بمناسبة أحداث الانتخابات الفلسطينية وفوز حماس بها سأرجأ استكمال الحديث عن تميز الوسط لمرة قادمة بإذن الله ، فمنذ ثلاثة أيام مضت وبالتحديد يوم الخميس الماضي الموفق 26 / يناير 2006 ظهرت نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية والتي جرت في اليوم السابق 25 يناير، والتي أسفرت عن فوز كبير لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) والتي فازت بعدد 76 مقعدا من إجمالي عدد المقاعد والبالغ 132 مقعدا أي بنسبة 57 % من عدد المقاعد ، في حين حصلت حركة فتح الموجودة في السلطة والمسيطرة عليها منذ إنشائها بعدد 43 مقعدا بنسبة 32 % من المقاعد ، مما اعتبره الكثيرون زلزالا قد حدث في الأراضي الفلسطينية له تداعياته ليس فقط على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ولكن على المنطقة العربية وعلى العلاقات الدولية بشكل عام ، والحقيقة أن التعليق على الذي جرى يحتاج لكلام كثير وأظن أن الكثير منذ اللحظة الأولى قد فعل هذا ولكن اليوم أنظر إليه من خلال ثلاث محددات مركزة وهي المفارقات والدلالات والأسئلة . أما المفارقات التي لها علاقة بهذا الحدث الهام والكبير فكانت في مواقف أطراف مختلفة ، ففي الوقت الذي ساد شعور بالسعادة لدى شرائح واسعة من الشعوب العربية ساد حزن وأسى لدى الكثير من الإدارات الغربية ناهيك عن إسرائيل بالطبع ، كذلك ففي حين كان موقف السلطة الفلسطينية ممثلة في رئيسها أبو مازن وقياداتها إيجابيا وديمقراطيا في نفس الوقت حيث أصر الرئيس الفلسطيني أبو مازن على إجراء الانتخابات في موعدها وبشكل نزيه وشفاف بشهادة النتائج أكثر من شهادة المراقبين الدوليين ، والتي أتم موقفه بقبول هذه النتائج والتسليم بها والاستعداد لعملية التداول السلمي للسلطة بشكل فريد وغير مسبوق في المنطقة العربية ، رأينا موقفا غريبا من كثير من الأطراف الغربية ناهيك عن المواقف الإسرائيلية الرافضة للقبول بنتائج الديمقراطية ومهددة بإجراءات في مواجهة هذه النتائج فإذا كان الأمر مفهوما من سلطة الاحتلال ( إسرائيل ) فهو غير مفهوم من أطراف أوربية مثل ألمانيا ( هدد أحد وزرائها بمنع المنح والمساعدات الألمانية للشعب الفلسطيني ) وتكرر الأمر من الإدارة الأمريكية ومثله إيطاليا ودولا أخرى وكذلك من المفارقات أنه في أثناء ردود الأفعال السريعة على ما جرى من الأطراف الذي ذكرتهم بما فيهم الطرف الأمريكي الذي بدت تصريحاته مرتبكة فأحيانا رافضة وأخرى تعتبر هذه النتائج مفيدة في طريق التحول الديمقراطي ومؤكدة على عدم التعامل مع حماس طالما تدعوا إلى تدمير إسرائيل أقول أن الطرف العربي وأقصد الحكومات والسلطات العربية لاذت بالصمت الطويل باستثناء حاكم واحد هو أمير قطر الذي هنأ الرئيس الفلسطيني بالانتخابات وهنأ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس بالفوز ، والشخصية العربية الثانية كان أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى الذي طالب باحترام رغبة الشعب الفلسطيني في اختياراته وأن لحق بهذا تصريح توقع فيه التزام الحكومة الفلسطينيةالجديدة ( يقصد التي تشكلها حماس ) بالمبادرة العربية للسلام في بيروت ، أقول باستثناء هذين الصوتين لم نسمع أي تعليق من أي مسؤول عربي آخر طوال اليومين الأولين للنتائج في حين سمعنا معظم القادة الأوربيين والأمريكيين والروس وغيرهم ناهيك كما ذكرت عن تعليقات المسؤولين الإسرائيليين المتوقع ، وأما الدلالات السريعة فإن نتائج الانتخابات البرلمانية من هذا النوع لا يمكن إرجاعها إلى سبب واحد لكن لها عدة أسباب في هذه الحالة الفلسطينية ينطبق عليها ذات الأمر ، فحماس بالرغم من قصر عمرها كحركة سياسية بهذا الاسم ( حيث تأسست في ديسمبر عام 1987 ) استطاعت أن ترسم لنفسها صورة واضحة لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية من كونها منظمة جهادية قامت كحركة مقاومة للاحتلال وتحمل مشروعا سياسيا في ذات الوقت ، أي منذ اندلاع الانتفاضة الأولى ثم في الفترة البينية بين الانتفاضتين ثم في الانتفاضة الثانية انتفاضة الأقصى الني اندلعت في سبتمبر عام 2000 ، وهذا الوضوح في المواقف هو أكثر الأمور التي تؤثر في الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية بشكل عام ومنذ أول يوم وهي تدفع أي ( حركة حماس ) ثمنا باهظا لهذه المواقف سواء من اغتيالات وقتل وسجن من الطرف الإسرائيلي وكذلك إبعاد ولا ننسى مبعدي ( مرج الزهور) وغيرهم ، كما أنها تعرضت أيضا للاعتقال من طرف السلطة في فترات مختلفة وإن كان رد فعلها إيجابيا فلم تدخل في صدام مع السلطة في أي مرحلة نتيجة نضج الطرفين حماس والسلطة الفلسطينية أيضا ، والحقيقة أن دماء الشهداء من جميع القوى الفلسطينية ساهمت في مقاومة الاحتلال منذ فترة طويلة لكن في المراحل الأخيرة هناك دماء أعلى قيادات للحركة وعلى رأسهم اغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين مرشد الحركة وزعيمها في الداخل ثم الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أبرز قيادتها بالداخل أيضا ، أعتقد أن هذه الدماء الذكية كان لها أثرها في التصويت الأخير من الشعب الفلسطيني لهذه الحركة التي قدمت شهداء من كل صفوفها بما فيها قيادات الصف الأول . أيضا من الدلالات الهامة استقامة رموز حماس على المستوى الشخصي من طهارة اليد في حين أن كثير من عناصر السلطة اللذين هم في نفس الوقت عناصر فتح متهمون بالفساد والتربح والمحسوبية وإساءة استخدام المال العام والوظيفة العامة ، ولعل هذا من أهم الأسباب أيضا التي ساهمت في النتيجة الأخيرة ، كذلك استبداد القيادة أو فصيل منها داخل فتح بالسلطة وتمرد كثيرين من عناصرها ضد هذا الاستبداد ومحاولة إجراء انتخابات داخلية لكنها فشلت ، كل هذا ساهم في هز صورة فتح مقابل الصورة المتوازنة لحماس ، كذلك حالة الانفلات الأمني التي سادت في فترات متباينة وخاصة في الفترة الأخيرة حيث دأبت عناصر من فتح المسلحة على القيام بعمليات عسكرية عنيفة ضد أطراف أخرى في السلطة أو خارجها وتستجيب لها السلطة ولا تقوم بمحاسبتها وآخرها العدوان على الحدود المصرية في رفح ولم تقم السلطة بمحاسبة المعتدين بل استجابت لطلباتهم وأفرجت عن أحد عناصرهم المتهمين بخطف أجانب في غزة ، كل هذا الفلتان