إن اجتماع مجموعة من الناس لتحقيق هدف مشروع أحسبه مشروعا, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, لكن يبقى أن تحديد وسيلة بعينها دون غيرها للجزم أنها لتحقيق الواجب هو أمر شاق وعسير .. طرح الأفكار لا ضم الناس
إن ظلت الحاجة أوالمصلحة لتأسيس أحزاب أو جمعيات, فأتمنى أن لا يكون الهدف هو ضم الناس, فيمكن للجمعية أو الحزب تحقيق اهدافه بألف عضو مثلا أو أقل (عشرون من أهل الفكر والرأي – ومائة للملفات المتخصصة, وليستعينوا بمن شاءوا من مجتمعاتهم لا من حزبهم- ومائة من الإداريين – والباقي كرؤس مناطق على مستوى القطر) يمكن لهم تحقيق هدف الجمعية أو الحزب طالما كان الهدف نشر الأفكار والبرامج للناس ليؤمنوا أو يقوموا بها .. وليعلموا أن اصطفاف الناس خلف الشعار اهم من انضمامهم كأعضاء, وأن صيحة ما عبر وسيلة ما قد تصنع ما لا يقدر عليه آلاف, وأن رجلا واحدا قد يصنع فارقا, ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة] . الأمة تنجز الأهداف
مما قاله المفكر الإسلامي رشدي فكار (رحمه الله) أن النخبة (جماعة أو حزب أو غيرهما) تطرح الأفكار والأمة تنجز الأهداف, فليس من المتصور لجماعة أوحزب إنجاز أهداف وطن أو أمة ! أما الحزب فيطرح فكرته أوسياسته فيصوت الناس له أو يحجبون أصواتهم عنه وينقلون أصواتهم لغيره لأنهم يرتبطون بالأفكار الصحيحة المناسبة زمانا ومكانا لا بأوعية ولا بأشخاص .
بين التأسيس والاستمرار
قد يكون مفهوما أن تتأسس جماعة فور سقوط الخلافة لاستعادتها, فقد هب كثير من الأمة لذلك الهدف ( نادى به شيوخ من الأزهر ومصطفى كامل بل وأنشد فيه أحمد شوقي شعرا, ثم لم تعد فكرة استعادة الخلافة مطروحة حتى عند من طرحها (لازالت في الكتب طبعا),ولذلك قالوا :أن العبرة بالمسميات لا بالأسماء , ويمكن لاتحاد كالاتحاد الأوروبي تحقيق هذا الهدف, بل وتنصل كثير من قادة الحركة الإسلامية فأنكروا فكرة عملهم لاستعادة الخلافة . وقد يكون مفهوما تأسيس حزب الوفد اثناء الاحتلال, مع فكرة تشكيل وفد للتفاوض حول انتهاء الاحتلال, فما هو معنى الوفد اليوم؟ وإذا تغير الهدف الذي تأسس الوفد لأجله فلما يبقى الوفد؟ قد يكون مفهوما أن يجتمع جمع من الناس لتحقيق أمر مشروع فإن لم يتحقق بوسيلة ما عبر تجارب طويلة فلما الإصرار على الوسيلة إن لم يتحقق الهدف أو تغير, بالإصرار تتحول الوسيلة الى غاية ..
إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية
تتردد هذه المقولة كثيرا للتدليل على أهمية العمل الجماعي, ويقولون كيف يمكن مواجهة السلطة إذا تغولت بجهد فردي متشرذم؟, وكيف يمكن تحقيق الأهداف المعتبرة دون التفاف حولها؟ وكيف يمكن تحقيق مصالح الأطباء أوالمهندسين أو الممثلين دون نقابة؟ وكيف تتحقق مصالح الطلاب دون اتحاد لهم؟ وهكذا .. وما من شك أن تحقيق الأهداف بعمل جماعي أفضل ألف مرة من تحقيقه بجهود فردية متناثرة, بل إن الغرب اعتمد سياسة TEAM WORK لتحقيق اهداف كثيرة .. لكن يبقى شكل هذا العمل الجماعي, فلا حرج من تأسيس أحزاب لكل حزب برنامجه يدعو الناخبين له, فإذا أمنوا بهذا البرنامج أتوا به لينفذه, ولا حرج أن يكون للطلاب اتحاد,وأن يكون لليتامي واعمال البر والخير ونشر الدعوة جمعيات,وأن يكون لكل مهنة نقابة, وليعمل كل في موقعه وبسهمه لتحقيق (الرشادة والعدل والنفع) وهذا يحتاج لنضالها, ولعله بمجموعها تتحقق الرشادة والعدل والمصلحة لجموع الأمة, لتعكس قوة المجتمع المدني الواقف ضد السلطة حين تتغول ولعل هذا ما تعنيه العبارة السابقة, والتي لا تعني بالضرورة تأسيس جماعة لتقوم بكل الأدوار وفق مفهوم صحيح لشمول الإسلام لكنه بتطبيق مختل يقدح بالتخصص ويقدح بالمؤسسات .. يا بُني : لا تتحزب حتى لا تتعصب إن كانت لي نصيحة، أقول لا تتحزب حتى لا تتعصب, ودر مع الحق حيث دار وكان, فقد علمتنا الأيام أن المرء قد يجد الحق عند غير ما ينتمي,فماذا يفعل ؟ يبقى ويبرر ؟ أم ينأسر ويتقيد؟ أم يضيق ويتبرم أم ينشق ويؤلم ويتألم؟ كن مع الحق وستجد على الطريق أدلّاء, فكما رُوي عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب (كما في نهج البلاغة ) أنه قال : لا تخلو الارض من قائم لله بحجة.. ولا تعتب على من تحزب لحق فلم يتعصب, بل سانده ما كان الحق معه واتركه مساندا لغيره إن كان الحق مع غيره, واستجب لنداء حق أو استحقاق خير لوطن دون النظر إلى الداعي احببت أم كرهت. وكن مع جماعة المسلمين بأكثر مما انت مع أي جماعة أو حزب فكل ما ورد عن فضل الجماعة هو ما اجتمعت عليه الأمة (ثوابت وعقيدة وعبادات)..لا ما اجتمع عليه أي حزب أو جماعة.. واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاد إلى وسيلة دار الأرقم (حتى وهو في مكة) بعد أن عرف الناس الإسلام وإن لم يؤمنوا به .. ثم كان في المدينة منافقون ويهود وأعداء في الداخل والخارج ولم يفعل .. واعلم أن الأمة في لحظات الحاجة لبت نداء الحق, فعلته قديما وحديثا دون حاجة لانضواء كثير من الناس في حزب أو جماعة ..هبّت الأمة مع قائد كصلاح الدين وهبّت دون قائد أو حكومة (بعد فرار المماليك)كما فعلت وقاومت الفرنسيين. ففي الأمة خير مركوز مهما قيل غير ذلك, وعند الحاجة تستدعيه من المخزون.. تعلم يا بُني فعل الخير, وادع الى الله ما استطعت لله أولا ثم لوطن وحق وخير ونفع الناس ولكن كن انت كالنحلة تأخذ من كل رحيق حُلوه ولا تنتج إلا عسلا .. إن التعلق [المذموم] بأحزاب وجماعات وأشخاص يخلق التعصب, ولا ينتج خيرا.وحديث: (الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها( , وإن كان ضعيفا إلا أن منطوقه صحيح, وقديما قال الشاعر : لا تحقرن الرأي وهو موافق حكم الصواب إذا أتى من ناقص. فالدر وهو أعز شيء يُقتنى ما حط قيمته هوان الغائص. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.