كوني مصرياً أعتز بمصريتي جداً، فقد استفزني كثيراً حديث أوباما المهين بالأمس عن شطب دولته لمليار دولار من فوائد القروض التي اقترضها النظام السابق، وتفكير دولته في إقراض مصر مليار دولار جديد. وقد فات أوباما أنه يتحدث عن مصر، ومصر هي مصر، ذات القامة المرفوعة دائماً، جعلها الله يوماً ما سبباً في إطعام كل من على الأرض، ومصر بعد الثورة هي مزيد من العزة والكرامة، ولا يليق معها حديث المن المهين الذي تحدث به أوباما أمام العالم أجمع. خاصة وأن راتبك يا أوباما الذي تحصل عليه، أحد روافده أرباح أموال المصريين المودعة والمستثمرة في دولتك. ورفاهية شعب دولتك كثير منها سببه أرباح الأموال العربية المغتربة والمأسورة عند دولتك، وعند شعب أوروبا، تلك الأموال التي تزيد عن الأربعة آلاف مليار دولار، تخيل أرباحها وقارنها بمنك المهين يا أوباما. حتى سلف أوباما "المقذوف بالحذاء"، عندما وقعت دولته مالياً منذ عامين، هرول هو وبعض رؤساء أوروبا إلى الشعب العربي كي "يتسولوا" بعض المليارات التي تنقذكم من ورطتكم المالية يا أوباما. إنني أعلم أن أحد أسباب جرأتك يا أوباما على التحدث بهذه الطريقة المهينة في حق مصر، هو غرس النظام المصري السابق، وقبوله للصدقات المشروطة وغير البريئة والمعروفة بالمنح والمعونات، والتي تتحفنا النيابات المصرية كل يوم بفضيحة جديدة عن اختلاسات وفساد في ملف المنح والمعونات، والباقي أعظم ومفزع. فضلاً عن عمولات القروض التي بينها لنا الخبراء والتي كانت سبباً في تيسير كثير من القروض "ثقيلة الظل"، والتي أثقلت كاهل موازنة مصر بديون ذات فوائد مركبة، وأتاحت لك يا أوباما فرصة الحديث عن إسقاط فوائد بمليار دولار. إنني كباحث وبحكم خبرتي في هذا الميدان أستطيع أن أقول أن الثورة ستتضح بعض معالم نجاحها، حينما تستغني مصر تماماً عن صدقات وعطايا وقروض دولة أوباما الغير بريئة، وقريناتها، وهذا لن يتحقق إلا بإلغاء وزارة الاقتراض الدولي تماماً، والتي أنشأها النظام السابق، كي تدير ملف المنح والمعونات والقروض بعيداً عن بعض رجال دبلوماسية وزارة الخارجية الرافضين لمذلة هذا الملف. وعليه فإذا كان الدكتور شرف يريد لمصر أن تكون مصر، فعليه أن يوضح لنا وبحسم تام موقفه من هذا الملف ، وهذا التوضيح والحسم من الدكتور شرف لا يتأتى إلا عملياً بإلغائه وزارة الاقتراض الدولي. ودفع وزيرة هذه الوزارة لفتح كافة خبايا ودهاليز هذا الملف الشائك والمهين. فالدنيا فلسفات واستراتيجيات يا دكتور شرف، والنظام السابق قبل بفلسفة المعونات المهينة، ويسر تنفيذ استراتيجيات التسول الدولي، فهل ستسير على دربه، وحضرتك مندوب ميدان التحرير "ميدان العزة ودماء الشهداء" في مجلس الوزراء؟. وبالنسبة لوزير المالية الذي حظي باحترام عدد غير قليل من أبناء الكرامة وأولوه الثقة التامة، لماذا تحرص على استمرار فلسفة واستراتيجية التسول والمن؟ هل هذا هو التفكير الاستراتيجي الذي وضعته للدول التي عملت بها، وافتخرت أنها مستقلة مالياً واقتصادياً؟. إذا كانت الحكومة "مزنوقة" في مليار دولار، فلتحدد لنا فيما "الزنقة" خاصة بعد توقف قطار الفساد الذي كان أحد أهم أسباب الثورة؟ هل مقبول أن يحدثنا أوباما بهذه الطريقة المهينة أمام العالم أجمع، وفي النهاية المليار دولار توزع كرواتب على أشخاص رواتبهم في الحكومة تزيد عن المليون؟ خاصة وأن الحكومة لم تحسم بعد ملف الحد الأقصى للرواتب في مصر، ولم تسدد كذلك دية أكثر من ألف مصري ماتوا ظلماً في أثناء التظاهر من أجل العزة والكرامة. إذا كانت حكومة تسيير الأعمال المؤقتة برئاسة الدكتور شرف تريد أن تقوم بمشروع استراتيجي في ميدان زراعي أو صناعي -رغم عدم اختصاصها دستورياً في اتخاذ القرارات والقوانين السيادية بعيدة المدى- فلتعلن عن ذلك بشفافية، وتحدد الرقم المطلوب له، وثقتي في الله أولاً، ثم في الشعب المصري أن المبلغ المطلوب سيوفى، إذا تبين صدق النوايا وشفافية القائمين على جمع أموال المشروع من أبناء الشعب الثقات، وليس في أرقام حسابات تحاكي فلسفة النظام السابق في جمع التبرعات. أعلم جيداً أن هناك إشكالية معقدة في "مسار معين" من مسارات المعونات المرتبطة "باتفاقيات"، وأحسب أن القائمين على هذا المسار لديهم الكفاءة والوطنية في التعامل مع هذا المسار بحرفية عالية بعيداً عن الصدام. لكنني أخشى أن يكون هذا المسار بمثابة ذريعة لمسارات أخرى يهوى رعاتها ركوب الأمواج، وتيسير مرور الاستراتيجيات. إن مصر بعد الثورة تعيش مرحلة "مصر ما بعد المعونات"، وإنني أراهن على خبرة المجلس العسكري الموقر في إدارة المشروعات الإنتاجية المبهجة، التي تتميز بها القوات المسلحة الباسلة. ومن هذا المنطلق أدعو المجلس العسكري لطرح حزمة من المبادرات القومية زراعياً وصناعياً، من خلال اللواءات المشرفين على القطاعات الإنتاجية في القوات المسلحة، مبادرات تستهدف مشروعات استراتيجية محددة المسار، تفتح لها أبواب المساهمات، بمعاونة قادة الرأي المخلصين وبمنتهى الشفافية، على أن تخضع إدارة هذه المشروعات الإستراتيجية للمجلس العسكري الموقر مباشرة، مثلما يفعل في باقي مشروعات القوات المسلحة الإنتاجية. حينها لن يجرؤ أوباما على أن يتحدث عن مصر بهذه الطريقة المهينة.