هل تلعب تصريحات الأستاذ "محمد حسنين هيكل" دور "جهاز التفجير" الذى ينسف العوائق ويشق الطرق أمام قاطرة توريث الحكم فى مصر؟ لعلكم تذكرون المحاضرة التى ألقاها "هيكل" فى الجامعة الأمريكية عن "الرئيس والوريث"، والتى استبعدت فكرة التوريث لا من منطلق نفى المقدمات، بل بمنطق التحذير من النتائج. وبعد هذه المحاضرة مباشرة بدأت الإجراءات العملية للتوريث، ما جعل البعض يستنتج أن المحاضرة كانت جزءاً من تهيئة الأذهان لقبول التوريث وإعداد المسرح لبدء العرض. ثم ها هى تصريحات "هيكل" الأخيرة تأتى فى الأمتار الأخيرة لتؤكد ما يتوقعه الكثيرون من إتمام مخطط التوريث خلال العام الحالى، فهل قُصد بهذه التصريحات أن تلعب دور الدقات التقليدية التى تسبق رفع الستار فى المسرح؟ شخصياً لا أميل إلى هذا الافتراض الذى يجعل أداء الأستاذ "هيكل" جزءاً من السيناريو، وهو موقف ينبع من قراءة المشاهد المفككة والمرتجلة التى شكلت ما سمى ب"سيناريو التوريث"، تلك المشاهد التى يظهر منها أن الأمور لا تجرى وفق نسق معد سلفاً، ولا تسير كالقطار على القضبان بل كمركب تتقاذفه العواصف وعلى "ريس المركب" أن يرتجل غير عابئ بما يفقد من بحارة أو بضائع، فالمهم هو أن يرسو بمركبه على البر المنشود. ولو كان هناك سيناريو معد سلفاً لما جرى ما جرى بعد محاضرة الجامعة الأمريكية، لقد منعت المحاضرة من النشر باختراقات محدودة وكان على المسئولين فى قناة "دريم" أن يدفعوا ثمن إقدامهم على بثها، كما كان على القناة أن تعتذر لمشاهديها عن إعادة البث فى الموعد الذى سبق الإعلان عنه متذرعة ب"أسباب فنية" لم تحدد طبيعتها، وكلها رسائل فهمها الناس وتلقاها "هيكل" الذى بادر إلى الموافقة على عرض قناة "الجزيرة" بتقديم حلقات فيها، فى خطوة تعاكس ما اختطه لنفسه فى السنوات الأخيرة، إذ ظل حريصاً على أن تبقى مساهمته مع الإعلام العربى من داخل مصر، لكن تداعيات "المحاضرة" جعلته يدرك أن الحلقة تضيق، وأنه ربما يجد نفسه بلا منبر، مع احتمال تعرضه ل"قصف إعلامى" يجد نفسه عاجزاً عن الرد عليه، ولهذا حسم موقفه ووافق على حلقات "الجزيرة" التى أرجأ الموافقة عليها وقتاً طويلاً. إلى ذلك فهناك شواهد كثيرة على الارتباك الشديد الذى يسود "إجراءات التوريث"، منها على سبيل المثال التعثر المالى الذى يعانيه النظام بسبب نفقات التوريث، والذى يسعى إلى حله "بالقطعة" وباتباع إجراءات يعيبها عوار قانونى وسياسى. والأهم من هذا التعثر هو صراع الديكة الناشب بين الحرس القديم ولجنة السياسات، وهو صراع أدى أحياناً إلى إلحاق أضرار واضحة بهذه الإجراءات، مثلما حدث عندما قام الحرس القديم بتسريب خطة "هلال المستقبل" التى خاض الرئيس "مبارك" انتخابات الرئاسة فى ظلها، فقد فوجئت "لجنة السياسات" التى انفردت بوضع الخطة وأرادت الاستئثار بتنفيذها بتفاصيل الخطة منشورة فى أكثر من جريدة بعد ساعات من اعتمادها، فى رسالة واضحة من الحرس القديم تقول "أنتم عاجزون عن حماية أسراركم"! الموقف كله يسوده الارتجال والارتباك، والجزء الوحيد المخطط له هو تقديم بعض "كباش الفداء" فى قضايا فساد سابقة التجهيز، لكن حتى التخطيط الذى يتمتع به هذا الجزء يفسده التداخل مع قضايا فساد حقيقية، تفرض نفسها وتصبح أعلى صوتاً وتدين الجميع، مثل قضية "عبارة الموت" التى تثير الرعب داخل الحزب الوطنى، خاصة وأن وحلها يلطخ عناصر قيادية فى صفوف الحرس القديم، وعناصر مماثلة تنتمى للجنة السياسات أيضاً.