تفجرت منذ أيام أزمة بين منظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة "فتح" وبين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي فازت فوزا كبيرا في الانتخابات الفلسطينية التشريعية الأخيرة،والذي فجر هذه المشكلة أو قل افتعلها هم قادة حركة "فتح" اللذين فشلوا فشلا ذريعا في الانتخابات الأخيرة ثم رفضوا منذ أول يوم المشاركة في حكومة وحدة وطنية برئاسة حماس،ثم بدأت تظهر على السطح محاولات واضحة لإفشال حكومة "حماس" ووضع العراقيل أمامها،وواضح من المشكلة الأخيرة التي تتعلق بمطلب غير موضوعي وهو ضرورة الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني قبل إقرار حكومة حماس من المجلس التشريعي،أقول أن الواضح هو تعطيل إجراءات ترسيم الحكومة الجديدة التي شكلتها "حماس" حتى تمر القمة العربية التي تُعقد الآن في العاصمة السودانية "الخرطوم" بدون مشاركة حماس فيها وهو ما تحقق بالفعل،وإن كنت أظن أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد فهناك أطراف عديدة تسعى سعيا حثيثا لإفشال حكومة "حماس" وها هو ذا الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) يغير من موقفه الإيجابي بالاعتراف بنتائج الانتخابات ويتجه مع باقي قادة "فتح" لتعطيل "حماس" وبدأ بتهديدها باستعمال صلاحياته لتحقيق ما اسماه مصلحة الشعب الفلسطيني الذي يصر فيها على تكرار الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها "فتح" والمنظمة (أي منظمة التحرير) بالاعتراف المجاني بإسرائيل قبل الوصول إلى أي حل حقيقي على أرض الواقع، ولنعد إلى أصل الموضوع ما هي حكاية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد ؟ لقد نشأت حركة التحرير الفلسطينية والتي اتخذت من الحروف الأولى لهذه الكلمة معكوسة اسم (فتح) عام 1964 بدأت كمنظمة جهادية تسعى لتحرير فلسطين من الاحتلال وكانت حركة وطنية بمسحة إسلامية في بدايتها،نظرا لخلفية كثير من قادتها الأوائل الإسلامية نظرا لسابق اتصالهم بالحركة الإسلامية وخاصة "الأخوان المسلمين" مثل أبو عمار وأبو جهاد وغيرهم،وشارك كثير من رموز الحركة الإسلامية في القتال والجهاد من خلال فتح وخاصة بعد هزيمة يونيو عام 1967،لكن مع الوقت والضغوط الدولية والعربية تحولت "فتح" إلي الشكل العلماني،فبدأت الرموز الإسلامية بالهروب منها،في ذلك الوقت ظهرت منظمات يسارية وخاصة ماركسية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية وغيرهم فبادر ياسر عرفات بتأسيس منظمة جديدة تستوعب كل المنظمات الفلسطينية لتوحيد جهودها في العمل على تحرير فلسطين فكانت نشأة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1969،وبالطبع وضع نظاما لتشكيلها يضمن هيمنة "فتح" التي يرأسها على كل تشكيلات المنظمة مع السماح بتمثيل ضعيف لباقي المنظمات الفلسطينية التي كان بعضا منها واجهة لأنظمة عربية تمولها،وسعى عرفات الذي رأس المنظمة لانتزاع اعتراف بالمنظمة من خارج الشعب الفلسطيني وخاصة من الدول العربية حتى حصل على هذا الاعتراف عام 1974 في قمة عربية،وسعى بعد ذلك لجمع اعتراف من بعض الدول الأخرى غير العربية،والحقيقة أن "فتح" وكثير من المنظمات الأخرى قدمت شهداء وضحايا للدفاع عن القضية طوال هذه