«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبذة عن حياة " سيف الله المسلول " خالد بن الوليد
نشر في الفجر يوم 26 - 02 - 2012


خالد بن الوليد اسمه وحال والده وأمه
هو أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة، ينتهي نسبه إلى مرة بن كعب بن لؤي الجد السابع للنبي وأبي بكر الصديق t. وأمه هي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، كان مظفرًا خطيبًا فصيحًا، يشبه عمر بن الخطاب.
خالد بن الوليد خلقه وصفته.
أما أبوه فهو عبد شمس الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان ذا جاه عريض وشرف رفيع في قريش، وكان معروفًا بالحكمة والعقل. وكان "الوليد" خصمًا عنيدًا للإسلام والمسلمين، وكان شديد النكاية بالرسول، حتى إذا مضى عن الدنيا خلف وراءه الحقد في نفوس أبنائه.
وفي هذا الجو المترف المحفوف بالنعيم نشأ خالد بن الوليد، وتعلم الفروسية كغيره من أبناء الأشراف، ولكنه أبدى نبوغًا ومهارة في الفروسية منذ وقت مبكر، وتميز على جميع أقرانه. كما عُرف بالشجاعة والجَلَد والإقدام، والمهارة وخفة الحركة في الكرّ والفرّ.
خالد بن الوليد قبل الإسلام
كان خالد بن الوليد t كغيره من أبناء قريش معاديًا للإسلام، ناقمًا على النبي العدنان والمسلمين الذين آمنوا به وناصروه، بل كان شديد العداوة لهم، شديد التحامل عليهم، ومن ثَمَّ فقد كان حريصًا على محاربة الإسلام والمسلمين، وكان في طليعة المحاربين لهم في كل المعارك التي خاضها الكفار والمشركون ضد المسلمين، وكان له دور بارز في إحراز النصر للمشركين على المسلمين في غزوة أُحد.
إسلام خالد بن الوليد
في عمرة القضاء قال النبي للوليد بن الوليد t أخيه: "لو جاء خالد بن الوليد لقدّمناه". فكتب "الوليد" t إلى "خالد" يرغِّبه في الإسلام، ويخبره بما قاله رسول الله فيه، فكان ذلك سبب إسلامه وهجرته. وقد سُرَّ النبي بإسلام خالد بن الوليد، وقال له حينما أقبل عليه: "الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألاَّ يسلمك إلا إلى خير".
وقد أسلم خالد بن الوليد t في (صفر 8ه/ يونيو 629م)، أي قبل فتح مكة بستة أشهر فقط، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين.
خالد بن الوليد سيف الله في مؤتة
كانت أولى حلقات الصراع بين خالد والمشركين -بعد التحول العظيم الذي طرأ على حياة خالد بن الوليد وفكره وعقيدته- في (جمادى الأولى 8ه/ سبتمبر 629م) حينما أرسل النبي سرية الأمراء إلى "مؤتة" للقصاص من قتلة "الحارث بن عمير t رسولِهِ إلى صاحب بُصْرَى.
وجعل النبي على هذا الجيش زيد بن حارثة، ومن بعده جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جميعًا، فلما التقى المسلمون بجموع الروم، استشهد القادة الثلاثة الذين عيَّنهم النبي ، وأصبح المسلمون بلا قائد، وكاد عقدهم ينفرط وهم في أوج المعركة، وأصبح موقفهم حرجًا، فاختاروا خالد بن الوليد t قائدًا عليهم.
واستطاع خالد بن الوليد t بحنكته ومهارته أن يعيد الثقة إلى نفوس المسلمين بعد أن أعاد تنظيم صفوفهم، وقد أبلى خالد بن الوليد t في تلك المعركة بلاءً حسنًا؛ فقد اندفع إلى صفوف العدو يُعمِل فيهم سيفه قتلاً وجرحًا حتى تكسرت في يده تسعة أسياف، حتى إذا ما أظلم الليل غيَّر خالد بن الوليد t نظام جيشه، فجعل مقدمته مؤخرته، ووضع من بالمؤخرة في المقدمة، وكذلك فعل بالميمنة والميسرة، وأمرهم أن يحدثوا جلبةً وضجيجًا، ويثيروا الغبار حتى يتوهم جيش الروم أن المدد قد جاءهم بليلٍ، ولهذا لما طلع النهار لم يجرؤ الروم على مطاردة المسلمين؛ مما سهّل على خالد بن الوليد t مهمة الانسحاب بأمان، وقد اعتبر رسول الله ذلك فتحًا من الله على يد خالد بن الوليد.
