لا أقلل من قدر بطل حرب أكتوبر 1973، ولكني حينما وضعته في مقارنة مع بطل يناير 2011، وجدت أن الأخير كان الأكثر بطولة. وقبل أن ينهال علي القارئ بوابلٍ من الانتقادات، وقبل أن يصب علي جام غضبه، دعوني أطلعكم على الأسباب التي دعتني إلى الوصول إلى مثل هذا الرأي الذي ربما قد لا يعجب الكثيرين. صحيح أن أبطال حرب أكتوبر قد بذلوا الغالي والنفيس في سبيل تحرير الأرض، إلا أنهم كانوا في نهاية الأمر عسكريين مدججين بالسلاح والعتاد الحربي، ومدربين على فنون ومهارات القتال الميداني؛ وهو ما لم يتحقق مع أبطال ثورة يناير الذين كانوا مدنيين، غير مدججين بأي سلاحٍ أو عتاد؛ والذين نزلوا إلى شوارع وميادين مصر حاميلن أرواحهم على أكتافهم؛ والذين كانوا يصرخون "سلمية" "سلمية" تحت نيران الرصاص الحي والرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع. لا أحد يستطيع نكران بسالة وجهاد ومقاومة الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973، إلا أنه كان – في نهاية الأمر - جيشاً مسلحاً مهاجماً، اختار بنفسه توقيت الهجوم على العدو الإسرائيلي. وذلك على عكس ثوار 25 يناير 2011الذين فوجئوا بالهجوم "المصري" عليهم من كل حدبٍ وصوب، دون أن يكون معهم أي سلاح للدفاع عن حياتهم. نعم كانت مفاجأة مفجعة ومؤلمة.. فالمهاجم في ثورة يناير كان مصرياً وليس إسرائيلياً. كان ثوار يناير المصريين في مواجهة مع ر"جال الأمن" المصريين، مع بني جلدتهم الذين أرادوا تركيعهم بضربات النار. وفي ظل كل هذه التحديات، صمد ثوار يناير ووقفوا ثابتين مدافعين بأجسادهم وصدورهم عن شرف المصريين وعزتهم وكرامتهم. جعلوا من أجسادهم أسلحةً يجاهدون بها ضد استبداد النظام. تحدوا الخيانة...تحدوا لهيب الرصاص وهم عزل...تحدوا الهجوم الدموي من بني جلدتهم. ألا يستحق ثوار يناير – بعد كل ذلك – أن يكونوا الأكثر بطولة لأنهم كانوا الأكثر تضحية؟ هذه المقارنة جعلتني أعيد النظر في هؤلاء الشباب المصريين الذين طالما كنت أصفهم بالسلبية واللامبالاة، ولاسيما بعد احتكاكي وتفاعلي معهم – كمدرس - في قاعات المحاضرات بجامعاتٍ مختلفة. فقبل ثورة 25 يناير، كنت دوماً أخرج بانطباع يقول إن هؤلاء الشباب ليس فيهم أمل؛ فهم سطحيون إلى أقصى درجة؛ لا يُقَدرون العلم والمعرفة؛ لا يعرفون البحث والتحليل بسبب كسلهم المُفرط. وكنت يائسةً أشد اليأس على حال هؤلاء الشباب، متخوفةً أشد الخوف من ذلك المستقبل الذي سيصنعونه في يومٍ من الأيام. إلا أنه بعد يوم 25 يناير 2011، تبدلت الصورة بالنسبة لي. اكتشفت أن انطباعي كان خاطئاً..اكتشفت سوء ظني بتلك الفئة الشبابية التي ما كنت أحسب أنها تختزن كل تلك الإيجابية الوطنية، وتلك الفاعلية الإنسانية المبهرة الراقية، وذلك المخزون الحضاري الوافر الذي لم تفلح عقود الاستبداد في اقتلاعه. إنها تلك الفئة التي حركت الثورة المصرية عبر الفيس بوك، وعبر اللجان الشعبية، والتي ما زالت تُحرك الثورة حتى تحفظ بقاءها ومنجزاتها. لقد وجدت هذه الفئة الواعدة – بالعصي في أيديها - تحمي بيوتنا وبيوت جيراننا في المنطقة السكنية التي نقطن فيها. كانت هذه الفئة تسهر على حمايتنا من أحداث السلب والنهب والاعتداء دون أن نطلب منها ذلك؛ كانت تحفظ أمننا دون أن تعرفنا أو نعرفها. أظن أن هذه الفئة كانت تختزن لديها مخزوناً فطرياً سليماً؛ إلا أنه كان مختبئاً وراء سلوكيات غير سليمة بسب ممارسات القهر والطغيان على يد النظام السابق. فما إن جاءت اللحظة الحرجة حتى تجلى ذلك المخزون الفطري السليم، مُظهراً المعدن الحقيقي لهذه الفئة. فإذا بها تتصرف بمنتهى الشهامة والشجاعة والمروءة والنبل والرقي والإنسانية. حقيقةً...أريد أن أرفع القُبعة لهؤلاء الشباب، راجيةً أن يتقبلوا معذرتي، آملةً أن يظلوا على دربهم، ناصحةً لهم بأن يظلوا في محيط شعبهم الذي احتضنهم وساندهم ونزل معهم إلى الشوارع والميادين. فنجاح هذه الثورة لا يأول فقط إلى الشباب بل إلى الشعب أيضاً. وهو ما يجب أن يتنبه إليه الشباب جيداً...لأن هناك من القوى الغربية التي تريد أن تفصل بين الشباب والشعب لتنفرد بالشباب وحده وتُملي عليه رؤيتها وسياستها. فانتبهوا أيها الأبطال...