لم ألتق بالرجل إلا مرة واحدة وكانت في زيارتي لمقر حزب البناء والتنمية بدعوة واحتفاء كبير من فضيلة الشيخ أسامة حافظ وبحضور عدد كبير من قادة الحزب والجماعة ودار بيننا حديث طويل حول الأوضاع الراهنة في تلكم الفترة وكان ذلك قبل عزل مرسي بفترة طويلة و كانت الأمور ملتهبة إلى حد بعيد وكان للشيخ عبود حضور كبير ليس بكثرة مداخلاته ولكن ببهاء الصدق الذي يشع من عينيه الواسعتين وبصدق السوية التي تظهر على محياه... كان يستمع إلى الجميع وبإنصات واهتمام ثم يتحدث بكلمات مقتضبة ومعبرة لكنها في الحقيقة تختلف كثيرا عن نسق بقية المتحدثين فالرجل إذا ما سمعته شعرت بتضلعه بمفهوم (المواطنة) بصورة واقعية وعملية وليس بصورة فكرية ليس لها واقع وعن كيفية تفكير الأجهزة الكبرىووطنية خطها العام في إدارة الشئون وعن الخطط الكبرى للنيل من البلاد أدركت ساعتها اختلافا كبيرا بين النمطين بل وشعرت أن كثيرا من تلك الجماعات لن تسطيع فهم الدولة طالما لم يكن بين رجالها نمط رجال الدولة الذين يفكرون بمنطق الدولة وليس بمنطق الجماعة . كان الشيخ عبوديتحدث بعمق كبير وفهم دقيق للأمور لكن من زاوية رجل الدولة التي يفتقدها منهج تفكير كثير من الجماعات الاسلامية ورجل الدولةهو نمط من الرجال قليل أو قل نادر في عالم الجماعات الإسلامية التي غالبا ما تنظر إلى واقعها بعيون ضيقة حسيرة كل همها أن تتفادي التحديات أو تتجاوز العوائق التي تواجه تنظيمها أو تهدد مسيرته أو أن تحقق مصالحها التي ربما تتعارض مع مصالح أخرى اعظم شأنا وأدق حالا كمصالح الدولة أو الوطن مستغنية عن هذا الأمر بمفهوم الخلافة الفضفاض. ساعتها خرجت بانطباع دقيق وأدركت أن فارقا كبير بين نمط تفكير قادة الحزب والجماعة وبين نمط تفكير الشيخ عبودودار في خاطري إشكال فكري تنظيمي معا وهو هل يمكن لرجل (الدولة) في (الجماعة) أن يستمر او ينجح؟؟ونسيت الأمر وجاءت مقالة الأمس لتعيد الأمر إلى الذاكرة وتطرح نفس السؤال لا سيما وأن مقالة الأمس تعبر بوضوح عن فكر رجل الدولة حينما يفكر في ضوء المصالح الكبرى للناس لا سيما وأن رؤية الشيخ عبود للوضع الراهن في مصر ليست وليدة المقالة ولكنه طرح واضح ومحدد المعالمويتم طرحه منذ فترة طويلة وصدرت على لسانه تصريحات مسجلة يقول فيها ( أن السيسي رجل وطني وما فعله اجتهاد) الأمر الذي يبدو فيه الشيخ عبود الزمر يفكر بطريقة تختلف كثيرا عن جوهر المنظومة الفكرية التي تدير بها الجماعة ازمتها مع النظام القائم ولا ينكر أحد أن مقالة الشيخ عبود بالأمس أحدثت صدى كبيرا اتصور ان الجماعة ما زالت الى الان تفكر في كيفية التعامل معه وتوازن بين مصالح ومفاسد هذا التعامل لا سيما وأن المقالة تمثل نقلة نوعية ليس في فكر الشيخ عبود ولكن في طريقة التعامل معه إذ الجماعة ليست بحاجة إلى تصدع تنظيمي جديد لا سيما بعد انشقاق او خروج الشيخ ناجح والشيخ كرم زهدي من هيكلية الجماعة نهائيا كما ان الجماعة ترى دائما أنه يمكن استيعاب بعض القيادات تقديرا لتاريخها أو فضل سبقها كما كان يحدث مع الشيخ عاصم عبد الماجد لكن الأمر هنا في موضوع الشيخ عبود مختلف لاعتبارات عديدة من اهمها: - أن هذه المقالة – ولأول مرة- (تكيف) الوضع تكييفا يختلف اختلافا جذريا عن رؤية الجماعة بل ويتقاطع مع تكييف ورؤية حزب النور وتيار الشيخ ناجح وكرم – مع بعض التباينات- فالشيخ عبود يرى وباختصار (أن ما حدث اجتهاد سياسي والقبول بعزل مرسي وانتهاء ولايته ومراجعة الإخوان لأخطائهم مع تعويض القتلى ومحاسبة من ثبت تورطه عينا في الدماء والمشاركة في الاستحقاقات النيابية) أما الجماعة فإنها ترى أن ( ما حدث انقلاب ومرسي ما زال رئيسا وما بني على باطل فهو باطل لا يمكن قبوله)والشيخ عبود عضو مجلس الشورى وشخصية تاريخية محورية فكيف سيكون الأمر؟ - أن المقالة تمثل تحولا في طريقة التعبير عن مواقف الشيخ عبود والتي يبدو أنه سئم النصح بها سرا وجهرا حتى لتكاد تسمع صوته العالي وغضبه الشديد من وراء كلماته (وقد يتساءل أحد القراء عن أسباب تناولي لمثل هذا الموضوع أقول له يا أخي لقد تكلمت كثيراً بالإشارة حول تقويمي للمشهد الختامي وخطورة الاستمرار في الصراع الدائر دون وجود حل سياسي للأزمة فجاءتني بعض المعاتبات) فهل هذه المقالة بداية لمقالات صريحة أو نهج جديد سيعبر فيه الشيخ عبود عن مواقفه بكل وضوح وصراحة الامر الذي سيحرج الجماعة الإسلامية كثيرا مع التحالف كون الشيخ عبود عضو مجلس شورى الجماعة وسيطالبها حتما بتوضيح موقفها من تصريحاته خاصة في ظل علاقات الاحترام والتقدير بين أجهزة الدولة وبين الشيخ عبود على وجه الخصوص. - أن هذه المقالة الاولى التي يصرح فيها الشيخ عبود باسم الإخوان صراحة فقد كان في السابق يلمح ويقول مثلا :(ومما لاحظته في المشهد الحالي أن هناك الكثير من الأخطاء والتجاوزات لا يعتذر عنها أصحابها , فهناك من يخوض في أعراض بعض الناس أو يرميهم بالباطل ثم تظهر الحقيقة على خلاف ذلك جلية للعيان وبالرغم من ذلك تجده لا يعتذر أبداً ) الأمر الذي سيجعل الجماعة – فضلا عن شخص الشيخ عبود – في مرمى نيران القصف الالكتروني العنيف الذي لا يرحم فهل ستتحمل الجماعة ذلك؟ وكيف ستتعامل معه؟أم تتبنى الصمت ...فرب صمت أبلغ كلام!!