فقد أخبر النبي أصحابه باستشهاد الأمراء الثلاثة، وأخبرهم أن خالد بن الوليد t أخذ اللواء من بعدهم، وقال عنه: "اللهم إنه سيف من سيوفك، فأنت تنصره". فسمِّي خالد بن الوليد t "سيف الله" منذ ذلك اليوم.
خالد بن الوليد والدفاع عن الإسلام
حينما خرج النبي في نحو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار لفتح مكة في 10 رمضان 8ه الموافق 3 يناير 630م، جعل النبي خالد بن الوليد t على أحد جيوش المسلمين الأربعة، وأمره بالدخول من "اللِّيط" في أسفل مكة، فكان خالد بن الوليد t هو أول من دخل من أمراء النبي ، بعد أن اشتبك مع المشركين الذين تصدوا له وحاولوا منعه من دخول البيت الحرام، فقتل منهم ثلاثة عشر مشركًا، واستشهد ثلاثة من المسلمين، ودخل المسلمون مكة -بعد ذلك- دون قتال.
وبعد فتح مكة أرسل النبي خالد بن الوليد في ثلاثين فارسًا من المسلمين إلى "بطن نخلة" لهدم "العزى" أكبر أصنام قريش وأعظمها لديها. ثم أرسله -بعد ذلك- في نحو ثلاثمائة وخمسين رجلاً إلى "بني جذيمة" يدعوهم إلى الإسلام، ولكن خالد بن الوليد t -بما عُرف عنه من البأس والحماس- قتل منهم عددًا كبيرًا، برغم إعلانهم الدخول في الإسلام؛ ظنًّا منه أنهم إنما أعلنوا إسلامهم لدرء القتل عن أنفسهم، وقد غضب النبي لما فعله خالد بن الوليد t وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"، وأرسل عليَّ بن أبي طالب لدفع دية قتلى بني جذيمة. ولقد أخطأ خالد بن الوليد t في ذلك متأوِّلاً، وليس عن قصد أو تعمد.
خالد بن الوليد سيف على أعداء الله
ظل خالد بن الوليد t يحظى بثقة النبي؛ لذا فقد ولاه إمارة عدد كبير من السرايا، وجعله على مقدمة جيش المسلمين في العديد من جولاتهم ضد الكفار والمشركين؛ ففي "غزوة حنين" كان خالد بن الوليد t على مقدمة خيل "بني سليم" في نحو مائة فارس، خرجوا لقتال قبيلة "هوازن" في شوال 8ه/ فبراير630م، وقد أبلى فيها خالد بن الوليد t بلاءً حسنًا، وقاتل بشجاعة، وثبت في المعركة بعد أن فرَّ من كان معه من بني سليم، وظل يقاتل ببسالة وبطولة حتى أثخنته الجراح البليغة، فلما علم النبي بما أصابه، سأل عن رَحْلِه ليعوده. ولكن هذه الجراح البليغة لم تمنع خالدًا t أن يكون على رأس جيش المسلمين حينما خرج إلى الطائف لحرب "ثقيف" و"هوازن".
ثم بعثه النبي -بعد ذلك- إلى "بني المصطلق" سنة 9ه/ 630م؛ ليقف على حقيقة أمرهم، بعدما بلغه أنهم ارتدوا عن الإسلام، فأتاهم خالد بن الوليد t ليلاً، وبعث عيونه إليهم، فعلم أنهم على إسلامهم، فعاد إلى النبي ، فأخبره بخبرهم.
وفي (رجب 9ه/ أكتوبر 630م) أرسل النبي خالدًا في أربعمائة وعشرين فارسًا إلى "أكيدر بن عبد الملك" صاحب "دومة الجندل"، فاستطاع خالد بن الوليد t أسر "أكيدر"، وغنم المسلمون مغانم كثيرة، وساقه إلى النبي ، فصالحه على فتح "دومة الجندل"، وأن يدفع الجزية للمسلمين، وكتب له النبي كتابًا بذلك.
