في كل يوم تطلع علينا شمسه تبتعد فكرة المصالحة الوطنية -للأسف -عن المشهد السياسي فيتعمق بذلك الخلاف ويطول أمد النزاع وتكثر أعداد الضحايا ويزداد السخط بين أبناء الوطن الواحد ،والعجيب أن حملة المرشحين الرئاسيين تؤكدان على استبعاد جماعة الإخوان من العملية السياسية وكأن هذه الفكرة تعد من الدعاية الانتخابية الفذة التي تكسب أنصارا جددا !! والأغرب من ذلك أن يتصور البعض أن هذا مطلب شعبي يلزم تحقيقه ،بل وعهد على المرشح الرئاسي يجب الوفاء به !!
إننا لابد وأن ندرك أن فكرة الإقصاء بشكل عام تطعن في صلب آليات العمل الديموقراطي، بل وتؤسس لنظام ديكتاتوري يتخلص من خصومه مع أي فرصة تلوح له، ولقد كنت معارضا للمادة التي وردت في دستور 2012 ونصت على استبعاد قيادات الحزب الوطني لعشر سنوات قادمة ، ولقد صرحت وقتها بأن هذا لا يصح، بل يجب أن يترك ذلك للشعب كي يقول كلمته ويختار من ثبت صلاحه منهم أما الفاسدون فسوف يحاسبهم القضاء وليس بنصوص تشريعية يتحكم فيها التيار الغالب ، ولقد قلت ذلك ليس من باب توقع تغير الحال أو تبادل المواقع، ولكن كان من باب العدل ، إذ لا يعقل أن يعاقب أناس بجريرة غيرهم ، فليس معنى إنتماء بعض الشخصيات العامة إلى الحزب الوطني أنهم كانوا مفسدين ، ولا زلت عند رأيي هذا في عدم اقصاء أحد لكوني عانيت في مرحلة سابقة من الإقصاء والاضطهاد وأعلم أحاسيس المظلوم، وبالتالي لا أحب أن يعيش شخص وهو ساخط على حكامه يدعو عليهم بالليل والنهار جاء في الحديث الشريف ( اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب)
ومن خلال مشاهداتي في الحياة تحققت من صحة قول بعض العلماء ( ان كثرة العتاب تورث البغضاء ) فما رأيت اثنين تعاتبا إلا ووقعت بينهما الضغينة لكون المعاتب يحرص على تخطئة الآخر الذي يدافع بدوره عن نفسه بذكر أخطاء معاتبه، ومارأيت اثنين جلسا للصلح بغير عتاب إلا وحدثت بينهما الألفة والوفاق، وازدادت المحبة وطويت صفحة الماضي، ولذلك جاء في تفسير قول الله تعالى : ( فاصفح الصفح الجميل) أنه الذي ليس فيه عتاب
ونحن اليوم في انتظار أداء الاستحقاق الإنتخابي الرئاسي كنت أود ان تكون الأجواء نقية صافية بعيدة عن رائحة الدخان وصوت طلقات الخرطوش، بل وكنت ارجو ان تنجح مساعي الوساطه في حل الأزمة الراهنة فتتم الانتخابات بمشاركة الجميع لأن اعتماد فكرة الإقصاء معناها استمرار الصراع بين الحكومة ومعارضيها ،وهو أمر لا يوفر مناخا صالحا لبناء وطن نحبه ونقدره.
ونظرا لأن الوقت قد ضاق بنا عن اتمام مصالحة وطنية قبل الاستحقاق الإنتخابي فإن دور الرئيس القادم لابد وأن يثبت على قائمة أولوياته قضية لم شمل الوطن كله كي يتحرك به وبلا عراقيل تؤخر من المشروع الوطني المنشود
إننا نمر بمرحلة خطيرة في تاريخنا المعاصر، وفي كل يوم يمر علينا نتضرر كثيرا على المستوى المادي، وعلى مستوى العلاقات الإجتماعية في وقت نحن أحوج مانكون فيه الى وحدة الصف وترك النزاع ،فعلى الرئيس القادم أن يستوعب دوره الوطني في حشد الجهود من اجل مصر والابتعاد عن فكرة الإقصاء، بل والسعي الجدي في الإفراج عن المعتقلين المحبوسين على ذمة قضايا التظاهر، واعادة النظر في القضايا الاخرى
هذا واوصي القضاء المصري ان يراعي الموقف السياسي ويتفهم حالة الخصومة التي يشهدها المجتمع فلا يضع العراقيل امام القيادة الجديدة بأحكام القضاء التي اودعت اعدادا كبيرة خلف القضبان.
هذا ونسأل الله تعالى التوفيق للمصرنا الغالية والنجاح لمساعي لم الشمل والوفاق فهو ولي ذلك والقادر عليه