كان العمل الإسلامي في مصر كلها يرتقي ويضع أقدامه بثبات في ساحة مصر الطاهرة بينما استهدف نظام مبارك الظلوم من خلال وزير داخلية السابق عبد الحليم موسي شباب هذه الدعوة لاجتثاث جذورها وتجفيف منابعها. بالتحديد 1990 اتخذوا سياسة التصفية الجسدية سبيلاً لإجهاض هذه الدعوة والإجهاز على نشاطها خاصة في مدن الصعيد التي كانت تجتاحها بشعبيه جارفة دعوة الجماعة الإسلامية. وتحت دعوة الفتنه الطائفية اقتحمت قوات الأمن المساجد وطاردت الشباب وانتهكت حرمات البيوت في مدينة المنيا.. بدايات مارس 1990 اشتد طلبهم على مجموعة من نشطاء الحركة من الشباب حديثي السن وكان أخي ضمن هؤلاء الشباب وبالطبع كنت مطلوبا معهم. ظللنا هاربين حتى شهر يوليو من هذه السنة اقتحمت قوات الأمن منزلنا واستاقوا أمي وأخوتي البنات حيث أودعوا البنات بندر المنيا بينما احتفظوا بأمي في مبني مباحث أمن الدولة وأخبروا أبي الذي تركوه طليقاً أنهن لن يخرجن إلا أن نسلم نفسينا إليهم. ظللنا نتنقل من مكان إلى مكان بعد أن افترقنا قبل مقتله بقرابة الشهرين بينما مكث أبي بمفرده في البيت يجهز الطعام لأمي وأخواتي ويحملها إليهن في محبسهن .. ويذهب لأمي في محبسها بطفلتها الرضيعة التي رفضوا أن تحملها معها لترضعها ثلاث أو أربع مرات في اليوم في مباحث أمن الدولة. في يوم 26/7/1990 كان أخي مختبئاً في شقة خلف مبني المطافي بالمنيا حيث فوجئ باقتحام الأمن للشقة قبيل الفجر حيث أوثقوه وانطلقوا في فاصل من التعذيب يستنطقونه بحثاً عن أماكن بقية الهاربين من إخوانه .. ولما لم يصلوا إلى نتائج أطلقوا عليه النار ثم ظلوا ينادون في ميكروفون يدوي معهم "أن يسلم نفسه"للإيهام. بأنه يقاوم السلطات وهم يطلقون الرصاص في الهواء ثم ألقوا بجثته في الشارع. بعد ذلك حملوا الجثة في سيارة أمن الدولة وذهبوا بها إلى بيت مسئول كبير في الجهاز كانت سيارته قد احترقت أثناء أحداث الفتنة الطائفية واتهموا أخي بإحراقها ليشاهد جثه من زعموا أنه أحرق سيارته وقتلوه عقاباً له وثأراً للسيارة الشهيدة. وبينما كان أبي في المنزل ينتظر فرج الله في ولديه وبناته وزوجته فوجئ بسيارة أمن الدولة تقف أمام الناس لتحمله إلى النيابة، وهناك وجد مذكرة تحريات المباحث تنسب وفاة ابنه إلى حادث سيارة حيث رفض التوقيع على المحضر ليجئ تقرير الطب الشرعي مؤكداً أن أخي قتل برصاص آلي لا يتوفر إلا لرجال الشرطة. ذهبوا بأبي إلى المشرحة بمستشفي المنيا العام حيث ألقي على ولده النظرة الأخيرة وغسله وكفنه ومنعوا الناس من السير خلف الجنازة ليحمله منفرداً إلى مثواه الأخير. عاد أبي ليجد أبنه الآخر وقد قبض عليه وزج به في أتون التعذيب ثم إلى غياهب السجون منذ يوليو 1990. وقد خرجت في أبريل 2006 بعد ست عشرة سنة من الاعتقال دون تهمه ولا جريمة ولا قضية اللهم إلا قتل أخي رحمه الله وبهدله والدي وأخوتي البنات لأجد والدي وقد سبقني إلي الآخرة حزناً على وعلى أخي محيي الدين والي الله المشتكي وهو المرتجي أن يقتص لأخي ولي ولوالدي وإخوتي . مقدمة رمضان جمعه عبد الفتاح ملحوظة: أعرف أسماء الضباط الجناة ولدي شهود على كل كلمة قلتها في هذا البلاغ