وفي (جمادى الأولى 1ه/ أغسطس 631م) بعث النبي خالد بن الوليد t إلى بني الحارث بن كعب بنجران في نحو أربعمائة من المسلمين، ليخيِّرهم بين الإسلام أو القتال، فأسلم كثير منهم، وأقام خالد t فيهم ستة أشهر يعلِّمهم الإسلام وكتاب الله وسُنَّة نبيه، ثم أرسل إلى النبي يخبره بإسلامهم، فكتب إليه النبي r يستقدمه مع وفد منهم.
خالد بن الوليد يقاتل المرتدين ومانعي الزكاة
بعد وفاة النبي شارك خالد بن الوليد t في قتال المرتدين في عهد أبي بكر الصديق t، فقد ظن بعض المنافقين وضعاف الإيمان أن الفرصة قد أصبحت سانحة لهم -بعد وفاة النبي- للانقضاض على هذا الدين؛ فمنهم من ادَّعى النبوة، ومنهم من تمرد على الإسلام ومنع الزكاة، ومنهم من ارتدَّ عن الإسلام، وقد وقع اضطراب كبير، واشتعلت الفتنة التي أحمى أوارها وزكّى نيرانها كثير من أعداء الإسلام.
وقد واجه الخليفة الأول تلك الفتنة بشجاعة وحزم، وشارك خالد بن الوليد t بنصيب وافر في التصدي لهذه الفتنة والقضاء عليها، حينما وجّهه أبو بكر لقتال طليحة بن خويلد الأسدي، وكان قد تنبَّأ في حياة النبي حينما علم بمرضه بعد حجة الوداع، ولكن خطره تفاقم وازدادت فتنته بعد وفاة النبي والتفاف كثير من القبائل حوله، واستطاع خالد أن يُلحِق بطليحة وجيشه هزيمة منكرة، فرَّ "طليحة" على إثرها إلى الشام، ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه. وبعد فرار طليحة راح خالد يتتبع فلول المرتدين، فأعمل فيهم سيفه حتى عاد كثير منهم إلى الإسلام.
خالد بن الوليد والقضاء على فتنة مسيلمة الكذاب
كان أبو بكر t قد أرسل عكرمة بن أبي جهل t لقتال مسيلمة، ولكنه هزم، فأرسل له أبو بكر شرحبيل بن حسنة t، وزادت المصيبة ثقلاً على المسلمين عندما هزموا مرةً ثانية؛ مما رفع من الروح المعنوية لأتباع "مُسَيْلمة الكذَّاب"، وتعاظمت ثقتهم بالنصر، فلم يَرَ أبو بكرٍ بُدًّا من إرسال سيف الله المسلول خالد بن الوليد t إليهم. ومن البطاح إلى "اليمامة" خرج خالد بن الوليد t لقتال مسيلمة الكذاب الذي كان من أشد أولئك المتنبِّئين خطرًا، ومن أكثرهم أعوانًا وجندًا.
والتقى الجمعان ب"عقرباء"، ودارت معركة عنيفة بين الجانبين، قاد مسيلمة قواته التي تزيد على الأربعين ألف مقاتل لمجابهة خالد الذي لم تكن قواته تزيد على ثلاثة عشر ألف مجاهد في سبيل الله، ودارت رحى معركة عنيفة، وازدادت أعداد القتلى، وثبت "مسيلمة" رغم كثرة أعداد القتلى من جيشه، وأدرك خالد بن الوليد t أنها لا تركد إلا بقتله، فبرز خالد t حتى إذا كان أمام الصفوف دعا إلى المبارزة، فجعل لا يبارز أحدًا إلا أرداه قتيلاً، حتى دنا من "مسيلمة" فأرهقه وأدبر، ونادى مسيلمة في قومه: الحديقةَ الحديقةَ؛ فدخلوا (حديقة الموت) وأغلقوها عليهم، وأحاط المسلمون بهم، فصرخ البراء بن مالك t قائلاً: يا معشر المسلمين، احملوني على الجدار اقتحم عليهم. فحملوه، وقاتلهم على الباب حتى تمكن من فتحه للمسلمين، فدخلوا، واقتتلوا قتالاً شديدًا، وأتى وحشيّ بن حرب t فهجم على مسيلمة بحربته، وضربه رجل من الأنصار بسيفه، فقُتل.
