«المركزي»: البنوك إجازة الخميس المقبل بمناسبة عيد تحرير سيناء    الحكومة: الجهاز المصرفي جاهز لإتاحة المكون الدولاري اللازم لزيادة احتياطي السلع الأساسية    «التنمية الحضرية» يعلن عن وحدات للتمليك بالقاهرة الكبرى.. تقسيط دون فوائد    الخميس.. إجازة رسمية للبنوك بمناسبة عيد تحرير سيناء    «القاهرة الإخبارية»: الاحتلال الإسرائيلي ينسف عمارات شمال مخيم النصيرات بغزة    مفاجأة.. موقف انتقال زيزو وإمام عاشور إلى الدوري السعودي    خلال زيارته لشمال سيناء.. وزير الشباب يشارك في مغامرة يلا كامب بالعريش    طقس الغد شديد الحرارة.. و«الأرصاد» تحذّر من الأتربة والرمال    براءة عدلي القيعي بتهمة سب وقذف رئيس نادي بيراميدز    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي الزراعي 2024 في الفيوم.. تبدأ 8 مايو    علي الحجار يستضيف نادية مصطفى ومصطفى قمر في «100 سنة غنا» الأحد المقبل    اتحاد الناشرين المصريين: تخفيضات تصل إلى 50% في اليوم العالمي للكتاب    نجوم الفن ل«الحياة»: سعداء بمشاركتنا في مهرجان أسوان لسينما المرأة    «الهندسية للانشاء والتعمير-مصر» توقع اتفاقية مع «أكسا مصر»    مؤشر الأسهم السعودية يغلق منخفضا    سبورت: بيرناردو سيلفا يقاتل من أجل الانتقال إلى برشلونة    "كانت ناقصك يا تايسون".. أبطال فيلم "شقو" يحتفلون بالعرض الأول في الرياض    إبداعات فنية وحرفية في ورش ملتقى أهل مصر بمطروح    هل التوت الأسود يرفع السكر؟    ندوة تثقيفية بجامعة الأزهر عن مبادئ القانون الدولي الإنساني.. صور    النسب غير كافية.. مفاجأة في شهادة مدير إدارة فرع المنوفية برشوة الري    الإسماعيلية تتزين استعدادا للاحتفال بأعياد الربيع (صور)    بيان عاجل وزارة البيئة بشأن تأثير العوامل الجوية على جودة الهواء خلال الفترة المقبلة    أبو عبيدة: الاحتلال الإسرائيلي عالق في غزة    فانتازي يلا كورة.. سون رهان رابح.. وأفضل لاعبي توتنهام في آخر 6 جولات    جمال علام: أزمة «صلاح» و«العميد» «فرقعة» إعلامية.. و«مو» سيتواجد في معسكر المنتخب القادم| حوار    وزير الدفاع الروسي: القوات الأوكرانية خسرت نصف مليون عسكري منذ بداية الحرب    مجرد إعجاب وليس حبا.. رانيا يوسف توضح حقيقة دخولها فى حب جديد    حماة الوطن: التحالف الوطني نموذج فريد في تقديم الدعم الإنساني للأشقاء بفلسطين    أحمد بلال البرلسي يطالب بضوابط واضحة لتغطية الجنازات والعزاءات (تفاصيل)    «الرعاية الصحية»: المرحلة الثانية للتأمين الصحي الشامل تبدأ في دمياط ومطروح    إحالة بيان الحكومة بشأن الموازنة إلى لجنة "الخطة".. ورفع الجلسة العامة حتى 7 مايو    موجة حارة وعاصفة ترابية- نصائح من هاني الناظر يجب اتباعها    وزير العدل: تشكيل لجنة رفيعة المستوى لوضع مشروع قانون ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي    محافظة الجيزة تزيل سوقا عشوائيا مقام بنهر الطريق بكفر طهرمس    محافظ بوسعيد يستقبل مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية    رئيس جامعة عين شمس يبحث مع السفير الفرنسي سبل تعزيز التعاون الأكاديمي    الجريدة الرسمية تنشر قراري مجلس الوزراء بشأن إجازة شم النسيم وعيد العمال    100 قرية استفادت من مشروع الوصلات المنزلية بالدقهلية    محافظ المنيا: تنظيم قافلة طبية مجانية في مركز أبو قرقاص غدا    هل يحق للزوج التجسس على زوجته