فتوى "خراب البيوت" هكذا نظر كثيرون إلى الدعوة التي أطلقها مظهر شاهين إمام وخطيب مسجد عمر مكرم، ويحرض فيها على تطليق الزوجة التي تنتمي إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، وهو الرأي الذي أيدته فيه الدكتور سعاد صالح، عميد كلية الدراسات الإسلامية بنات بجامعة الأزهر سابقًا، والملقبة ب "مفتية النساء"، بعد أن أفتت بفسخ خطبة الشاب من خطيبته إذا كانت تنتمي إلى جماعة "الإخوان"، بدعوى الحفاظ على الأسرة والدين ولمصلحة العائلة والوطن. وأثارت تلك الفتوى جدلاً واسعًا، خاصة وإن تطبيقها سيؤدي في كثير من الأحوال إلى هدم العديد من الأسر التي تكون فيها الزوجة "إخوانية"، والزوج مختلفًا معها فكريًا، وهو ما تجلى بوضوح داخل بيوت كثير من المصريين التي تأثرت بشكل أو آخر بحالة الاستقطاب السياسي التي تشهدها البلاد. وليس أدل على ذلك من البلاغ الذي تنظره نيابة أمن الدولة العليا، والذي يتهم فيه أحد الأزواج زوجته المدرسة بكلية الطب بالانتماء إلى جماعة "الإخوان"، ويطالب ب "اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الزوجة لكونها منضمة إلى إحدى الجماعات الإرهابية وهي جماعة الإخوان ومحرضة للطلاب على التظاهر والتخريب مستغلة في ذلك وظيفتها كمعيدة (مدرس مساعد) بالجامعة". ولعل هذا المثال يؤشر على حالة الانقسام التي ضربت استقرار الأسر المصرية، وتهدد كثيرًا منها بالخراب تأثرًا بتلك الفتوى التي أطلقها إمام وخطيب مسجد عمر مكرم، بحجة أن "مصلحة الوطن والدين أهم من المصالح الشخصية"، دون إدراك التداعيات التي سترتب على الأخذ برأيه من تمزيق أسر وتشريد أطفال، ودون الأخذ حتى بقاعدة "أخف الضررين". وعلى الرغم من محاولة شاهين احتواء الأزمة التي فجرتها فتواه، إلا أنه جعل الزوجة "الإخوانية" في أفضل الأحوال في حكم "المرتدة عن الإسلام" التي يجب أن تُستتاب أولاً فإن رجعت عن أفكارها أبقى عليها زوجها، وإلا فليقم بتطليقها إذا لم تعدل عنها، بقوله، إن "شرط طلاق الزوج لزوجته إذا اكتشف أنها إرهابية أن يعرض عليها التوبة والعودة إلى الوطنية والتخلي عن الأفكار الإرهابية أولاً". وتابع: "فإن تابت وأنابت وعادت إلى رشدها فلا يطلقها... وإن أبت إلا أن تشارك في القتل والإرهاب فقد بانت خيانتها للوطن وباتت في عرف القانون مجرمة وفي حكم الشرع فاسدة، وهذا يشكل خطرًا على الأسرة والمجتمع". واستدرك شاهين قائلاً: "وإذا كان الرجل من حقه أن يطلق زوجته إدا ثبتت خيانتها له.. فمن باب أولى من حقه أيضًا أن يطلقها إذا خانت الوطن وشاركت في قتل الأنفس وحرق المنشآت والتجسس علي الوطن.. لأنه إذا كانت خيانة الزوجة لزوجها كبيرة.. فخيانتها للوطن أكبر الكبائر"، على حد قوله. لم يمر على فتوى شاهين يوم واحد حتى خرجت الدكتور سعاد صالح، عميد كلية الدراسات الإسلامية بنات بجامعة الأزهر سابقًا، والملقبة ب "مفتية النساء" بفتوى مماثلة بفسخ خطبة الشاب من خطيبته إذا كانت تنتمي إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، بدعوى الحفاظ على الأسرة والدين ولمصلحة العائلة والوطن. وقالت صالح، ردًا على اتصال من إحدى السيدات ببرنامج "فقه المرأة" الذي تقدمه على قناة "الحياة2"، بأن نجلها مرتبط بإحدى فتيات "الإخوان" التي شاركت في اعتصام رابعة وتخرج في مظاهراتهم، إن "الفكر الإخواني هو فكر مسمم ويضاد صحيح الدين"، على حد قولها. وأضافت أن "الضرر الأخف يزال بالضرر الأشد"، وطالما أنه لم يتزوجها فله أن يفسخ خطبته بها، حفاظا على الأسرة، لأنها ستجلب له كثيرًا من المشاكل مع والديه وعائلته، علاوة على أنه سيؤثر على الأطفال بعد ذلك". إلا أن دار الإفتاء المصرية اعتبرت فتوى مظهر شاهين "غير شرعية". وقالت في بيان أصدرته، إن "تطليق الرجل زوجته لانتمائها لجماعة أو حزب سياسي هو رأي شخصي وليس ب "فتوى شرعية"، وقد شابه نوع من المزايدة بسبب المتغيرات السياسية، وليس أسباب الطلاق الواردة في كتب الشريعة؛ خاصة مع التحذير الشديد من التطليق بغير موجب شرعي وفق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وأضافت: "لكن إذا ثبت تورط أحد الزوجين في أعمال إرهابية فالمرجع في ذلك إلى جهات التحقيق". وحذر الدكتور مجدي عاشور، المستشار الأكاديمي لمفتي الجمهورية، وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية من الآراء التي تصدر عن غير القائمين بالفتوى، تثير بلبلة في المجتمع وتساعد على إشاعة الفرقة والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد بل بين أفراد الأسرة الواحدة. من جهته، اعتبر الداعية الشهير خالد الجندي أن كلام شاهين "ليس بفتوى ولكنه رأيا شخصيًا، فالإسلام أباح الزواج بالنصرانية المختلفة معه في الملة، فكيف لا يبيح الزواج بالمرأة المختلفة معه في الفكر السياسي". وأضاف: "هذا خلاف سياسي وليس ديني، ويجب أن يبقي في إطاره، فنحن لا نريد للمرأة أن تنساق وراء زوجها دون إعمال عقلها، بل يجب أن يكون لها استقلاليتها الثقافية، ومن يٌلام هو الرجل الذي لم ينجح في تقديم الفكر الوسطي إليها". ورأى أن "تطليق الزوجة بسبب الخلاف السياسي أمر مستغرب". وأوضح أنه "إذا كانت الزوجة إرهابية، فيجب تقديمها للسلطات للعقاب المناسب، والزوج من حقه أن يمنع الزوجة مما هو ضار بها وبالأسرة والمجتمع، فلماذا لا يمنع الزوجة من لقاء تلك الفصائل التي يراها إرهابية، لماذا لا يُفعًل من سلطاته ويمنعها من الاتصال بهذه الجهات، والمصيبة لو طلقها بلا رابط على المجتمع فيكون ضررها أكبر"، على حد تعبيره. مع ذلك، أعرب شاهين عن تمسكه بفتواه المثيرة للجدل، واصفًا منتقديها ب "المغرضين والتافهين". وقال شاهين عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "ابتلينا ببعض الدعاة والكتاب لا يعرفون على أي أرض يقفون.. ولا إلى أي جانب ينتمون.. ودائمًا من منتصف العصا هم يمسكون... وعلي كل الموائد يأكلون.. وعلى حسب الأحوال يتلونون... أنا لازلت مصرًا على موقفي مهما فعل المغرضون أو تقول التافهون... على فكرة أنا أقصد من ركبوا موجة الرد على كلامي حول جواز طلاق الإرهابية".