نكمل الحديث فيما بدأناه في المقالين السابقبي ونتحدث عن الرؤية المستقبلية لبعض قضايا للبحث التربوى، حيث يمكن تقديم بعض الملامح لرؤية مستقبلية لقضايا البحث التربوى ، والتى يمكن ان تتمثل فيما يلى : 1- وضع إستراتيجية وسياسة بحثية محددة للبحث العلمي التربوي في مصر، تنطلق منها الخطط البحثية طويلة المدي وقصيرة المدي، لجميع كليات التربية بمصر ومراكز البحوث التربوية، ليسير عليها الباحثين، وتحديد القضايا التربوية الوطنية التي تحتاج إلي البحث والدراسة وتوزيع الأدوار البحثية (العامة) علي كليات التربية، وبعد إستقرار الكليات علي موضوعاتها البحثية، توزع الأدوار البحثية (الخاصة) علي الأقسام التربوية ليسهم فيها الجميع بروح الفريق، وذلك وفق جدول زمني مقترح للإنتهاء منها ووضع لوائح مالية مرنة للبحث العلمي التربوي، والأمر هنا يحتاج إلي زيادة الدعم المخصص للباحثين داخل الجامعات التي يعملون بها، ومن قبل المؤسسات التي تتأثر بالقرارات ومشكلاتها وإنعكاساتها، وحث المؤسسات ورجال الأعمال علي الإسهام في تمويل البحث العلمي التربوي. 2- التوسع في إجراء البحوث والدراسات البينية Interdisciplinary التي تقوم علي أكثر من تخصص (إتساقاً مع دعوات العصر، وحدة المعرفة- عالم المعرفة- مجتمع المعرفة- الإعتماد المتبادل) والتخفيف من حدة الفصل المتعمد بين التخصصات المختلفة – حيث إن الفصل التام - أمر فضلاً عن أنه عسير، - فإنه لا يتسق مع منطق الواقع وحركة الحياة – ولا سيما أن كثيراً من القضايا متشابكة الأبعاد وتزخر بكثير من المتغيرات التي من الصعب حصرها في مجال تخصص واحد، وأن توجه البحوث والدراسات التربوية إلي الإحتياجات المستقبلية (البحوث المستقبلية) وأنماط التغير المتوقعة والمستهدفة في المجتمع، فلقد أصبحت البحوث وسيلة للإستجلاء الحاضر والتخطيط لإستشراف المستقبل، وذلك في إطار العنصر الحاكم في أية عملية تعليمية أو تربوية أخلاقيات البحث العلمي وثقافتنا العربية الإسلامية. ولعل ذلك يتطلب ضرورة الاخذ بمفهوم العوامل المتعددة فى تفسير الظاهرة الاجتماعية والتربوية ، فهى من التعقيد بحث لايمكن ارجاعها الى عامل او سبب واحد ، وانما هناك عوامل متعددة متداخلة ومتفاعلة ، ينبغى الكشف عنها وتحديد وزن كل منها فى احداث الظاهرة ، وتفسير كل ذلك فى السياقات المجتمعية المرتبطة بها . 1- تطوير النشر العلمي، وزيادة أعداد المجلات الصادرة سنويا واختيار محكمين يتمتعون بالنزاهة والموضوعية، ويلتزمون بالمواعيد في تحكيم البحوث، مع زيادة الاهتمام بالتزام الدوريات العربية بالمدة والسرعة في الرد على الباحثين باستلام بحوثهم وتحكيمها ضمن فترة زمنية محددة يبلغ بعدها الباحث بقبول أو رفض البحث ، فالنشر العلمي يمثل إحدى أهم آليات إثراء المعرفة العلمية ، وتحقيق متطلبات التبادل المعرفي ، نظرا للدور الذي يلعبه في إيصال الجهد البشري الرصين إلى من يعنيه الأمر، ولقد عززت قيم التنافسية الدولية من مكانة النشر في المجلات العلمية المتقدمة في قواعد النشر العالمية، تبعاً للأثر العالمي للبحوث المتميزة المنشورة في هذه ا لمجلات، والذي يعكسه كم الاستشهادات بما تتضمنه هذه البحوث من قبل الباحثين في مختلف دول العالم. 4- تشجيع التعاون بين الباحثين لإجراء بحوث جماعية للتصدي للقضايا المرتبطة بحاجة المجتمع، من خلال تشكيل لجان وفرق بحثية يرأسها أستاذ يقدم المشورة والإرشادات لأعضاء الفريق بهدف التصدي لمشكلات مجتمعية ، واختيار المشكلات التربوية الواقعية ذات العلاقة بالعملية التعليمية داخل مدارس التعليم العام( منهجا وأسلوبا وتدريبا وتقنية وتقويما)، ويمكن ان يتم ذلك من خلال وضع حوافز للأبحاث الجماعية أو المشتركة وبالذات ما يتعلق منها بالترقية لأنها تضمن تعاون أعضاء هيئة التدريس في تنفيذ البحث الواحد، ولذلك ينتظر من آل منهم أن يثري البحث من خبراته الخاصة آما ينتظر في الوقت نفسه أن يثري كل منهم خبرات الآخرين إذا كانت لديه خبرة أو معرفة غير متوفرة لدى الآخرين 