الأزمة الحالية التى تعصف بالحركة الإسلامية فى مصر أراها هى الأشد فائدة على مدار تاريخها رغم شدتها وقسوتها . إذ أنها استطاعت أن تضع الحركة الإسلامية ولأول مرة منذ عقود طويلة أمام دورها الحقيقى ورسالتها الأصيلة داخل المجتمع بعد انحراف بوصلتها تحت وطأة التدين المستورد من الخارج بقضاياه الشكلية وأولوياته المصطنعة التى جرفت الحركة إلى متاهات لم تستطع الخروج منها إلا على وقع ثورة يناير فعادت تصوب مسيرتها وتعيد تموضعها لتكون فى قلب الثورة وأثبتت أنها أكثر إيمانا بالحريات وتداول السلطة من كثير ممن تاجروا على مدار سنوات بهذه المفاهيم وتكسبت من ورائها ولكنها سقطت سقوطا مزرياً فى أول اختيار ديمقراطى حقيقى منذ عقود طويلة سواء من ناحية الثقل الجماهيرى أو من ناحية إيمانها بنتائج الصندوق واحترام الإرادة الشعبية والتى ختمتها بتحالفها مع المؤسسة العسكرية من أجل إجهاض التجربة الديمقراطية ووأدها . وكما كانت الحركة الإسلامية فى قلب الحراك الثورى فى الخامس والعشرين من يناير فإنها تقف اليوم فى قلب الحراك ذاته من أجل عودة الحريات واستكمال أهداف ثورة يناير ، لذا فهى فى حاجة ماسة إلى مراجعة خطواتها وأهدافها وقراراتها حتى لا تفاجأ بانحراف بوصلتها دون أن تشعر وخروج قطار الثورة عن مساره فتصبح كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى . ومما يعين على المراجعة المشار الإجابة بصدق وتجرد على مجموعة من الأسئلة المهمة التى قد تسهم فى استمرار المسيرة بكل صدق وتجرد من أجل الوصول إلى أهدافها المنشودة . فهناك أسئلة مهمة تتعلق بطبيعة دور الحركة الإسلامية فى المجتمعات هل المطلوب منها أن ينحصر دورها فى مجرد الوعظ والإرشاد وفقط ؟ أم أن المطلوب منها أن يتفرغ دعاتها وشيوخها للرد على فتاوى الصلاة والصيام والحيض والنفاس دون أن يتجاوزا ذلك إلى الحديث عن دور الإسلام فى قيادة المجتمع ووجوب تحكيم الشريعة وبسط سلطان الله الذى انتزعه مجموعة من البشر فى أرضه وملكه ؟ أم أن المطلوب من الحركة الإسلامية أن تصبح " إمعة " فى يد الأنظمة السلطوية الفاسدة تصفق لها فى قليل إنجازها وكثير فسادها باسم المصلحة والمفسدة ؟ حتى وصل الأمر بأحد الدعاة لأن يقول ربما يكون غلق معبر رفح فى وجه أهل غزة مصلحة لهم !! وللأسف الشديد فعلى مدار العقود الماضية كادت الحركة الإسلامية أن تتحول من حركة " رسالية " إلى مجرد جماعة " وظيفية " - إذا ما جاز لنا أن نستعير المصطلح من الراحل الكبير د./ عبد الوهاب المسيرى بقليل من التجوز – فالحركة إنما تستمد أهدافها من رسالة الأمة التى تنتمى إليها والتى عبر عنها الربعى بن عامر – رضى الله عنه – كأبلغ ما يكون التعبير وهى إخراج العباد من عبادة العباد ( ومنهم أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ) إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ( العدالة ) ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة . فهل الحركة الإسلامية على استعداد لأداء هذه الرسالة للنهوض بالأمة ؟ أم أنها قد تلجأ تحت ضغط الواقع إلى الرضا بأداء " الوظيفة " المحددة سلفاً من قبل الأنظمة السلطوية الحاكمة ؟ كما أن هناك أسئلة تفرض نفسها وتتعلق بطبيعة التنازلات التى من حق الحركة الإسلامية أن تقدمها فى الأزمة الحالية .. فما هو المسموح به وغير المسموح به أن تقدمه الحركة فى مقابل إنهاء هذه الأزمة وحقن الدماء ؟ وهل من الممكن أن نفاجأ يوما ما باتفاقيات قد تمت بمعزل عن القاعدة العريضة المكونة للحراك الثورى ؟ وهل يحق لأحد كائنا من كان فرداً كان أو جماعة أن يتصرف بعيداً عن الأهداف الرئيسة التى رسمتها دماء الشهداء والتى أصبحت تمثل ما يشبه بالعقد الثورى بين القاعدة العريضة وبين القيادة ؟ أيضاً لابد وأن تجيب الحركة الإسلامية – بكل وضوح وصراحة حتى ولو كانت إجابة غير معلنة – كيف تنظر الحركة إلى طبيعة الصراع الحالى ؟ هل هو مجرد صراع سياسى قد يجد طريقه للحل يوما ما بإصلاح قانون الانتخابات والاشتراك فى الانتخابات البرلمانية القادمة ؟ أم أنه فى جوهره صراع وجود بين مشروعين لايمكن لهما أن يلتقيا ؟ بين مشروع ينطلق من الأسس العقدية والثوابت الحضارية للأمة ومشروع مازال يبحث له عن نسب لأنه ولد سفاحاً من تزاوج العلمانية مع السلطوية .. بين مشروع ينتمى إلى الأمة الإسلامية الواسعة ومشروع يستمد شرعيته من سايكس – بيكو وحدودها المصطنعة .. بين مشروع يضع فى سلم أولوياته محاربة الفساد واسترداد ثروات الأمة وإعادة توزيعها بشكل عادل ومشروع لايستطيع الحياة إلا فى ظل العلاقة المحرمة بين رأس المال " الفاسد " وبين السلطة !! أسئلة مهمة وضرورية على الحركة أن تجيب عنها بكل صراحة حتى لا تفاجأ بنفسها وقد دخلت إلى التيه مرة أخرى دون أن تدرى .