لو شك في سلوكها؟.. أمينة الفتوى تجيب    محافظ كفر الشيخ ونائبه يتفقدان مشروعات الرصف فى الشوارع | صور    مصرع سائق في حادث تصادم بسوهاج    سيدات سلة الأهلي يواجه مصر للتأمين في الدوري    دار الإفتاء: شم النسيم عادة مصرية قديمة والاحتفال به مباح شرعًا    نستورد 25 مليون علبة.. شعبة الأدوية تكشف تفاصيل أزمة نقص لبن الأطفال    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    الغزاوي: الأهلي استفاد كثيرا من شركة الكرة    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    مجلس النواب يحيل 23 تقريرًا برلمانيًّا للحكومة -تعرف عليها    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    توفيق السيد: غياب تقنية الفيديو أنقذ الأهلي أمام مازيمبي.. وأرفض إيقاف "عاشور"    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات الجزائرية الفرنسية ومحاولات تجاوز الماضى
نشر في أخبار مصر يوم 03 - 12 - 2007


يتضمن الملف:
*معاناة الجزائر من الإحتلال الفرنسى
ا*لمقاومة والثورة الجزائرية
*العلاقات بعد الاستقلال
* العلاقات فى عهد ساركوزى
*العلاقات الإقتصادية بين البلدين
يمثل التاريخ في العلاقات الجزائرية الفرنسية بعداً ذو ثقل كبير ، حيث ظلت الجزائر لمدة 132 عاما تعانى من إحتلال فرنسا لها..
معاناة الجزائر من الإحتلال الفرنسى
يمثل الخامس من يوليو سنة 1830 م بداية للإحتلال الفرنسى للجزائر ، والسيطرة على أراضيها ففي 8 سبتمبر 1830 أعلنت كافة الأراضي الأميرية وأراضي الاتراك الجزائريين على أنها أملاك للدولة الفرنسية.
وفي أول مارس 1833 صدر قانون يسمح بنزع ملكية الأراضي التي لا توجد مستندات لحيازتها، كما نشرت مراسيم ساعدت الفرنسيين على السيطرة على أملاك الأوقاف وتم السيطرة على الأراضي على نطاق شامل مثل مرسوم 24 ديسمبر عام 1870 الذي يسمح للمستوطنين الاوروبيين بتوسيع نفوذهم إلى المناطق التي يسكنها الجزائريين و إلغاء المكاتب العربية في المناطق الخاضعة للحكم المدني.
واجه الفرنسيون مقاومة من القبائل عندما بدأت تتوغل للداخل، وكانت أهمها بقيادة الامير عبد القادر الجزائري حتي عام 1847م.
فرنسا من ناحيتها شجعت الأوربيين للإستيطان وشراء الأراضي من الجزائريين و حررت قوانين و قرارت تساعدهم على تحقيق ذلك.من بين هذه القرارت و القوانين قرار سبتمبر 1830 الذي ينص على مصادرة أراضي المنحدرين من أصول تركية و كذلك قرار أكتوبر 1845 الذي جرد كل من شارك في المقاومة أو رفع السلاح أو اتخذ موقفا عدائيا من الفرنسيين و أعوانهم.
حاول الفرنسيون أيضا صبغ الجزائر بالصبغة الفرنسية والثقافة الفرنسية وجعلت اللغة الفرنسية اللغة الرسمية ولغة التعليم.
حول الفرنسيون الجزائر إلى مقاطعة مكملة لمقاطعات فرنسا (الأم)، حيث نزح أكثر من مليون مستوطن (فرنسيون، إيطاليون، إسبان ...) من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط للعمل فى فلاحة السهل الساحلي الجزائري واحتلّوا الأجزاء المهمة من مدن الجزائر.
كما اعتبرت فرنسا كل المواطنين ذوي الاصول الأوروبية واليهود أيضا مواطنين فرنسيين ، لهم حق في التمثيل في البرلمان، بينما أخضع السكان العرب والبربر المحليون إلى نظام اعتبره المؤرخون بمثابة تفرقة عنصرية.
طالبت الحركة الوطنية الناضجة بالمساواة مع الأوربيين أولا، ثم تحولت، لتطالب بالإستقلال الجذري بعد الحرب العالمية الأولي عام 1918.
