يخلط بعض الناس بين وصف الجرأة والشجاعة , فيقولوا رجل جرئ أو رجل شجاع , والحقيقة أن هناك فارقاً كبيراً بين الصفتين , فالرجل الجرئ هو من يُقدم على الأمر دون النظر في العواقب , أما الشجاع فهو الذي لايًقدم إلا بعد النظر في العواقب , ومن المعروف أن الفقهاء ألحقوا المآلات بحكم الواقع , فلا ينظرون إلى واقع المسألة دون أن يلحقوا بها ما يترتب عليها , فإنك مثلاً إن أردت الإقدام على فعل شئ وكان يترتب عليه ضرر فإن هذا الفعل يكون محظوراً , أما إن أردت الإقدام على فعل أمر وكان تقدير عاقبته خيراً فهو مباح , فالجرأة مذمومة لكونها أقرب ما تكون إلى الاندفاع والتهور المفضي إلى مالا يحمد عقباه , وهذا يظهر كثيراً في سن الشباب الذي تدفعه قوته وعاطفته للحركة الانفعالية مع المواقف ما لم يكن هذا الشاب واعياً ومتفهماً للفارق بين الجرأة والشجاعة فلا يلقي بنفسه إلى المجهول . وقد يُتهم من يُحجم عن المشاركة في معركة يغلب على الظن فيها الهلكة بأنه جبان , ولكنه في الحقيقة ليس كذلك , لكونه يرى أن المشاركة غير مأمونة العواقب وتضر به وبأسرته , بل وأحياناً قد تكون هذه المسائل مرتبطة بمستقبل وطن . ولقد كانت بعض أجهزة الاستخبارات في الحروب تدرس شخصيات القادة من الدول المعادية لها فمتى توصلوا أن هذا القائد جرئ أي أنه مندفع وانفعالي وضعوا له خططاً استفزازية حتى يتم استدراجه إلى المعارك التي لا يكون مستعداً لها فيهزمزنه هزيمة منكرة , أما القائد الشجاع فهو الرابط الجأش يقدم في موضع الإقدام , ويحجم في موضع الإحجام , فهو بذلك يحافظ على قواته ولا يلقي بها إلى الهلاك المحقق , وانظروا ياسادة إلى خالد بن الوليد في غزوة مؤتة حين آلت إليه القيادة نظر في الأمر فوجد أن العدو يتفوق عليه بنحو سبعين ضعفاً فأجرى مناورة عسكرية أوهم العدو فيها أن المدد قد جاءه ثم انحاز منسحباً إلى المدينة والعدو ينتظر هجوم المدد في الصباح !! فلما دخل المدينة بالجيش صاح بهم الصبيان يافُرّار يا فرّار !! فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل الكُرّار إن شاء الله وأثنى على فعل خالد بن الوليد خيرا . وأحياناً قد تفرض معركة على طائفة من الناس في بلد من البلدان هي ليست في صالحها , فيكون من الحكمة التخلص من هذه المعركة التي تستنفذ القدرات والإمكانات , وعلى قيادة الموقف ألا تخشى من أن يقال عنها جبنت أو خضعت أو انسحبت , لأن المسلم الصادق يدور مع الحق حيث دار , فليس في تغيير الموقع عيب , بل العيب في تغيير الأهداف العليا والغايات التي هي في إرضاء المولى عز وجل , وإقامة الحق والعدل , وإعلاء كلمة الله تعالى , هذا ولابد من الإنتباه إلى أن مخافة قول الناس تُراعى عند ظهور المصلحة فقط كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في عدم قتل زعيم المنافقين لئلا يقول الناس أن محمداً يقتل أصحابه , أما إذا كان قول الناس فيه مفسدة إن أنت اتبعته فلا يُلتفت إليه البتة (أتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) فلا يصح لعاقل أن يكسب رضى الناس بسخط الله . وختاماً فالبون شاسع بين الجرأة والشجاعة فليتدبر القارئ هذه الفروق وليكن دائما في موقع الشجاع الذي ينظر في العواقب قبل الإقدام على الافعال والتحركات . والله المستعان