قالت الواشنطن بوست، إن د. محمد البرادعي لم يلوث بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وذلك في تقرير لها حول قدرته على إدارة بلد كبير مثل مصر. كلام الصحيفة الأمريكية ربما يكون صحيحا، ولعل ذلك ما يميز البرادعي عن غيره من منافسيه على مقعد الرئاسة الذين أعلنوا نيتهم في ذلك رسميا حتى الآن.. فغالبيتهم إما عملوا مع مبارك، وإما كانوا صناعته قبل أن يخرجوا على طاعته. ولكن يظل البرادعي محض مرشح، عليه أن يقنع المصريين وكما قالت الواشنطن بوست بأنه يشعر بما يشعرون به، وهو مطلب لا يتعلق بالبرادعي وحده، وإنما بكل المرشحين.. ولا يعني صدام البرادعي بمبارك، أنه قد حصل على صك أو توقيع على بياض من المصريين، لأن في مصر العشرات غيره، من الذين نالهم من التنكيل في عهد الرئيس المخلوع ما يجعلهم الأكثر شرعية من البرادعي حال احتكمنا إلى معايير الصدام أو الوئام مع النظام السابق. البرادعي ربما يحظى بتقدير قطاع ليس بالقليل من الرأي العام، ولكن تظل مشكلته التي لا تزال موضع نقد من الكثيرين، أن الوعاء السياسي الذي يتحرك من خلاله يسيئ إليه بشكل يخصم من رصيد "الثقة" في امكانية أن يدير البلد حال فوزه بمقعد الرئاسة من خلال مساعدين يتسمون بالنقاء السياسي والأيديولوجي. ما حدث في نقابة الصحفيين، منذ أيام قليلة على سبيل المثال ربما يعكس حجم الأزمة التي قد تعيق فرص البرادعي في تحقيق حلمه الذي عبر عنه صراحة بالوصول إلى مقعد الرئاسة.. حين شرع بعض السياسيين المؤيدين له في اعتلاء منصة إحدى قاعات نقابة الصحفيين وتوظيفها للدعاية له، فيما اعتبر وصاية فجة للنخبة المثقفة المناط بها مهنة صناعة الرأي العام، وما يمكن تفسيره بأنه"إهانة" غير مقبوله وجهها البرادعي من خلال وكلائه للجماعة الصحفية المصرية. أنا لا أدري ما إذا كان البرادعي قد أسند لهؤلاء النشطاء، مهمة الدعاية له، وما إذا كان على علم بنيتهم في استخدام نقابة الصحفيين كاداة في ذلك الشأن.. غير أنه من المدهش حقا، أن البرادعي لم يصدر منه ما يؤكد أو ينفي علمه أو موافقته أو رفضه لما حدث، رغم أنه ظل موضوعا للجدل ما يقرب من ثلاثة أيام، وما صاحبه من مشاهد مؤسفة، حين شرع صحفيون في الاشتباك مع مؤيديه وطردهم خارج النقابة، ومن بينهم أسماء كبيرة تورطت في استفزاز من حضر اللقاء من الصحفيين. هذه واحدة من مشاكل البرادعي التي صاحبته منذ عودته إلى مصر، مؤسسا لحركة احتجاجية نشطة، لا زالت تعقد عليه آمالا كبيرة في صوغ مستقبل مصر الديمقراطي.. وهي ارتهانه إلى رموز وشخصيات لا تحظى بأي قبول شعبي وليس لها حضور إلا في أوساط "الشللية" الثقافية والفكرية والصحفية والسياسية والإعلامية التي احترفت "بزنس المعارضة" في عهد الرئيس المخلوع، وشاركت أيضا في هزيمة الإصلاح السياسي في عهد ما قبل ثورة 25 يناير وعززت من فرص تحقيق مشروع التوريث قبل أن يطيح به الثوار في 11 فبراير الماضي.. ويبدو لي أن البرادعي لا يزال متحليا ب"الحذر" المهدر للفرص وكما وصفته يوم أمس وبوضوع صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية. [email protected]