المقاومة والثورة الجزائرية
أثناء الحرب العالمية الثانية نظم الوطنيون صفوفهم للمقاومة التي سميت حرب الجزائر ،ويذكر أن أول نوفمبر 1954كان تاريخ انطلاق العمل المسلح ، أعلنت فيه جبهة التحرير الوطني (FLN) بدء الثورة الجزائرية في (جبال الأوراس) بولاية (باتنة)، ونظرا لطبيعة البلاد والقوة المستعمرة طبق قادة الجبهة تكتيك حرب العصابات ضد القوة المحتلة؛و بعد أكثر من 7 سنين من المعارك والحروب في الحواضر و الأرياف وتقديم مليون ونصف المليون من الشهداء،نجحوا فى النهاية في إخراج الفرنسيين من البلاد، و نالت الجزائر استقلالها سنة 1962 م.
ويذكر أن الجزائر قدمت نحو خمسة ملايين من الشهداء منذ بدء الاستعمار سنة 1830 حتى اندلاع ثورة التحرير.
العلاقات بعد الاستقلال
العلاقات بين الجزائر وفرنسا ظلت توصف بغير الطبيعية فمنذ استقلال الجزائر سنة1962 م مرت العلاقات بين البلدين بحالة انحسار تارة وامتداد تارة أخرى، وذلك نظرا للرواسب التاريخية التي تحكمت ومازالت تتحكم في الخيوط المتشابكة لهذه العلاقات والتي لخصها الرئيس الراحل "هواري بومدين" وكان ثانى رئيس يحكم الجزائر بعد الأستقلال عندما سئل عن العلاقات مع فرنسا بقوله (بيننا وبين فرنسا أنهار من الدماء وجبال من الجماجم).
الحقبة التاريخية الإستعمارية التي دامت زهاء 132سنة كاملة لم يكن في وسع الجزائريين نسيانها بسهولة خاصة وأن فرنسا قد ظلت تتعامل من خلال منطق إستعماري من وجهة نظر معظم الجزائريين، حيث ظلت محافظة على نفوذها الإقتصادي والثقافي والصناعي، ولذلك ظلت العلاقات الثنائية يشوبها التوتر وعدم التفاهم لاسيما أثناء مرحلة الستينيات والسبعينيات .
ويشير المراقبون الى أن هذاالأتجاه ظل هو السائد من قبل الكثير من الساسة الذين كانوا يعملون تحت قيادة الرئيس بومدين ومن بينهم الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي كان آنذاك وزيرا للشؤون الخارجية .
*إلا أنه ونظرا للتغيرات المتسارعة والتكتلات التي يشهدها العالم ، حدثت تطورات فى الجزائرالتي حاولت من خلالها تجاوز رواسب الماضي والتطلع إلى علاقات مستقبلية أكثر نجاحاً ، ومن الأدلة على ذلك:
*عمل الرئيس الأسبق "الشاذلي بن جديد" على إمالة موازين القوى لصالح ما يسمى بالتيار الفرانكفوني التابع لفرنسا، فعمل رموزه على إعادة ربط العلاقات مع فرنسا ،،إلا أن التألق في العلاقات الثنائية بين البلدين والذي استمر طيلة فترة حكم "الشاذلي"سرعان ما خفتت أضواؤه بعد إقالة "بن جديد"الذي طلب منه الرئيس الفرنسي آنذاك وعبر مكالمة هاتفية بضرورة إلغاء الإنتخابات التشريعية سنة 1991.
**بعد تولي الرئيس الراحل "محمد بوضياف"رئاسة المجلس الأعلى للدولة كانت الجزائر قد دخلت مرحلة الفوضى واالعنف الداخلى واستمر الوضع في التعقيد طوال الفترة التي تولى فيها كل من "علي كافي "و"اليامين زروال" الحكم ،حيث يشير المراقبون الى أن فرنسا في ذلك الوقت اتخذت موقف المتفرج مما يجري في الجزائر من عمليات العنف والتقتيل بين أفراد الشعب الجزائري على مختلف فئاته، بينما نظرت بانزعاج كبير الى التقارب الذي بدأ يحدث بين الجزائر والولايات المتحدة الإمريكية ،وكانت فرنسا تعتبر هذا التقارب مجرد تسلل إمريكي إلى ملعبها القديم .
*ويعتبر المراقبون ان وسائل الإعلام الفرنسية ساهمت عبر حملاتها الإعلامية المكثفة التى سلطت الضوء على العنف الداخلى في الجزائر في الزيادة من توتر العلاقات مع الجزائر وصلت إلى حد أن رفض الرئيس الأسبق "اليامين زروال" مقابلة الرئيس الفرنسي آنذاك إثر تصريح اعتبرته الجزائر تدخلا فاضحا في مسائلها الداخلية وذلك بعدما كان اللقاء مبرمجا بين الرئيسين على هامش إحدى الدورات العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
*منذ مجيء بوتفليقة إلى الحكم في 1999 شهدت العلاقات بين البلدين بعض الانتعاش، وخصوصاً مع زيارته إلى باريس في صيف العام 2000 التي وصفت بأول زيارة دولة يقوم بها رئيس جزائري إلى فرنسا.
وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد رد بزيارة أخرى إلى الجزائر في شهرمارس/ آذار من العام 2003، حيث حظي باستقبال كبير. وخلال هذه الزيارة، أُعلن عن قرب التوقيع على معاهدة صداقة بين البلدين تعيد التأسيس للعلاقات بينهما، غير أن هذه العلاقات عرفت انتكاسات أخرى في مراحل لاحقة وبلغت ذروتها عندما شن بوتفليقة هجوماً حاداً على قانون 23 فبراير/شباط 2005 الممجد للاستعمار.
وكانت تلك المرة الأولى التي تتخذ فيها الجزائر موقفاً رسمياً يقوم على مطالبة فرنسا بالاعتذار للشعب الجزائري على ما ارتكبته في حقه من جرائم. وقد استاءت باريس من استعمال الرئيس لمصطلح الإبادة لوصف مجازر 1945، التي اعترف وزير الخارجية الفرنسي السابق ميشال بارنييه بأنها كانت “خطأ غير مبرر”.
و يرى المراقبون أنه كان يمكن للعلاقات الثنائية وعلى ضوء تلك الزيارة أن تخرج من حالة الإنحسار والتوتر التي ظلت تميزها خلال أكثر من ثلث قرن، ولكن تدخل فرنسا في ملفات جزائرية داخلية مثل:ملف الجيش ،ملف حقوق الإنسان ،وملف المفقودين وغيرها أسقط هذه الفرضية آنذاك،ولم تحقق الزيارة الأهداف المرجوة منه.
* وكان بوتفليقة قد لجأ قبل ذلك إلى خطة ذكية لتدشين التقارب الجزائري-الفرنسي حيث ألمح في بداية عهدته الرئاسية إلى أن الجزائر قد تخرج من تحت العباءة الفرنسية وذلك بتكثيف الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الإمريكيين والجزائريين وإجراء مناورات عسكرية بين القوات الجزائرية والإمريكية الأمر الذي أقلق الفرنسيين وجعل فرنسا تعيد حساباتها في علاقاتها مع الجزائر حفاظا وصيانة لمصالحها الإستراتيجية والسياسية والثقافية والإقتصادية.
* وبالرغم من ذلك فإن الطرف الفرنسي أقدم على خطوة اطاحت بالمحاولات الرامية الى تحسين العلاقات الثنائية والتى كادت أن تكلل بتوقيع اتفاقية للصداقة بين الطرفين ، وذلك من خلال مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون 23 فبراير لعام 2005 الممجد للإستعمار وممارساته واعتبر هذا العمل بمثابة عمل حضاري قام به المستعمر الفرنسي لتحرير شعوب شمال إفريقيا من التخلف والجهل والفقر ، حيث أعاد هذا القانون العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى المربع الأول بعد أن وصفه الجزائريون بأنه لم يحترم مشاعر الجزائريين و ازداد الجدل بعد ان صادق الفرنسيين عليه ، حيث احتوى القانون على نص في مادته الرابعة يقول بأنه :يجب أن تولي مراكز البحث الجامعي الإهتمام بتاريخ الحضور الفرنسي فيما وراء البحر خاصة في شمال إفريقيا الأهمية والمكانة التي يستحقها ،ويجب على المدارس الفرنسية وبرامجها أن تمجد الوجود الفرنسى وحضوره الإيجابي فيما وراء البحر لاسيما في إفريقيا الشمالية كما يجب أن تعطى الأهمية القصوى لتاريخ وتضحيات جنود الجيش الفرنسي .
وبالرغم من تدخل الرئيس الفرنسي جاك شيراك شخصياً وإلغاء المادة الرابعة من مشروع القانون بهذا الشأن، فإن التوتر المشحون بالتاريخ المأساوي، لم يهدأ بعد بين الرئيسين الفرنسي والجزائري اللذين كانا يتأهبان في هذه الفترة لتوقيع معاهدة صداقة بين البلدين، والتي أضحت بعد ذلك في مهب الريح . فالرئيسان شيراك وبوتفليقة لم يجتمعا منذ ذلك التاريخ.
