إحتفالية الجزائر بالذكرى الستون لإنطلاقة ثورتها فى الفاتح من نوفمبر1954، أثارت فى النفس العربية العديد من الشجون والخوف، على الذاكرة التاريخية الوطنية لشعوبنا ،لأسباب عده نوجز بعضها لضيق المساحة المتاحة فى الأتى: *يبدو أن الرئاسة والحكومة المصرية، قد إعتبرت هذه الإحتفالية تخص الجزائر وحدها، ولا تخص مصر كلها ،وتناسيا أن مصر كانت طرفاً وشريكاً أصيلاً فى هذه الثورة ،لأنها شاركت بفاعلية لدعمها على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والإعلامية ،ودفعت ثمن هذه المساندة الفعالة عن طيب خاطر من دماء بنيها ومقدرات شعبها ،على النحو الذى سجله الكاتب الجزائرى "إسماعيا دبش " فى كتابه "السياسة العربية والمواقف الدولية تجاه الثورة الجزائرية" والمنشور بالجزائر بقوله ( تأييد مصر للقضية الجزائرية ،ولكل مطالب جبهة التحرير الوطنى كان مطلقاً ومتشدداً،وبدون تحفظ حتى لو تعلق الأمر بعلاقة مع دولة كبرى لها مصالح حيوية وإستيراتيجية معها ). وشهد لها "بينو" وزير خارجية فرنسا وقتئذ بقوله (أن التمرد فى الجزائر لا تحركه سوى المساعدات المصرية،فإذا توقفت هذه المساعدات فإن الأمور كلها سوف تهدأ). ووجدها "بن جوريون" رئيس وزراء إسرائيل فرصة لتحريض فرنسا ضد مصر بقوله (على أصدقائنا المخلصين فى باريس أن يقدروا أن "عبد الناصر"الذى يهددنا فى النقب وفى عمق إسرائيل، هو نفسه العدو الذى يواجههم فى الجزائر) لهذا وفى ضوء ما تقدم فإن العبد لله "مندهش" أن مشاركة مصر للجزائر فى الإحتفال بذكرى "ثورة المليون ونصف المليون شهيد"، وقفت عند إرسال برقية رئاسية للتهنئة ،على غرار ما تفعله وزارة الخارجية المصرية– بروتوكولياً - مع أية دولة ،ولو كانت العلاقات معها متوترة . *أظن ..وبعض الظن إثم ،أن الفلسطينيين لم يدرسوا بجدية أسباب نجاح الثورة الجزائرية فى تحقيق هدفها وهو الإستقلال ،وإلا ما كانوا إرتكبوا كل هذه الحماقات والجرائم فى حق قضيتهم، على خلاف ما فعلته الثورة الجزائرية ، التى نأت بنفسها عن كل الخلافات والمحاور العربية ،ولم تسمح لعناصرها بالتدخل فى شئون الدول العربية ، حتى تقف "الجبهة العربية المساندة"خلف ثورتها ،وحرمت على نفسها التشرزم ،والتحزب السياسى ،أو الفكرى ،أو العقائدى وذاب كل الثوار داخل بوتقة الثورة الجزائرية ،وتعاهدوا على النضال تحت راية واحدة هى راية جبهة التحرير الوطنى الجزائرى من أجل إستقلال الجزائر وحريته ،ولهذا إنتصرت الثورة الجزائرية ،وتعثرت الثورة الفلسطينية . * وهنا نأتى لخاتمة الشجون ،والمتعلقة بالأرشيف الوطنى الجزائرى ، حيث لم تكتفى "فرنسا" بالإستيلاء على الأرشيف الوطنى الجزائرى، الذى يضم ألاف الوثائق، عن فترتى إستعمار"فرنسا" للجزائر، وأحداث الثورة الجزائرية ،بل رفضت بشدة إطلاع الباحثين والمؤرخين الجزائريين ، على تلك الوثائق بدار المحفوظات الفرنسية ، مخافة أن تتكشف جرائمها ومجازرها ،وما مارسته من سلوكيات عنصرية تجاه الشعب الجزائرى، وهويته العربية والإسلامية. لهذا فإننا نناشد الحكومة الجزائرية، وكافة الحكومات العربية ،وفى طليعتها الحكومة المصرية بصفتها - طرفاً أصيلاً تشرف بدعم هذه الثورة الفريدة - بأن يتم "تدشين" حملة عالمية للضغط على الحكومة الفرنسية ،لإرجاع الأرشيف الوطنى الجزائرى لأهله ،حتى لا تضيع وقائع التاريخ الوطنى العظيم للشعب الجزائرى ، الذى فجر من العدم ثورة فريدة ضد المستعمر الفرنسى البغيض . ومن ثم نناشد – أيضاً – الحكومة الجزائرية أن تفتح الأرشيف الوطنى الجزائرى ،أمام الباحثين والكتاب والمؤرخين الجزائريين ،للإطلاع على كافة وثائق الثورة الجزائرية وأحداث ما بعد الإستقلال ، حتى يستطيعوا كتابة تاريخ الثورة الجزائرية ، وتفنيد كل المغالطات الكثيرة التى دست - بقصد - بين دفتى أكثر من ألف كتاب ،أصدرتها المكتبة التاريخية الفرنسية ، عن الثورة الجزائرية ،وحتى يستطيعوا – كذلك – الوقوف على حقيقة العديد من القضايا الجدلية والشائكة فى تاريخ هذه الثورة، و الأخطاء والعثرات التى مرت بها ، من أجل الحفاظ على الذاكرة التاريخية للشعب والشباب الجزائرى معاً .