0 5- الاهتمام بالأخذ بالمدخل المنظومى في إجراء البحوث التربوية ، يعتبر المدخل المنظومي من المداخل الحديثة التي يحاول الباحثون في التربية استخدامها من أجل فهم الظواهر التربوية بأبعادها المتعددة المتداخلة، وحتى يمكنهم مسايرة الطبيعة المعقدة للمشكلات التربوية التي تتأثر بمجموعة متفاعلة من المتغيرات المختلفة ، أن المدخل المنظومى يختلف عن مداخل البحث الخطية في أن الأخيرة تفترض إمكانية فهم وتفسير الظواهر التربوية المعقدة إذا أمكن تجزئتها إلى مكوناتها الأصلية والكشف عن العلاقات المتعددة بين هذه المكونات. 6- الاهتمام بالبحوث النوعية أو الاثنوجرافية في المجال التربوي ، مع العمل على وضع مجموعة من البرامج لتطوير مهارات البحث النوعي لدى أعضاء هيئة التدريس او ما يسمى بالبحوث الاثنوجرافية ، فالاثنوجرافيا Ethnogarphy ليست منهجية بحثية تختص بالدراسات الانثروبولوجية وحدها ، بل اتسع مداها إلى كل العلوم الاجتماعية ومن بينها التربية كمدخل كيفى لابد من استخدامها وتوظيفها في المجال التربوي . 7- التاكيد على البحوث ذات الطبيعة التطبيقية وتوظيفها لخدمة العملية التعليمية وتقديم الحلول لمشكلاتها ، وان يشارك افراد العملية التعليمية فى تلك البحوث من خلال تخطيط البحث ووضع اهدافه وتحديد ادواته وجمع وتحليل بياناته فيما يسمى ببحوث المشاركة . ان البحث التربوى مدعو الى الارتباط بالواقع وان تكون استفادته بالتقنيات البحثية والاساليب الاحصائية فى الحدود التى لا يكون فيها تجنيا على الظاهرة التربوية باقحام ما لايناسبها من تلك الاساليب وادوات القياس ، فالقياس النفسى والتربوى من الوسائل الضرورية لقياس وتقييم اى ظاهرة تربوية اجتماعية ، ولكن الاستخدام الكلى والاعمى لادوات القياس المستوردة من الخارج يشكل احد العوامل الاساسية التى ادت الى فشل الكثير منها وبالتالى تظل هذه الادوات وسيلة خطيرة ما لم ينظر الى التاثير الحضارى عليها. 8- الاهتمام بالبحوث التى تتعلق بالفرضيات السببية والشرطية - بدلا من البحوث ذات الفرضيات الارتباطية والفرقية- ، والى تعد من أكثر البحوث قدرة على تفسير الظاهرة التربوية بتعقيداتها وتشابكها وتداخل العوامل المؤثرة فيها . 9- تطوير آليات البحث التربوي : حيث شهدت العقود القليلة الماضية تطوراً سريعاً للكثير من المداخل العلمية التي يمكن إستخدامها في تطوير مسار حركة التربية والبحث فيها ، ورغم تطور هذه المداخل ونجاح إستخدامها في العلوم الأخري فإن إستخدامها بواسطة الباحثين في مجالات التربية ظل محدوداً غير مفيداً في تطوير حركة البحث التربوي. وقد يرجع ذلك إلى سيطرة بعض التقاليد البحثية وسيادتها فترة طويلة من الزمن مما أصبغ عليها رداءاً من الصحة المطلقة والثبات الراسخ الذي لا يتزعزع لدرجة أصبح الكثير من الباحثين معها يعتقدون بأن البعد من قريب أو بعيد عن الإطار التقليدي المتعارف عليه للبحث التربوي يمثل خطأ علمياً مؤمنين بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وكأن مداخل وأساليب البحث التربوي لا تتطور مع الزمن- مثلها في ذلك مثل كل شئ في عالمنا المعاصر- وكأن مداخل وأساليب البحث في التربية تمثل قوالب جامدة تصب فيها عقلية الباحث ويتحول من فكر فيلسوف إلى مجرد فني متعثر يضيع وقته في تنفيذ إجراءات وآليات روتين لاطائل منها، ولذلك لا مجال لتطوير البحث في العلوم التربوية دون تطوير الآليات المستخدمة في جمع البيانات وتصميم التجارب وتحليل النتائج ، ولذلك يجب علي الباحثين في التربية إذا أرادوا جذب إهتمام العاملين في الميدان التربوي لبحوثهم ، وارداوا استخدام هذه البحوث في تطوير العملية التعليمية أن يقوموا بتطوير الآليات التي يستخدمونها من أجل التوصل إلى بحوث علي درجة عالية من الجودة تفرض نفسها علي العاملين بمجال التربية وصناع القرار التربوي. وبالله تعالى التوفيق
* أستاذ ورئيس قسم أصول التربية ووكيل كلية التربية– جامعة المنوفية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.