد وجدت كيانا صهيونياً قد تم زرعه بداخل جسدها ولم تثور ، وحُكِمت بأنظمة علمانية حكمتها بالحديد والنار ولم تعمل على تغييرها ، بل إن جيوشاً غربية شنت حروباً صليبية عليها ولم تستطع الأمة أن تقف لها بالمرصاد بل على العكس من ذلك وجدنا جيوش الأمة تشارك الكفار فى حربهم على المسلمين مثلما حدث فى أفغانستان والعراق وفى حرب الخليج الثانية ولم يقتصر الأمر على هذا بل شاهدنا الأمة تُحَارَبُ فى شعائرها الدينية كمحاربة اللباس الشرعى إلى غير ذلك ولم تهُب لتغييره أو إتخاذ الإجراء الطبيعى حيال هذه الهجمات على جسدها . فما السبب الذى يمنع الجهاز المناعى للأمة أن يقوم بدوره على أتم وجه؟ إنه هو التضليل الذى مارسه الحكام وعلماؤهم على الأمة من أجل تثبيط جهازها المناعى ، فالحكام قد ضيقوا على الأمة ومارسوا عليها أشد أنواع القمع والتنكيل وحاربوها فى قوت يومها حتى تنشغل بالتوافه من الأمور وتنصرف عن الأشياء العظام التى من شأنها أن توقد شعلة الأمة فلاتنطفىء إلا وقد أحرقت هؤلاء الحكام الظلمة . أما علماء السلاطين فقاموا عن طريق فتاويهم الشاذة بتثبيط الجهاز المناعى للأمة من خلال ماأستدلوا به من عقولهم أو عقول حكامهم وأوهموا الأمة أنه من دينها الذى نزل به الوحى ، فوجدنا من هؤلاء العلماء من أباح الربا ومنهم من كذب على الله قائلاً بأن الربا المحرم هو الذى يؤخذ أضعافاً مضاعفة أما دون ذلك فلا بأس به ! فلم يجد الناس حرجاً أن يتعاملوا بالربا مستندين على هذه الفتاوى الشاذة . ولم يقف علماء السلاطين عند هذا بل شملت فتاويهم كل مناحى الحياة ومنها تبرير إحتلال فلسطين وإغتصاب الأقصى من قبل الصهاينة بمباركتهم لإتفاقيات السلام الخيانية ، وحين شن الغرب حملاته الصليبية على الأمة فى حرب الخليج الثانية تسابق علماء السلاطين فى إصدار الفتاوى التى تبيح القتال تحت إمرة الكافر بحجة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد إستعان بالمشركين فكان إحتلال الخليج وذهاب مقدرات الأمة إلى أيدى أعدائها ، وليت الأمر قد إقتصر على ذلك بل أفتوا للأمة بحرمة الخروج على حكامها بحجة أنهم أولوا الامر الواجبة طاعتهم فوجهوا بذلك طعنة نجلاء للجهاز المناعى للأمة أفقدها القدرة على الإدراك حين ألزموها بطاعة هؤلاء الحكام الذين تآمروا عليها وسلموها لأعدائها. لقد عبث علماء السلاطين بالجهاز المناعى للأمة كما تعبث الفيروسات بجسد الإنسان حيث تدخل إلى خلاياه وتعيد برمجة أنويتها حتى تقوم هى بنفسها بإنتاج فيروسات بدل أن تنتج ماتحتاجه هى من مواد أساسية لحياتها ، وبالتالى يقوم الجسد بتدمير نفسه بنفسه. وهكذا فعل علماء السلاطين بجسد الأمة فعمدوا إلى إعادة برمجة عقليتها حتى تنتج أفكاراً غريبة عنها وبدل أن تُخرِج فكراً إسلامياً خالصاً أصبحت تُنتج فكراً غريباً لايستند إلى مانزل به الوحى بل يستند على رؤى " كارل ماركس" " وآدم سميث " وصبيانهم ، ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا مقياس القبول للفكر هو موافقته للحضارة الغربية وأصبحت الحضارة الغربية مع مابها من عفن فكرى هى قبلة هؤلاء فأستبدلوا الحريات بالعبودية لله وبالتالى إنفرط العقد الذى ينظم الأمة فى قيامها بالأعمال عبادة لخالقها. إن دور هؤلاء العلماء حال بين الأمة والتغيير حين ثبطوا جهازها المناعى وبالتالى أفقدوها القدرة على الإدراك وتحسس كل مايحيق بها من أخطار فقبلت بواقع لايمكن لها أن تقبله فى الأوضاع الطبيعية وتم إبعاد الأمة بقصد عن التغيير وأصبح الرضا بالواقع فكر جديد . إن الثورات المباركة التى مَنَّ الله بها على الأمة هى إيذانٌ بأن الأمة فى طور التغير وحتى تستطيع أن تقود هى هذا التغيير فى الطريق الصحيح يجب أن يستعيد جهازها المناعى قدرته على الإدراك والإستشعار بكل خطر يحيق بها ، ويجب عليها أن تتمثل حديث رسول الله " لايلدغ المؤمن من جحر مرتين " فتتعلم من تجاربها السابقة بإدراكها أن أى تدخل للغرب فى بلادنا تحت أى مسمى من المسميات هو إنتحار، حتى وإن طالت أيدى الحكام الأخضرَ واليابسَ ولم تبقى ولاتذر كسفاح الشام مثلاً ، لأن وعيها السياسى يجعلها تدرك أن من يقف خلف سفاح سوريا ورفاقه من أراذل القوم هو الغربُ نفسه فهو العدو ويجب إتخاذ موقف العداء تجاهه . إن هذه الثورات يجب أن تتخطى الحدود المصطنعة التى أقامها الإستعمار بين أبناء الأمة الواحدة حتى تعود الأمة جسداً واحداً إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، وبذلك تعيد الجهاز المناعى للأمة إلى حالته الطبيعية حين يكون مسؤولاً عن أمة واحدة ذات وحدة سياسية مترابطة لا كما هى الأن أمة مقسمة سهل على الإستعمار السيطرة عليها وآتاها من حيث لم تحتسب . إن عودة الأمة جسد واحد وإعتصامها بكتاب الله هو الضمانة الوحيدة لبعث اليقظة إلى الجهاز المناعى للأمة وبذلك تبقى الأمة فى مأمن من أعدائها ولن تستطيع أمة أن تهزمها أو تتغلب عليها ، وسوف تتمكن الأمة من العودة من جديد قائدة للبشرية لأنها الأحق بذلك. [email protected] www.twitter.com/dryassersaber