لن تكتمل للثورة المصرية الجديدة ملامحها في التغيير إلا بالموافقة على أن يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخاب وليس بالتعيين. والمسيرة التي يشارك فيها ألف إمام من علماء الأزهر للمطالبة باستقلال الأزهر عن الدولة هي رسالة واضحة بأن الأزهر يجب أن تعود إليه مكانته وهيبته ودوره التنويري وأن ذلك لن يتحقق أبدًا إذا ما ظل الأزهر تحت هيمنة وسلطة الدولة وأحد أجهزته الإدارية. فلقد كان أسوأ ما حدث في الماضي بعد قيام ثورة يوليو 1952م هو امتداد سيطرة الدولة إلى الأزهر الشريف مما أدى إلى تعيين أئمة ساهموا في تثبيت وتدعيم سلطة الحاكم بدلا من تدعيم وتثبيت أحكام الدين. وفتح ذلك الباب إلى ظهور جماعات دينية متشددة ترفض دور الأزهر والطريقة التي يدار بها وما يصدر عنه من فتاوى وأحكام. وأصبح الناس ينظرون إلى علماء الأزهر على أنهم علماء السلطة ويتعاملون معهم باستخفاف بدلاً من تبجيلهم واحترامهم والنظر إليهم على أنهم حملة كتاب الله الذين يفترض فيهم ألا يقولوا إلا الحق والصدق. وانعكس ذلك في وجود أمراء الجماعات الدينية بكل ما يصدر عنهم من فكر متطرف تبلور في أعمال عنف وإرهاب تبلور في أعمال وإرهاب كادت تقود البلاد في مرحلة من المراحل إلى فتنة طائفية مدمرة في مجتمع كان التسامح الديني من سماته الأساسية. ولأن النظام هو الذي يختار شيخ الأزهر بالتعيين فإنه لم يكن يتعامل مع مؤسسة الأزهر على أنها صوت الإسلام والمسلمين وتعامل معها كأحد مؤسساته التابعة التي يجب أن تنفذ سياساته وأهدافه والتي من بينها أن تدعو الناس إلى عدم معارضة الحاكم والخضوع له. وشهدنا لذلك تراجعًا كبيرًا في دور الأزهر الشريف داخليًا وخارجيًا، ولم يعد ما يصدر عن الأزهر من بيانات ومواقف يستوقف أحدًا أو يثير اهتمامًا لأن الناس رأت فيه صورة أخرى لما يصدر عن النظام وما يدعو إليه. والآن..اختلف الوضع كثيرًا..فالنظام لن يكون أبدًا مثل العقود الماضية، وثورة الشعب في 25 يناير أسقطت كل القيود والحواجز وفتحت الباب لأفكار أكثر تحررا ولدعوات لأن يرفع الجميع رؤوسهم، وبمبادئ تدعو إلى مشاركة الجميع في صنع القرار وصياغة مستقبل هذا الوطن. ولهذا يصبح المطالبة بتحرير الأزهر ضرورة يمليها علينا الواقع الجديد، فالأزهر هو منارة الإسلام وهو ما يمنح مصر مكانة متميزة في العالمين العربي والإسلامي، وتحرير الأزهر يبدأ من القمة، بانتخاب شيخ الأزهر من جموع العلماء، بالتوافق بين علماء الأزهر ليكونوا جميعًا على وفاق خلف الإمام الأكبر بدلاً من أن تكون هناك مؤسسة رسمية يقابلها جبهة مناهضة لعلماء الأزهر، ويضيع الحق بينهما ولا نعرف أيهما نتبع وأيهما نقبل وأيهما نسمع.. لقد آن الأوان لتعديل قانون الأزهر كله وعودة هيئة كبار العلماء للاجتهاد لكي نبدأ مرحلة جديدة يعود فيها لعالم الدين مكانته وإجلاله واحترامه. [email protected]