في عالم الصراعات تأتي فكرة استباق الخصم إلى اتخاذ إجراءات معينة للحيلولة دون أن يقوم بأعمال عدائية ضده , ولقد ظهر في عالم الحروب بين الدول ما يسمى بالضربات الاستباقية أو الوقائية التي يسبق فيها أحد الاطراف إلى مهاجمة الطرف الآخر لعلمه بنيته في الغزو , فيجهض هذا الاستعداد في مهده , ولقد شاهدنا في حياتنا العملية كيف أن الحكومات تهتم أكثر بالإجراءات الأمنية من تلك الحلول السياسية للمشكلات فتراها تدفع بقواتها إلى المنطقة المحتملة للنزاع بناءً على معلومات وردت لها , ثم تبالغ في الحشد لتقنع الجميع أنها دولة قوية ذات أنياب ومخالب , ولم تدرك أن المعالجة السياسية هي الأقدر على حل مشكلات الوطن بشكل جذري , والتاريخ يشهد على ذلك إذ لما خرج على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه جمع من الناس فيما عُرفوا بالخوارج أرسل إليهم عبدالله بن عباس رضي الله عنه فناظرهم فعاد نصفهم إلى الحق , ولم يبدأهم الإمام بقتال حتى سفكوا الدماء , وأيضاً لما خرج رجل يدعى (شوذب) على الخليفة عمر بن عبد العزيز أرسل إليه من يقول له ( إنني أعلم أن الذي أخرجك هو غضبك لله , فدعني أناظرك فإن كان الحق معنا دخلت فيه , وإن كان معك نظرنا أمرنا ) وهذا من فن التعامل المتوازن مع الخصوم بالتجرد وإحسان الظن والاستعداد لقبول الصواب ولو كان من الخصم , لكن كثيراً من الدول ترفض مجرد مناقشة فكرة التفاوض مع الخصوم لكونها تعد ذلك تنازلاً عن مكانتها وهيبتها , بيد أن القائد الحصيف الحريص على لم الشمل ووحدة الصف لا يستنكف أن يذهب إلى خصمه ويصالحه ويعيده إلى الصف راضياً , ولا شك أن الملك حسين ملك الأردن الراحل – رغم ملاحظتنا عليه – ذهب إلى خصمه السياسي (شبيلات) وأخرجه من السجن في أول يوم من شهر رمضان وكان محكوماً عليه لسبه شخص الملك !! , وهكذا كان الملك حسين يتمتع بقدرات سياسية خاصة استطاع أن يحافظ بها على مملكته بالرغم من أطماع دول الجوار في المملكة . إن الذي لاحظته في تعريف الأمن القومي هو ذلك البعد الذي ذُكر فيه أن تنمية المشاركة السياسية هي من جملة أهداف الأمن القومي ومعنى هذا أن مخططي الأمن توصلوا إلى أنه كي تحافظ البلاد على أمنها القومي عليها أن تفتح أبواب العمل الحزبي والجماهيري حتى يشارك الجميع في صياغة القرار ورسم مستقبل الدولة , فلم يقتصر التعريف على حماية الدولة من الأخطار الخارجية والداخلية فحسب بل أشار إلى تنمية المشاركة السياسية , ولكننا نجد في مصرنا إهتماماً بالغاً باستعمال القوة في التأمين , وإهمالاً تاماً لفكرة تنمية المشاركة السياسية , فالحكومة لا تتشاور مع المؤيدين أو المعارضين على حد سواء , كما أنه يوجد اتجاه نحو حل الأحزاب الفاعلة في الدولة , وكذلك تأجيل الانتخابات البرلمانية بشكل أعطى انطباعاً سلبياً عن النظام الراهن مفاده الانفراد بالسلطة إلى أقصى مدة ممكنة , مع عدم الاقتناع بأن المعارضة يمكن أن تمثل إضافة أو صمام أمان أو حماية للأمن القومي للبلاد , فالمعادلة بين الأمن والسياسة لابد وأن تكتمل بالجمع بينهما في حركة الدولة إن أرادت أن تستقر وتتفرغ للبناء دون معوقات , إذ ان أحكام القضاء التي صدرت ضد أنصار نظام حكم سابق ( د. مرسي ) أو لصالح نظام حكم أسبق (مبارك ) يضع المسئولية على أكتاف الحكومة لمعالجة الأزمة التي تمخضت عن تلك الأحكام , فلا مفر من الحل السياسي الشامل . والله المستعان