الأمني ساهم في هز صورة فتح أمام الناخب الفلسطيني مقابل انضباط عناصر حماس . وآخر الدلالات الهامة في هذا المقام هي رفض فتح الدائم لإشراك حماس في تركيبة منظمة التحرير الفلسطينية حتى تساهم في تصور التحرير من الاحتلال وإدارة هذه المعركة ، وذلك منذ عهد المرحوم ياسر عرفات الذي رتب منظمة التحريرعلى أساس هيمنة فتح ثم أدوار أقل لبعض الفصائل الأخرى المرتبطة بالمنظمة ، وأراد أن يطبق هذا على حماس فرفضت وطلبت نسبة 40 % من مقاعد المنظمة ولكن الرئيس عرفات رفض ، ثم تم الاتفاق على المشاركة في المنظمة في مفاوضات القاهرة الأخيرة وإن كنت لا أعلم نسب توزيع التمثيل داخل المنظمة ، لكن قيادات فتح تلكأت في تطبيق هذا الاتفاق فماذا ستفعل الآن بعد فوز حماس ب 57 % من مقاعد المجلس التشريعي ، أقول أن نتائج هذه الانتخابات لها دلالة في هذا الشأن فيما يخص حجم حماس في تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية في الوقت الحاضر . وإذا انتهينا في هذا المقال بالأسئلة فهي كثيرة لكن أهمها يخص الطرف الفائز وهي حماس وأهم هذه الأسئلة في وجهة نظري هي : كيف ستتعامل حماس مع اتفاقات أوسلوا التي أعطت المشروعية لتشكيل السلطة الفلسطينية وإجراء الانتخابات وفقها ، وإذا قالت حماس أن أوسلوا انتهت فيما هو مصدر مشروعية هذه الانتخابات ؟ وكيف ستتعامل حماس مع شعار فلسطين من البحر إلى النهر ؟ وهل ستقبل حل الدولتين وحدود عام 67 أم لا ؟ بما يعني الاعتراف بإسرائيل وهل ستفعل هذا مقابل شيء محدد وغير مجرد اعتراف الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي بحماس ورفعها من قوائم المنظمات الإرهابية إلى غير ذلك ؟ ، وأظن أن هذا المطلب هو ما سيتم الضغط من أجله وليس مطلب التخلي عن السلاح لأن الغربيين قبلوا باستمرار تسليح فتح مع وجودها في السلطة في مقابل اعترافها بإسرائيل وبحل الدولتين وما موقف حماس من قضية القدس هل ستقبل بالقدسالشرقية فقط أم بكل القدس ؟ وهل حتى القدسالشرقية قابلة لأن تكون محل مفاوضة ؟ وما موقف حماس من قضية اللاجئين والعودة بعد وصولها للسلطة ؟ فنحن نعرف موقفها من كل هذه القضايا قبل يوم 25 يناير 2006 لكن هذه الأسئلة كلها نشأت بسبب حصول حماس على الأغلبية التي تؤهلها لتولي الحكومة الفلسطينية ؟ كيف سيكون التعامل مع الرئيس أبو مازن وهو منتخب بشكل مباشر من الشعب الفلسطيني وله أجندة واضحة ومحددة ومختلفة عن حماس في أشياء كثيرة ؟ كيف ستنظم العلاقات بين الطرفين في المستقبل القريب ؟ كيف ستكون علاقة حماس مع الدول العربية في ظل المبادرة العربية التي اعتمدت في بيروت عن الحل السلمي ؟ كيف ستكون علاقة حماس مع الدول الغربية ( الاتحاد الأوربي – الولاياتالمتحدة ) في ظل وجود منح كبيرة من هذه الدول للسلطة الفلسطينية ولديها شروط خاصة بالاعتراف بإسرائيل ؟ كيف ستكون علاقة الحكومة الفلسطينية برئاسة حماس مع الدول التي تتعرض لحصار دولي في حين أن لها علاقات مميزة مع حماس مثل سوريا وإيران ؟ الأيام القادمة واختيارات حماس ستكون لها الدور الأكبر في الإجابة على هذه الأسئلة E. mail : [email protected]