الفترات،لكن مع السماح بتدخل الأنظمة العربية المختلفة بدأت المنظمة تفقد استقلالها في اتخاذ القرارات وتجلى ذلك في اتفاق أوسلوا عام 1994 والتي عقدته المنظمة تحت ضغط ظهور منظمات جديدة خارج منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة حركتي "حماس" و "الجهاد الإسلامي" وهما قد ظهرا إلى الوجود العلني كحركة مقاومة في أعقاب انفجار الانتفاضة الأولى عام 1987 وقد كانت "حماس" تحول للحركة الإسلامية الفلسطينية التي هي فرع من حركة الإخوان المسلمين مع تأثر قيادات غزة بحركة الإخوان في مصر وتأثر قيادات الضفة الغربية بقيادات الإخوان بالأردن وقد ظلت حركة الإخوان منذ عام 1967 حتى 1987 حركة اجتماعية تربوية دعوية لم تمارس عملا قتاليا ولا جهاديا طوال هذه الفترة خاصة بعد انسحاب رموزها من حركة "فتح" بعد تحولها نحو العلمانية،وبدا في الأفق أن الرصيد الاجتماعي والدعوي والتعليمي الذي أسسته حركة الإخوان في فلسطين قبل تحولها إلى "حماس" قد ساهم في ميلاد حركة مؤثرة منذ البداية،وبدأت تحصد نتائج شعبية إيجابية في الانتخابات خاصة في انتخابات النقابات المهنية أو الجمعيات المهنية واتحادات الطلاب في الجامعات الفلسطينية المختلفة ولذلك منذ أوائل التسعينيات حاول ياسر عرفات ضم حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية وكان شرط قادة حماس حصولها على نسبة 40% من مقاعد المنظمة وهي أقرب نسبة لتواجدهم في الشارع الفلسطيني حسب حسابات "حماس" في ذلك الوقت،وبالطبع رفض أبو عمار واستمر الحال على ما هو عليه،ومع تطور المواقف على الأرض وبعد دخول عرفات إلى غزة وكثير من قيادات فتح بالخارج لترأس السلطة الفلسطينية التي أوجدتها اتفاقات أوسلوا التي رفضتها حماس وقاطعت الانتخابات التي جاءت بها واستمر تأثير حماس يتزايد حتى تم الاتفاق منذ ما يزيد على عام في القاهرة على وجوب إعادة تشكيل المنظمة على أسس جديدة مع اشتراك باقي الفصائل التي هي غير ممثلة منها وخاصة حماس والجهاد الإسلامي،لكن قادة "فتح" ماطلوا في تطبيق هذا البند حتى تمت الانتخابات وفوجئوا بنتائجها التي أسفرت عن فوز حماس بأغلبية مريحة قلبت الموازين،فعادوا فجأة يحيون منظمة التحرير بعد موات سنوات عديدة،وطالبوا بطلب مستفز وهو ضرورة اعتراف حماس بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني قبل أن يدخلوا فيها بتمثيل عادل،والسؤال هنا ماذا يقولون عن اختيار الشعب الفلسطيني الكاسح لحماس؟ ألم يعطها أذن هذه المشروعية كأكبر ممثل للشعب الفلسطيني وإن كان ليس الممثل الوحيد وإن كان الممثل الأكبر،ألم يكن أحرى بهؤلاء أن يسارعوا بدعوة اللجنة التي تم الاتفاق على تشكيلها في اتفاق القاهرة من أمناء الحركات والمنظمات والجماعات الفلسطينية لإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية بشكل عادل بدلا من الطلب المستفز والذي حرضوا عليه قبلهم الجبهة الشعبية لتكرر هذا الطلب الغريب المستفز قبل أن يشاركوا هم وحركة الجهاد فيها . أظن أن هذا الموضوع لن يكون الأخير في سلسلة الطلبات غير المنطقية والعراقيل التي ستُفتعل لتعطيل حكومة حماس من أطراف عدة على رأسها قيادة "فتح" التي فشلت في الحصول على ثقة الشعب الفلسطيني فشلا ذريعا . E. mail : [email protected]