أحيانا نشعر بالحيرة عندما نتعامل مع دور الرئيس المؤقت عدلي منصور ، رئيس المحكمة الدستورية ، والذي تولى رئاسة الجمهورية بتكليف من المجلس العسكري في 3 يوليو 2013 وحتى اليوم ، والذي من المفترض أن يسلم الرئاسة إلى المشير عبد الفتاح السيسي خلال أيام قليلة ، فإذا تعاملنا معه كرئيس جمهورية فإننا ينبغي بكل جدية وأمانة أن نحاسبه بجردة حساب اقتصادي وأمني وقانوني وإنساني على مجمل ما تم في البلاد خلال فترة توليه السلطة ، أما إذا أخذنا بكلام من يراه مجرد واجهة لأصحاب السلطة ، وهي الصفة التي درج البعض على إطلاق وصف غير لائق فيها ، فإن الكلام الذي نقوله في هذا المقال لا معنى له ، وبالنسبة لي فلا مفر من أن أتعامل مع عدلي منصور بوصفه رئيسا للجمهورية ، فهذه هي صفته الدستورية ، وهذه هي الصلاحيات التي يفترض أنه يعمل بها منذ قبل تولي هذه المسؤولية ، وبناء على ذلك أستطيع أن أقول بكل أمانة وشفافية أن عدلي منصور هو أسوأ رئيس للجمهورية في مصر منذ تأسيس الجمهورية ، بل ربما كان الأسوأ على الإطلاق من بين حكامها في تاريخ مصر الحديثة . في عهد عدلي منصور وقعت أسوأ المذابح الدموية ضد المعارضين السياسيين ، على النحو الذي حدث في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة وأمام المنصة في مدينة نصر وأمام الحرس الجمهوري وفي ميدان رمسيس ، إضافة إلى عشرات المذابح الجزئية الأخرى التي وقعت خلال العام الذي تولى فيه السلطة ، وأنا أتعامل هنا مع عدلي منصور بوصفه رئيس الجمهورية ، صاحب القرار ، والذي لا يمكن أن تتخذ قرارات بهذا المستوى بدون قراره هو ، ولا أقول موافقته ، فهو صاحب القرار دستوريا ، وبالتالي فإن كان هناك شخص في مصر يستحق المحاكمة على ما حدث فعدلي منصور هو المتهم الأول الذي لن تنسى مصر ما فعله وإن طال الزمن ، ولا يوجد رئيس مصري التصق عهده بهذه المذابح الدموية ، وقد يرى البعض أنه كان لا بد من أن يتم فض الاعتصامات لتهديدها الأمن أو إرباكها للدولة ، ومع كامل الاحترام لوجهة النظر تلك إلا أن الخلاف ليس في المطلب ، وإنما في الطريقة الدموية التي تمت بقرار من رئيس الجمهورية عدلي منصور ، وقد كان بإمكانه أن يطلب تفاصيل خطط الفض والتحفظ الأخلاقي والقانوني والإنساني على أي تجاوزات وطلب بدائل ، ولكنه لم يفعل ، هل كان مجرد منظر ، قولوا ذلك صراحة ، أما ونحن نقول أنه رئيس حقيقي ، فهو المسؤول مثله مثل مبارك ، وهي مذبحة هزت ضمير العالم كله وما زالت حتى الآن ، وفي عهد عدلي منصور صدرت أسوأ القوانين المقيدة للحريات ، مثل قانون منع التظاهر ، رغم أنه هو نفسه تم تنصيبه في منصبه بسبب المظاهرات وعن طريقها ، ولكنه قبل أن يتخذ المظاهرات سلما للوصول إلى مبتغاه ثم كسر السلم بعدها ، وهذه لا يفعلها إلا الديكتاتوريات الصريحة وراح ضحية لهذا القانون المئات من شباب مصر الذين فجروا ثورة يناير وكثيرون منهم أيضا الذين أتوا به في 30 يونيو ، وفي