وهكذا انتهت المعركة بهزيمة "بني حنيفة" ومقتل "مسيلمة"، وقد استشهد في تلك الحرب عدد كبير من المسلمين بلغ أكثر من ثلاثمائة وستين من المهاجرين والأنصار، وبثَّ خالد بعد المعركة مباشرةً خيوله تطارد فلول المشركين، وتلتقط من ليس في الحصون.
فتوحات خالد بن الوليد في العراق
مع بدايات عام (12ه/ 633م) بعد أن قضى أبو بكر الصديق t على فتنة الردة التي كادت تمزق الأمة وتقضي على الإسلام، توجه الصّدّيق t ببصره إلى العراق يريد تأمين حدود الدولة الإسلامية، وكسر شوكة الفرس المتربصين بالإسلام.
كان المثنى بن حارثة t يقاتل في العراق عندما كانت جيوش المسلمين تحارب المرتدين، وما إن انتهت حروب المرتدين بقيادة خالد بن الوليد t، حتى أصدر الصديق t أوامره لخالد بن الوليد وعياض بن غنم -رضي الله عنهما- بالتوجه إلى العراق، فتوجه خالد t إلى العراق، واستطاع أن يحقق عددًا من الانتصارات على الفرس في "الأُبُلَّة" و"المذار" و"الولجة" و"أُلَّيْس"، وواصل خالد تقدمه نحو "الحيرة" ففتحها بعد أن صالحه أهلها على الجزية، واستمر خالد بن الوليد في تقدمه وفتوحاته حتى فتح جانبًا كبيرًا من العراق، ثم اتجه إلى "الأنبار" ليفتحها، ولكن أهلها تحصنوا بها، وكان حولها خندق عظيم يصعب اجتيازه، ولكن خالدًا لم تعجزه الحيلة، فأمر جنوده برمي الجنود المتحصنين بالسهام في عيونهم، حتى أصابوا نحو ألف عين منهم، ثم عمد إلى الإبل الضعاف والهزيلة، فنحرها وألقى بها في أضيق جانب من الخندق، حتى صنع جسرًا استطاع العبور عليه هو وفرسان المسلمين تحت وابل من السهام أطلقه رماته لحمايتهم من الأعداء المتربصين بهم من فوق أسوار الحصن العالية المنيعة. فلما رأى قائد الفرس ما صنع خالد بن الوليد t وجنوده، طلب الصلح، وأصبحت الأنبار في قبضة المسلمين.
في الوقت نفسه كانت الأمور على مسرح عمليات الشام تتطور بصورة خطيرة، فقد جمع الروم قوات ضخمة لمحاربة الفاتحين المسلمين، ولم يكن من بدٍّ من إرسال سيف الله المسلول إلى هناك.
الطريق إلى الشام
رأى أبو بكر الصديق t أن يتجه بفتوحاته إلى الشام، إذ كان خالد بن الوليد t قائده الذي يرمي به الأعداء في أي موضع، حتى قال عنه: "والله لأنسيَنَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد".
ولم يخيِّب خالد بن الوليد t ظن أبي بكر الصديق t فيه، فقد استطاع أن يصل إلى الشام بسرعة بعد أن سلك طريقًا مختصرًا، مجتازًا المفاوز المهلكة غير المطروقة، متخذًا "رافع بن عمير الطائي" دليلاً له؛ ليكون في نجدة أمراء أبي بكر في الشام، فيفاجئ الروم قبل أن يستعدوا له.
وما إن وصل خالد بن الوليد t إلى الشام حتى عمد إلى تجميع جيوش المسلمين تحت راية واحدة؛ ليتمكنوا من مواجهة عدوهم والتصدي له، وكانت أول مهمة تتطلب الحل هي "تقسيم القوات"، فقد كان خالد بن الوليد t يؤمن بنوعية المقاتل، وقدرة هذه النوعية على تحقيق التعادل ضد التفوق الكمي الذي ينفرد به أعداء المسلمين، وكان خالد بن الوليد يعرف أيضًا أن أمامه في الشام معارك حاسمة، فسار إليهم حتى وصل إلى قوات أبي عبيدة بن الجراح t في (بُصرى)، وبدأ بخطبة جيش المسلمين قائلاً: "إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم، وأريدوا الله بعملكم؛ فإن هذا يوم له ما بعده، ولا تقاتلوا قومًا على نظام وتعبية على تساند وانتشار؛ فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي، وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا، فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته".
