بعد عودته من رحلته الصيفية لأوربا هذا العام والتي طالت هذه المرة على غير المعتاد، عاود الكاتب الصحفي"محمد حسنين هيكل" الإدلاء بحديث تليفزيوني مطول لأحد الفضائيات المصرية الخاصة، تناول فيه الشأن الداخلي المصري والوضع الإقليمي والدولي معاً، وتأثيرات ذلك على منطقتنا العربية وقضاياها القومية، وهو أمر معتاد يلجأ إليه "الأستاذ" على فترات متقطعة، حين يرى أن هناك ما يريد قوله للرأي العام المصري والعربي بشأن الأحداث الجارية. ولأن "الأستاذ" – رضينا أم أبينا – ظاهرة صحفية ومهنية متميزة ومتجددة فى عالم صاحبة الجلالة الصحافة و لأنه - أيضاً - ليس أسطورة، فإن الاختلاف أو الاتفاق مع ما يطرحه من أراء وتحليلات ووقائع تاريخية هو أمر مشروع وغير محرم، بأن يؤخذ منه ويرد عليه، طالما كان معيار الإتفاق أو الإختلاف معه يقوم على حقائق موضوعية، لا تعرف التجني، أو الرغبة فى التشهير به، أو الرفض المطلق لكل ما يطرحه من أراء بسبب العناد، أو اللدد الأيدلوجي أو العقائدي، وهو ذلك المعيار الذي نلزم أنفسنا به ونحن نتناول بالنقد والتحليل أراء وتحليلات ووجهات نظر أي مهتم بالشأن العام المصري والعربي ومنهم "هيكل" بطبيعة الحال. ولكن ما لفت نظري بشأن ما تقدم تلك الحملة المسعورة والغير موضوعية التي أطلقها البعض ضد "هيكل" وأنجاله عشية إذاعة هذا الحديث المتلفز، والتي تولتها بعض الأقلام الصحفية، وبعض مقدمي وضيوف برامج الفضائيات الخاصة، لمهاجمة "هيكل" وكيل العديد من الإتهامات المرسلة، الشخصية والمهنية والوطنية والأخلاقية والمالية له ولأنجاله، وجميعها ينقصها الدليل ومكانها الطبيعي والقانوني - إن صحت ولا أظن كذلك - - مكتب سيادة النائب العام، وليس طرحها على صفحات الجرائد وبرامج "التوك شو" فى حماية بعض الأجهزة السيادية والأمنية التي استشعرت الخطر من تواجده بقرب الرئيس "السيسى" و ما قد يطرحه عليه من أراء ورؤية حول الأحداث الجارية ومستقبل الأيام، على غرار ما طرحه فى حديثه الأخير، والذي تناول فيه أموراً هامة وخطيرة تخص الشأن الداخلي المصري، وتذكرنا بما سبق وفجره فى محاضرته المشهورة عام 2005 بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، حين هاجم نظام "مبارك" وفضح محاولته توريث نجله "جمال" عرش مصر. وهنا نصل للسؤال المشروع : ما الذي قاله"هيكل" فى حديثه ، وأزعج به أجهزة الدولة المصرية العميقة ،وأغضب "صبيانها" ومرشديها الفسدة فى عالم الإعلام و"البيزنس" ؟ أعلن "هيكل" إنحيازه الكامل والسافر لثورة (25) يناير المجيدة ،وسفه كل دعى إعتبرها مؤامرة حيكت من الخارج ضد مصر وهو رأى يصيب بعض المتنفذين بأجهزة الدولة المصرية العميقة " بالأرتكاريا" السياسية. أعرب عن قلقه العميق بشأن ما يراه من صراع يدور فى مصر بين الأجهزة السيادية والأمنية، التي تحاول تقديم نفسها للرئيس"السيسى" والإقتراب منه عن طريق إزاحة غيرها من الأجهزة، و قال أن مصر لا تحتمل اليوم مثل هذه الصراعات. ذكر أن النظام فى حاجة ماسه لامتلاك "رؤية وحلم"، يشحذ همة المصريين ويجيشهم خلفه، حتى تنطلق مصر من عنق الزجاجة، وتقضى على مشاكلها التي أظهرتها و رفعت الغطاء عنها ثورة(25) يناير 2011. أكد "هيكل" على ضرورة أن يفهم رجال الأعمال، أنهم جزأ من الإقتصاد الوطني وليسوا كل الاقتصاد، وأن التجربة الآسيوية فى التنمية أوضحت ضرورة أن تقود الدولة قاطرة التنمية، فى وجود قطاع خاص يعرف مهامه دعوته الرئيس "السيسي " الإسراع فى استكمال هيكلة وتنظيم مكتبه بالرئاسة، و العمل على دعمه بثلة مختارة من المستشارين الأكفاء فى شتى المجالات، حتى يكون مكتب الرئاسة هو دائرة صنع القرار فى مصر وليس غيره. عاب "هيكل" على الإعلام المصري "تسويق وتلميع" مجموعة محددة من الشخصيات، التي تعرف طريق الوصول للأضواء ،بينما هي فى الغالب الأعم تفتقر الكفاءة والمصداقية ، ولا تصلح لتصدر المشهد المصري، والتعامل مع قضاياه، بينما مصر بها الكثير من الكفاءات الغير معروفة، والتي لا تسعى للظهور أمام العدسات، و فى المقابل لا يسعى أحد لإكتشافهم والإستماع إليهم والجلوس معهم وتسليط الأضواء عليهم، والإكتفاء بما تحتويه صناديق الأجهزة من أسماء أهل الثقة والعبارة الأخيرة إيضاح من كاتب المقال . وقرر بدون مواربة أنه يتعين على النظام مواجهة الأخطار التي تواجه الوطن – و من ضمنها الإرهاب - فى إطار ما تقتضيه هذه الأخطار بدون تزيد. وأردف قائلاً:إن تغليب منطق الأمن البوليسي، على منطق الأمن السياسي هو خطيئة كبرى، يترتب عليها دفع السلطة لاتخاذ إجراءات لم يكن لها لزوم مثل قانون التظاهر المعمول به حالياً، والذي تسيء بعض بنوده لسمعة النظام وبقيت لنا كلمة: السطور السابقة بشأن الأستاذ "هيكل " لا تدخل فى دائرة، المديح لشخصه، أو الدفاع عنه، أو مهاجمة خصومه، فذلك ليس مقصدنا، فقد راعنا أن بعض الأجهزة السيادية والأمنية بالدولة المصرية، قد امتلكت الجرأة والإسترخاص لتكرار تسريب معلومات مغلوطة ومجتزأة من سياقها، لبعض الإعلاميين المختارين والثقاة، لإستخدامها فى التشهير بكل من يختلف معها، أو ينتقد أسلوب عملها، أو يكون قد أقترب أكثر مما ينبغي من دائرة تواجد السيد "الرئيس"، أو تستشعر الخطر منه على مصالحها ووضعيتها فى الهيمنة على صناعة القرار السياسي بالدولة، حتى ولو كان من أنصار الرئيس مثل "الأستاذ" إننا نحذر من تكرار صراع الأجهزة بالدولة، وبالذات تلك التي ليس من اختصاصها الانغماس فى الشأن الداخلي على حساب عملها الأصلي وهو الشأن الخارجي، حتى لا نفاجئ – لا قدر الله – بهزيمة أخرى على غرار ما حدث صباح الخمس من يونيو عام 1967.