من الكلمات الجديدة التى أصبحت مكرورة على ألسنة المهتمين بالشأن العام..كلمة (الاستقطاب)ويبدو أن للكلمة وهج جميل عند قائليها وسامعيها فهى أخذه فى الانتشاربشكل واضح ويكفى أن تجلس مع أحد المهتمين بالشؤون العامة وتسأله عن أحوال البلد فيرد عليك الحقيقة انا خائف من (الاستقطاب)..والطريف انك تسمعها من الليبرالى والاسلامى واليسارى وكل التنويعات السياسية . والكلمة فى معناها التطبيقى تعنى ان هناك حالة اصطفاف للناس فى صفوف ايديولوجية ..فتظهر الحالة الاسلامية بشكلها التام وتنويعاتها المنوعة فى صفوف متراصة وتظهر الحالة العلمانية والليبرالية بشكلها التام كذلك والاقباط نفس الشىء ... وهى حالة خطأ بطبيعة الحال ولا ينبغى ان تكون فى المجتمعات الصحيحة المتماسكة لكن تغييرها لن يكون بين يوم وليلة فهى محصلة سنوات طوال من الجمود والخنق للفعاليات السياسية والفكرية والاجتماعية. وطبيعى ان يكون الانسان( منتميا) وحين تغلق فى وجهه كل اشكال الانتماء المفتوح المتنوع لايجد الا ذاته فينتمى اليها وقد لاحظنا جميعا انتشارصفات الأنانية والسلبية واللامبالة جنبا الى جنب مع انتشار التدين !!البعض فسر ظاهرة انتشارتدين(الهدى الظاهر) الذى ساد وانتشربأنه نوع من الانتماء والاحتماء..الأمر نفسه كان بالنسبة لإخواننا المسيحيين وقد كان انكفاؤهم على ذاتهم واضحا خلال العقود الماضية وهو الأمرالذى شجعته قيادات الكنيسة ووجدت فيه تطورفى علاقتها بالدولة على نحو يمنحها سلطان زمنى غير ظاهر وغيرمعلن رغم تعارض ذلك مع تعاليم وتراث الكنيسة.. إلا انها النفس وما سواها . الليبراليين واليساريون فشلوا فى إيجاد مظلة ينضوون فى ظلها فكانوا اشتاتا مبعثرة ثم لم تلبث التغيرات الاخيرة ان اظهرتهم فى شكل صف واحد..يجمعهم الرفض للحالة الاسلامية التى برزت بوضوح بعد الثورة . الحاصل اننا امام حالة توزع بين حالتين..الحالة الاسلامية بتنويعاتها والحالة غيرالاسلامية بمختلف تنويعاتها ايضا .. وأؤكد ان هذه الحالة لايرضى عنها الاسلاميون ولايرغبوها فهى معوقة لجهودهم وتصوراتهم عن الدعوة والاصلاح وتضعهم فى موضع الدفاع والتبرير والتفسير وهومايصنع جوا عاما مكفهرا قاتما. وانا ارى ان تفكيك هذه الحالة لن يكون (بمبادرات توافقية) وهذه الجملة ايضا اثيرة لدى اخواننا المهتمين بالشأن العام من طائفة (أهل الفراغ يا ليل)..وهى المبادرات التى كثرت وكثر عرابوها فى الفتره الماضية . وهم موزعون بين زارع الغام وطائفى ولادينى وباحث عن دورما قد اينع وحان قطافه. تفكيك هذه الحالة لن يكون إلا بالسير للأمام فى اتجاه التفعيل الكامل لكل المؤسسات..وهو التفعيل الذى يتم بالانتخابات وما يترتب عليها ..قصة المبادرات التوافقية الغرض منها فى احسن الظنون ان يكون لك اصبعا فى العجين وتعطيل العجلة عن الدوران..وفتح الافق السياسى على عواصف الجدل الاجوف الرنان ولا ننسى ان اصحاب المبادرات واصدقائهم يكادوا يمتلكوا الان ثلاثة ارباع الميديا الصحفيه والفضائيه..