عام لعله الأصعب والأشد مرارة خلال الثلاثين عاما الأخيرة على الأقل ، فمنذ الثالث من يوليو من العام الماضى جرى فى النهر مياه كثيرة ، وتغيرت أوضاع وتبدلت أحوال فى ظل صراع لا أبالغ إذ أقول إنه تحول إلى صراع وجود وذلك منذ بيان الإطاحة بأول رئيس منتخب . وتأكيداُ فإن كل طرف من أطراف الصراع قد حقق من المكاسب أو نالته خسائر إلا أن أعظم ما تحقق حتى الآن هو عملية استرداد الوعى التى بدأت بوضوح بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسى . ففقدان الوعى يؤدى بالضرورة إلى تكلس الحركة على أرض الواقع ، وتبديد الجهود فى غير ميدانها الحقيقي نظراً لتشوش الرؤية أمام صانع القرار ، فقد كانت لحظة الخامس والعشرين من يناير وما تلتها من أيام وصولاً إلى الحادى عشر من فبراير 2011 من اللحظات الإنسانية الرائعة ولكنها افتقدت الوعى اللازم للوصول إلى الهدف الأسمى بعد الإطاحة بمبارك وهو تحقيق المنظومة الثلاثية ( الحرية – العدالة – الكرامة الإنسانية ) على أرض الواقع وكان يجب أن نظل ثلاث سنوات ونحن أسرى المعارك الوهمية التى اصطنعتها لنا الدولة العميقة كمقدمة لحرب الاسترداد التى خاضتها على مدار هذه السنوات دون كلل أو تعب ، هذه المعارك أخذتنا بعيدا عما كان يجب فعله عقب نجاح الشعب المصرى فى الإطاحة برأس نظام " يوليو " فقد ابتلع الجميع الطعم الذى نصبه لهم مجلس " طنطاوى وعنان " ووافقوا بكل مثالية على التوجه لصناديق الاقتراع لانتخابات مجلس الشعب والشورى وانتخابات الرئاسة دون أن تملك الثورة رأيها وقرارها وتضع خطة واضحة وناجزة لمحاربة الفساد ومحاكمة مبارك ورموز نظامه وهيكلة الأجهزة الأمنية والقصاص العادل لجميع الشهداء ولكن الجميع ابتلع الطعم حتى فوجئنا بإعلان دستورى يجعل من المجلس العسكرى حاكما للبلاد !! ثم توالت الأحداث المعروفة والمحفوظة حتى وصلنا إلى مشهد الثالث من يوليو وانبرى الجميع بعدها فى تحليل فترة حكم الرئيس مرسى لبيان الأسباب التى أدت لهذا الانقلاب مع أنه بدأ فعلياً يوم وافقنا " جميعا " على تسليم السلطة للمجلس العسكرى . ولكن ما تم إنجازه على مدار العام الماضى فى ملف " استرداد الوعى " أظن أنه قد اختصر سنوات طويلة كانت الثورة المصرية ستحتاجها لبناء الوعىلو سار الوضع على ماما كان عليه قبل الثالث من يوليو من العام الماضى . فبدأ قطاع كبير من الشعب وخاصة من جيل الشباب يعيد النظر فى قناعاته الماضية بالنسبة لمؤسسات وهيئات كانت لها طابع القدسية فى الضمير العام للشعب المصرى ولكن العام المنصرم أثبت أنها من ألد أعداء تطلعات الشعب للحرية والكرامة ، كما أيقن أن معركته لم تكن مع مبارك وحده بقدر ما هى معركة مع دولة عميقة تأسست على مدار أكثر من ستين عاما بكل أذرعها الأمنية والثقافية والدينية والتعليمية ... إلخ وأن هذه الدولة العميقة هى دولة " وظيفية " مهمتها الحفاظ على حدود سايكس – بيكو وتأمين الكيان الصهيونى ومنع حدوث حالة من التحرر الحقيقية لأنها ستفضى إلى خروج نهائى من دائرة النظام العالمى . حركة استرداد الوعى أبانت بكل وضوح أن الدولة السلطوية التى شكلها العسكر على مدار الستين عاما الماضية لم تكن دولة ذات سيادة حقيقية كما أنها لم تكن ذات رغبة أكيدة فى حدوث أى حالاتوحدوية مع غيرها من دول الجوار رغم الخطاب التعبوى الذى ساقته على مدار عشرات السنين على أهمية وحلم الوحدة العربية . حركة استرداد الوعى طالت الحركة الإسلامية برموزها وثوابتها المصطنعة على مدار سنوات طويلة ، خاصة بعد أن قادت الحركة بشكل صريح الحراك الثورى وشكلت طليعته ونواته الصلبة بعد أن تحررت من خطاب " التدجين " الذى تم إنتاجه بمعرفة الأجهزة الأمنية ومعاونة طبقة من " المشايخ " الذى اجتهدوا فى إلصاقه بالشرع وأضاعوا به أجيالا متعاقبة بعد أن فصلوهم عن الواقع لصالح معارك وقضايا الماضى !! وقد أدركت فى شرخ الشباب من يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل نزول المصلى للسجود على ركبتيه أو يديه !! وكم أقيمت من أجلها المناظرات واختصم الناس وتفرقوا ! وكانت النتيجة انصراف أجيال عن محاربة الطغيان الذى أفسد الدين والدينا معا والمفارقة العجيبة أن أصحاب تلك المعارك كانوا شوكة فى خاصرة المشروع الإسلامى فيما بعد ! ولكن هذا الجيل المبدع من الشباب حطم كل هذه القيود واستطاع أن يتلمس طريقه بعيدا عن حظيرة التدجين إلى حيث مقاومة الطغيان والاستبداد واعتبرها قضيته التى يحيا ويموت من أجلها . لذا لم يكن مستغربا أن يستمر الحراك الثورى لمدة عام دون كلل أو ملل ويرتفع معه سقف أحلامه وتطلعاته . لأنه حقق أهم خطوة فى صراعه من أجل نيل الحرية وهى استرداد الوعى المفقود .