عهد عدلي منصور وقعت أوسع انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر في الشوارع أو السجون والمعتقلات طالت الصحفيين والإعلاميين والحقوقيين وعشرات الآلاف من المواطنين وفتحت السجون أبوابها على أوسع نطاق ، حيث ثبت أن من تم اعتقاله أو سجنه حتى لا يعتب علينا هواة الشكل وليس المضمون أكثر من أربعين ألف مواطن خلال عام واحد ، ويكفي عدلي منصور عارا أنه في عهده كانت قرارات الحبس الاحتياطي للمعارضين السياسين أكثر من جميع قرارات الحبس الاحتياطي للسياسيين منذ الحملة الفرنسية على مصر وحتى اليوم ، وعدلي منصور هو صاحب أسوأ القوانين والتشريعات الاقتصادية التي تمثل حماية للصوص المال العام وشل يد القضاء عن مناقشة العقود مع المستثمرين ، وهو القانون المعروض الآن على المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستوريته ، وهذا القانون هو "خازوق" لأي رئيس يأتي بعده ، لأنه يشل يده عن مراجعة أي قرارات أو عقود انتهت لنهب المال العام وأراضي الدولة ، قضي الأمر بتحصين عدلي منصور ، ولا يحق له مراجعتها ، وعدلي منصور هو الرئيس الذي شهدت فترة حكمه أسوأ انهيار للاقتصاد المصري حتى وصلنا إلى مستوى التسول والارتهان لدول الخليج وغلق آلاف المصانع وتسريح مئات الآلاف من العمال والموظفين واتساع نطاق البطالة بصورة مخيفة وانفلات ، صحيح أن الكثيرين كانوا يرون هذه الأمور خارج إمكانياته وقدراته ولذلك كانوا ينتظرون "الرئيس الحقيقي" لإنقاذ الوطن ، حسنا ، إن كان يعتبر نفسه خيال مآته لا بأس ، ولكن عندما يعتبرونه رئيسا للجمهورية فهو مسؤول بصفته رئيسا للجمهورية وليس بصفته خيال مآته ، وفي عهد عدلي منصور انتشر الانفلات الأمني على أوسط نطاق واتسع نطاق عصابات الجريمة المنظمة ، حتى أصبح القضاة أنفسهم ملطشة لقطاع الطرق وبعضهم تحول إلى رهينة لدفع الإتاوات لعصابات الجريمة ، وفي عهد عدلي منصور تحولت شوارع مصر إلى أسواق شعبية فوضوية وسيطر البلطجية عليها وعلى محطات المترو ويمكن لأي مواطن مشاهدة وسط القاهرة أو محطة مترو العتبة في قلب العاصمة لكي يدرك أنه لم تكن هناك سلطة أصلا ، وهذا كله يتحمله عدلي منصور . أعرف أن كثيرين يرون أنه لم يكن يملك من أمره شيئا ، وأنه كان متفرغا لتنفيذ طلبات إصدار قوانين وتشريعات لحسابات خاصة بقوى نافذة ، وإعطاء النياشين والرتب العسكرية التي ربما لا يعرف هو نفسه ماهيتها وتراتبيتها ، وأعرف أن البعض كان ينظر إليه كواجهة للتغطية على أصحاب القرار الحقيقيين في المرحلة الانتقالية وتشكيل مظلة دستورية شكلية لحمايتهم من تحمل المسؤولية المباشرة ، وهناك من يرى أنه أدى دوره فيها كما طلب منه ، ولكنه كان دستوريا رئيس الجمهورية ، وإذا قسناه بهذه الصفة ، وأمامه حصاد العام الذي رأس الجمهورية فيه ، سياسيا وأمنيا واقتصاديا وقانونيا وإنسانيا ، فسوف ندرك بسهولة وبديهية أنه كان الأسوأ على الإطلاق في تاريخ مصر السياسي .