وعندهم حساسيات من قصة التعاليم الدينية وهى الحساسيات التى اتجهت بعنف تجاه الاسلاميين الاكثرعددا والاقوى تنظيما وهم فى النهاية مصريون والانتخابات تلاحقهم ان اثبتوا انفسهم ونجحوا أوغير ذلك..بعد انتهاء حديث طالبان والقاعدة!!ستسمع ان الحزب النازى جاء بالديمقراطية وانقلب عليها والاسلاميون سيفعلون ذلك .. والاستدعاء التحكمى الاقحامى للتاريخ لتلبيس بعضه بعضا صفة جميلة تتمتع بها نخبة(اهل الفراغ يا ليل) هم يريدون تلميذ فى مدرسة التاريخ يخبرهم ان اتفاقية فرساى أذلت المانيا واثقلتها بالديون وكان هناك مارتن هايدجر وتلاميذه الذين دشنوا افكار التعصب النازى فى المدارس والجامعات وفى الشارع ايضا.. وكانت اوروبا كلها معبأه بمناخ القوميات والتعصب العرقى.فكان طبيعيا ان يخرج من كل هذه التفاعلات هتلر. .................... المجلس العسكرى يقوم بدورإضافى واستثنائى وقد يضيق ذرعا بكل هذا الصخب..واعضاؤه بشر يتاثرون بما يكرره الاعلام ويعيد ويزيد ويزايد فيه والقطرة تبلى الحجرة لا بالعنف ولكن بتواصل السقوط...ومن مصلحة الوطن والشعب أن يظل المجلس العسكرى على مسافة واحدة من كل التيارات ويشرف على تطبيق الاجراءات دافعا بالامور الى مدارات التطور الطبيعى . أنا أتفهم كثيرا مواقف الشباب الذىن يستخدمهم اصحاب المبادرات وكان لهم دورمشهود فى قدح الشرارة الأولى للثورة ثم انتهت الثورة الى ما انتهت اليه ووجدوا انفسهم فى قارعة الطريق لا يذكرهم أحد ولا يدعوهم احد..هناك من أستطاع بشكل أو بأخر ان يحافظ على دورة وينميه وهناك من لم يستطع وهذه طبيعة الثورات وهذا هو التاريخ للاسف ...من ينسى دوريوسف صديق فى حركة 1952م.. هناك ايضا بعض النخب التى كانت ولازالت تشعر بأهميتها وترى أنها تمتلك ناصية الحقيقة وتعرف ما لا يعرفه الأخرون وتستطيع ما لا يستطيعه الاخرون وهى تستمد حلولها من نصوص لاعلاقة لها بالواقع وأغلبهم لديه نفورمن الجماهير وليس لديهم حماس لدمج هذه الجماهير فى العملية الديمقراطية ...يحتاجونهم فقط لاسباغ الشرعية على السلطة والمؤسسة..هذه النخب أيضا تريد ان تظل حاضرة دوما فى المشاهد كلها وقلقون على انفسهم من مصير(تيم)التى كان يقضى الامر فى غيابها..(ويقضى الامر حين تغيب تيم **ولا يستأذنون وهم شهود).. وهو مطلب انسانى ونفسى مفهوم ومقدر لكنه احيانا يزيد حبتين واحيانا يتخذ اشكالا خصومية بما لا يحتمل الأمر.. ومهما كان من حقيقة المخاوف فالحل هو ترك التجربة لتفاعلاتها الطبيعية الموضوعية وهى فى كل الاحوال تجربة جديدة على مجتمع لم يمارس الحياة السياسية الصحيحة من أكثرمن نصف قرن وغاب عنه تماما مفهوم السياسة بمعناها العميق .وتم استبعاده منها عمدا سواء من قبل النظم التسلطية أومن قبل المجموعات المفكرة (الانتلجينيسيا) التى تتصورانها وصية على المجتمع ولا زال بعضها ينشد هذا الدور. علينا ان نهىء انفسنا لصفحة جديدة من تاريخنا..خالية من الافكار الخبيثة مليئة بالافكار الحية الناهضة . [email protected]