وقد تمكَّن خالد بن الوليد t أن يلحق بالروم هزائم عديدة، حتى استطاع أن يقضي على شوكتهم تمامًا، وصارت بلاد الشام بلدًا إسلاميًّا.
خالد بن الوليد بين القيادة والجندية
لم ينتهِ دور خالد بن الوليد t في الفتوحات الإسلامية بعزل عمر له وتولية أبي عبيدة بن الجراح t أميرًا للجيش، وإنما ظل خالد بن الوليد t يقاتل في صفوف المسلمين، فارسًا من فرسان الحرب، وبطلاً من أبطال المعارك الأفذاذ المعدودين.
وكان لخالد بن الوليد t دورًا بارزًا في فتح دمشق وحمص وقِنَّسْرِين، ولم يفتّ في عضده أن يكون واحدًا من جنود المسلمين، ولم يوهن في عزمه أن يصير جنديًّا بعد أن كان قائدًا وأميرًا؛ فقد كانت غايته الكبرى الجهاد في سبيل الله، ينشده من أي موقع وفي أي مكان.
خالد بن الوليد قائدًا
لعل فن الحرب لم يعرف قائدًا تتمثل في أعماله كل مواصفات القيادي الناجح مثل خالد بن الوليد، فقد برع t في خوض المعارك، وتصميم الانتصارات، ووضع الاستراتيجيات العسكرية التي تجلب له النصر بأيسر الطرق، فمنذ جاهليته وفي عملياته الأولى، برز تفوقه في استراتيجية "الهجوم غير المباشر"، وذلك في موقعة أُحد، عندما هجم على مؤخرة جيش المسلمين، بعد أن استغل غياب الرماة.
ويمكن بعد ذلك استعراض كل أعمال خالد بن الوليد t، حيث تظهر عمليات خالد على شكل مسيرات طويلة للوصول إلى مؤخرات قوات العدو أو مجنباته، وقد عبَّر خالد عن هذه الاستراتيجية عند حديثه مع دليله رافع بن عميرة، إذ قال له: "كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم، فإني إن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين؟" وقد اضطر خالد t في موقعتين حاسمتين مجابهة أعدائه، كانت الأولى في حروب الردة في "موقعة اليمامة"، والأخرى في "موقعة اليرموك"، ولكن مع ذلك فقد بقي هدف خالد الدائم البحث عن وسيلة لضرب مؤخرة العدو.
كما امتاز خالد بن الوليد t بحرصه على الانطلاق من قاعدة قوية ومأمونة، كذلك حرص خالد بن الوليد t على بناء المجتمع الجديد بارزًا في فتوحاته، فهو لا يتعامل من منطلق كونه قائدًا عسكريًّا فحسب، وإنما هو ينشر دعوة الله، ويبلغ رسالة الإسلام إلى شعوب الأرض التي يفتحها، فلما وقف في "الحيرة" في مجتمع النصارى العرب، كان حريصًا على اجتذابهم والإحسان إليهم وتأليف قلوبهم، وكان يقول لهم: "لكم ما لنا، وعليكم ما علينا".
خالد بن الوليد والغيرة على دين الله ورسوله
فعن أبي سعيد الخدري t قال: بعث علي بن أبي طالب t إلى رسول الله من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها. قال: فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل، والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل؛ فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك النبي ، فقال: "ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء".
قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كثّ اللحية، محلوق الرأس مشمر الإزار فقال: يا رسول الله، اتقِ الله. قال: "ويلك! أوَ لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟!"
قال: ثم ولَّى الرجل، قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا، لعله أن يكون يصلي". فقال خالد بن الوليد t: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله : "إني لم أُومَرْ أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم". قال: ثم نظر إليه وهو مُقَفٍّ فقال: "إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".
وفاة خالد بن الوليد
لما حضرت خالد بن الوليد t الوفاة قال: "لقد طلبت القتل فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل أرجى من لا إله إلا الله وأنا متتَرِّس بها". ثم قال: "إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي، فاجعلوه عُدَّة في سبيل الله". وقد تُوفِّي خالد بحمص في (18 من رمضان 21ه/ 20 من أغسطس 642م).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.