ويرى المراقبون أنه على الرغم من أن زيارة "شيراك" إلى الجزائرسنة 2003 التى جاءت ضمن إبداء حسن نية الطرف الفرنسي للتعامل الإيجابي مع الإشارات المطمئنة التي أرسلها الرئيس "بوتفليقة"من خلال زيارته التى وصفت بأنها تاريخية الى فرنسا سنة2000وأيضاً إعادة الإعتبار للثقافة الفرنسية وجعل الجزائر تعود إلى قائمة الدول الفرانكفونية ،ذلك بالرغم من المعارضة القوية التى وجهتها له أطراف جزائرية معروفة بحساسيتها المفرطة لمثل هذا التوجه الإيديولوجي لاعتقادها بضرورة الحفاظ على الثقافة الجزائرية الأصيلة ،الا أن كل ذلك لم يستطع ان يمحو كل الرواسب التي ظلت متراكمة في سماء العلاقات الثنائية بين البلدين .
العلاقات فى عهد ساركوزى
بعد فوز نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية توقع المراقبون أن تعرف العلاقات بين الجزائر وباريس بعض الفتور خاصة حول الملفات التي كانت دوما تخلف توترا في العلاقات.
ومن أبرز هذه الملفات ، قضية الصحراء الغربية الذاكرة التاريخية، معاهدة الصداقة ، والهجرة. حيث كانت أغلب مواقف ساركوزي قبل وصوله لمنصب الرئيس مخيبة لأمال الجزائريين عامة غير أن المراقبين توقعوا أن تكون مواقف ساركوزي الرئيس ليست كتلك التي أعلن عنها وهو مترشح، خصوصا فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية .
الذي عرف في حكم جاك شيراك بعض الميول نحو المغرب على حساب الشعب الصحراوي مما جعل الجزائر في أكثر من مناسبة تعبر عن أسفها للموقف الفرنسي المنافي للشرعية الدولية ويتوقع أن يكون موقف ساركوزي مشابه لموقف شيراك خصوصا في ظل تواجد دوست بلازي على رأس وزارة الخارجية المعروف عنه التعاطف الشخصي مع المغرب وكذا قربه الشديد من ساركوزي .
ويرىالمراقبون بأن التاريخ سيكون أكبر خطر يهدد العلاقات الجزائرية الفرنسية في عهد ساركوزي بالنظر لإصرار كل طرف على موقفه، فالجزائر تريد الاعتذار وساركوزي لا يعترف بجرائم الاستعمار.
يعتبر أيضاً فتح ملف الإعتذار الفرنسى للجزائر عن فترة الإستعمار و معاهدة الصداقة،جانباً من جوانبالإختلاف بين البلدين حيث يعطي ساركوزي أهمية للذاكرة التاريخية بعكس الجزائر التي ترى بأن لا صداقة و لا معاهدة بدون اعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية حيث يعتبرها ساركوزي بأن الاستعمار الفرنسي للجزائر ليس كله سيئاً ، حيث يؤمن بأن هناك من من قدم خدمات للجزائر في كافة المجالات.
ودافع ساركوزي عن رفضه الاعتذار عن الماضي قائلا ان الزعماء عليهم التركيز على المستقبل وألا يبالغوا في الاحساس بالذنب.
ملف الهجرة أحد الملفات الصعبة أيضاً و الموجودة على طاولة ساركوزي الذي يولي أهمية خاصة لهذا الملف وكان وعد بتشكيل وزارة للهجرة وشؤون الجاليات حيث يتوقع المراقبون أن يعالج ساركوزي قضية المهاجرين بصرامة كبيرة مما يجعل الجالية الجزائرية دون شك تتعرض لبعض الصعوبات، وهو الأمر الذى سيخلق نوعا من التوتر في العلاقات الثنائية.
أحدث خلاف اندلع عندما قال وزير جزائري انه ليس من الممكن تأسيس علاقة أنداد مع ساركوزي لانه رفض الاعتذار عن الماضي وان الرئيس الفرنسي وصل الى السلطة في انتخابات مايو/ايار بفضل "لوبي يهودي" في اشارة غير مباشرة الى والدة ساركوزي اليهودية.
من ناحية أخرى فهناك نقاطا قد يستثمرها ساركوزي للارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى ما هو أحسن خاصة في الشق الاقتصادي والمكافحة المشركة للإرهاب.
