ما إن انطلقت الانتخابات الرئاسية في أفغانستان, إلا وتساءل كثيرون حول ما إذا كانت تلك الدولة الآسيوية اقتربت من استعادة الاستقرار بعد ثلاثة عشر عاما من الغزو, الذي قادته الولاياتالمتحدة؟, أم أن حركة طالبان لها رأي آخر؟. وكان الناخبون الأفغان توجهوا في 5 إبريل إلى صناديق الاقتراع, للمشاركة في انتخابات رئاسية, تهدف إلى تحقيق انتقال ديمقراطي سلس للسلطة بعد فترة حكم الرئيس حامد كرزاي, التي استمرت منذ 2001 , فيما نشرت حركة طالبان مقاتليها في أنحاء البلاد لتعطيل الانتخابات, التي وصفتها بأنها "خدعة مدعومة أميركيا". ولم تعرف أفغانستان طيلة 13 عاما سوى حاكم واحد هو كرزاي, الذي عينه الغرب على رأس البلاد أواخر 2001 بعد الإطاحة بحكم طالبان, إذ انتخب للمرة الأولى عام 2004، ثم أعيد انتخابه عام 2009 ,في اقتراع اتسم بالفوضى, وبمشاركة ضعيفة لم تتجاوز 30% تقريبا. وبعد هاتين الولايتين, يحظر الدستور على كرزاي الترشح لولاية ثالثة, ولذا اعتبر كثيرون الاستحقاق الرئاسي في 5 إبريل اختبارا كبيرا لمدى استقرار أفغانستان وثبات مؤسساتها، خاصة بعد انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي بحلول نهاية 2014. وخاض المنافسة الانتخابية ثمانية مرشحين ينتمون إلى مختلف القوميات، ثلاثة منهم يعتبرون الأوفر حظاً, وجميعهم وزراء سابقون من حكومة كرزاي, وهم : زلماي رسول, الذي يعتبر مرشح الحكومة المنتهية ولايتها, ورجل الاقتصاد المعروف أشرف غاني, والمعارض, الذي حل في المرتبة الثانية في انتخابات 2009 عبد الله عبد الله. وإذا لم يحصل أي من المرشحين على أكثر من 50% من الأصوات في اقتراع السبت، فستجرى جولة ثانية بين المرشحين, اللذين حصلا على أعلى عدد من الأصوات في 28 مايو , ولن تعرف النتائج الأولية للدورة الأولى من الانتخابات قبل 24 إبريل. وأعلنت السلطات الأفغانية أن حوالي 13 مليون شخص شاركوا في عملية الاقتراع، في ارتفاع ملحوظ مقارنة بانتخابات العام 2009 , حين لم يشارك سوى حوالي ثلث الناخبين. ووجه الرئيس المنتهية ولايته حامد كرزاي الشكر إلى الشعب الأفغاني على مشاركته الواسعة في الانتخابات الرئاسية, أما فيما يتعلق بردود الفعل الدولية, فقد هنأ الرئيس الأميركي باراك أوباما الأفغان بانتخابات 5 إبريل 2014 ، وقال إن الاقتراع علامة فارقة في مسعاهم لتحمل مسئولية تدبير شؤون بلادهم. وأضاف أوباما في بيان له "نثني على الشعب الأفغاني وقوات الأمن ومسئولي الانتخابات للإقبال على التصويت، وهو ما يتماشى مع النقاش الحيوي والإيجابي بين المرشحين وأنصارهم"، وتابع "هذه الانتخابات حيوية لمستقبل أفغانستان الديمقراطي". كما هنأ الأمين العام للحلف الأطلسي أندرس فوغ راسموسن الأفغان بالانتخابات, التي وصفها بأنها "لحظة تاريخية"، ودعا إلى "التعاطي مع المعلومات عن حصول تجاوزات في الانتخابات عبر الآليات الدستورية الموضوعة"، وأوضح أن الانتخابات الرئاسية "جرت بواسطة الأفغان وأن الأمن حصل بفضل جهود الأفغان، من أجل مستقبل الشعب". وفي المقابل, نفذت حركة طالبان عشرات الهجمات في أكثر من منطقة في يوم الاقتراع ، في محاولة لإحباطه, وذكر بيان لوزارة الداخلية الأفغانية أن 54 مسلحا ينتمون لطالبان قتلوا, وأصيب 19 آخرون في اشتباكات مع قوات الأمن بولاية غزني وسط البلاد. وأضاف البيان أن مسلحي طالبان حاولوا تعطيل عملية الاقتراع في مناطق مختلفة من الولاية, فيما نقلت قناة "الجزيرة" عن مسئول في مفوضية الانتخابات قوله إن مسلحي طالبان احتجزوا ثمانية من موظفي المفوضية في مديرية سانجارك بولاية سربول شمال البلاد. ونشرت السلطات الأفغانية نحو 350 ألفا من قواتها لتأمين مراكز الاقتراع، وعزلت العاصمة كابول عن بقية البلاد بسلسلة من الحواجز ونقاط التفتيش على الطرقات، وفرضت حالة إغلاق فعلي على مدينة قندهار, التي توصف بأنها معقل طالبان، وذلك عشية الانتخابات. ويبقى التساؤل الجوهري حول مستقبل أفغانستان بعد طي صفحة كرزاي, خاصة مع اقتراب انسحاب قوات الناتو في أواخر 2014 . ورغم أن الدستور الأفغاني لم يسمح لكرزاي بالترشح لولاية جديدة، إلا أنه يرجح على نطاق واسع أن يحتفظ بنفوذه, عبر مجموعة من السياسيين الموالين له, وهو ما من شأنه أن يطيل فترة عدم الاستقرار في البلاد, خاصة أن كرزاي طالما وجهت له والمقربين منه اتهامات واسعة بالفساد, حتى من أقرب حلفائه واشنطن. ومن جانبها, علقت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية بالقول في 6 إبريل إن الطريق إلى الديمقراطية في أفغانستان "وعرة" وعورة التضاريس, التي تضطر الأهالي إلى استخدام الدواب لنقل صناديق الاقتراع ضمن الانتخابات الرئاسية. وأضافت الصحيفة أن الأفغان أجروا استعداداتهم لإجراء الانتخابات, في ظل التفجيرات والمخاطر وأعمال العنف, التي شهدتها مناطق مختلفة من بينها العاصمة كابول، ووسط التهديدات, التي تطلقها طالبان. وأضافت أن ما يزيد من التعقيد والمخاطر في الانتخابات الرئاسية الأفغانية, هو ما يتمثل في حال عدم التمكن من الفوز بالجولة الأولى، ما يضطر الأهالي, للمخاطرة مرة أخرى, لتحديد الرئيس المنتخب في الجولة الثانية. ولعل ما يضاعف من المخاوف حول احتمال تفاقم العنف في أفغانستان, أنه في السنوات ال 13 الماضية, قامت الدول الغربية بانتشار عسكري ضخم , واستثمرت مئات مليارات الدولارات لتثبيت أقدامها هناك, إلا أن هجمات طالبان لم تتوقف يوما, بل إنها أوقعت خسائر كبيرة في صفوف القوات الأجنبية والأفغانية, على حد سواء. وبصفة عامة, يجمع كثيرون أن الاقتراع الرئاسي في أفغانستان لن يكون كافيا , للحكم على التقدم, الذي أحرز في البلاد, منذ طرد حركة طالبان من الحكم في 2001 بأيدي تحالف دولي بقيادة الولاياتالمتحدة, في أعقاب هجمات 11 سبتمبر