العلاقات الإقتصادية بين البلدين
يجمع كل المراقبين على اهمية العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وباريس باعتبارها امر مسلم به، وهو ما تؤكده الارقام المعلن عنها كل سنة حول التجارة الخارجية للجزائر، وتلك الخاصة بتواجد الشركات الفرنسية ·
في زيارته الأولى فى يوليو 2007 بعد انتخابه مباشرة ، نجح ساركوزي في عقد عدة اتفاقات اقتصادية مع الجزائر ولذلك لم يكن غريبا ان يتم الاعلان اول امس بباريس عن توقيع عقود بين شركات جزائرية وفرنسية بقيمة تصل الى 5 ملايين دولار خلال الزيارة الحالية التي يقوم بها الرئيس الفرنسي للجزائر بين 3 و5 ديسمبر الجاري·
وهو الاعلان الذي أوحى بأن الجانب الاقتصادي سيطغى على المباحثات بين الطرفين لاسيما وان الرئيس نيكولا ساركوزي انتقل الى الجزائر برفقة عدد هام من رجال الاعمال ولحضوره اللقاء الذي ينظمه منتدى رؤساء المؤسسات الجزائرية وحركة المؤسسات الفرنسية "ميداف"·
وحسب ارقام مؤسسات اقتصادية فى الجزائرتظل فرنسا الممول الاول للجزائر بنسبة تقارب ال20 بالمائة من اجمالي ما استوردته الجزائر في الثلاثي الاول للسنة الجارية· وقدرت بعض الأوساط حجم المبادلات التجارية بين الجزئر وفرنسا بأكثر من 8 ملايين يورو في 2006·
وتحتل فرنسا صدارة ممولي الجزائر منذ سنوات رغم أن الجزائر اتجهت في الاعوام الاخيرة الى تنويع شركائها الاقتصاديين داخل المنطقة الاوروبية وخارجها· وتصل واردات الجزائر من فرنسا سنويا الى حوالي 4 ملايين يورو استنادا الى احصائيات 2006 · واغلب هذه الواردات مصدرها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الفرنسية التي تستغل تفضيل الجزائريين للمنتج الفرنسي من اجل رفع حجم مبيعاتها نحو الجزائر لاسيما في السنوات الاخيرة التي شهدت طلبا كبيرا على التجهيزات تزامنا مع تطبيق المخططات التنموية التي خصص لها اكثر من 150 مليار دولار·
وفضلا عن تصدير منتجاتها فإن اكثر من 250 شركة فرنسية لها فروع في الجزائر توفر اكثر من 20 ألف منصب عمل مباشر وقرابة 100الف منصب عمل غير مباشر في قطاعات مختلفة منها الصيدلة والسيارات والطاقة والبنوك···
بالمقابل تعد الجزائر ثالث ممول لفرنسا بالمحروقات لا سيما الغاز وذلك بعد النرويج وهولندا لكن متقدمة روسيا· وقدر حجم صادرات الجزائر نحو فرنسا بقرابة 4 ملايين يورو في 2006·
ويشير الخبراء الإقتصاديون الى أن الاستثمارات الفرنسية بالجزائر و التي تقدرها بعض الاطراف ب2.1 مليار دولار، أغلبها في مجال المحروقات لا ترضي الطرفان معا، ورغم ان الفرنسيين يبررون ترددهم بالعراقيل البيروقراطية ومشاكل العقارات وغيرها من مشاكل خاصة بالمجتمع هي مشاكل واقعية يعاني منها حتى المستثمرون الجزائريون، فإنهم أدركوا أن هذا الوضع لم يمنع مؤسسات من بلدان أخرى من جلب رؤوس أموالها والاستقرار بالجزائر·
من جانبه يعتبر الطرف الجزائري أن تبرير غياب الفرنسيين بالعراقيل البيروقراطية لا يعد إلا مراوغة من المؤسسات الفرنسية التي تفضل الطريق الاسهل لأنها تضمن بيع منتجاتها اما بالتصدير او عن طريق فتح فروع تجارية لها بالجزائر مثلما هو الحال بالنسبة لوكلاء السيارات الفرنسية·
ويذكر أن حجم تجارة الجزائر مع فرنسا قد بلغت أكثر من ثمانية مليارات دولار عام 2006. وفي عام 2005 قدمت الجزائر 16 في المئة من امدادات الغاز الطبيعي الفرنسي وستة بالمئة من امدادات فرنسا النفطية.
وفى النهاية يظل السؤال الدائم الذى يطرح نفسه بقوة وهو هل ستتمكن فرنسا والجزائر من معالجة جرح الماضي الغائر وفتح صفحة جديدة من التاريخ بينهما، أم أن الجرح ستبقى آثاره مهما حاول الطرفان مداواته وإخفاء معالمه ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.